حديث الجمعة

حديث الجمعة : «الإمام الرضا(ع) والأمن الفكري (٤)»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الإمام الرضا(ع) والأمن الفكري (٤)» يوم الجمعة ٢٩ ذوالقعدة ١٤٤٢هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

كنا نتحدث عن «الأمن الفكري» عند «الإمام الرضا» عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا الموضوع من الموضوعات الشائكة والتي لا نستغني عنها واياكم أبدا، باعتبار أن الانسان إذا فاته أن يحصل على أمن فكري سيعرض نفسه للانحراف السلوكي والانحراف العقائدي، حيث تتيه به السبل ولا يصل إلى حيث يجب أن يصل، لأن الله عز وجل إنما خلقنا في هذا العالم من أجل أن نعبده، ولا تتم عبادته إلّا أن نعرفه، فمن لم يعرف الله عز وجل، لم يعبده حق عبادته، وبالتالي سيكون على ضد ما خلقه الله عز وجل، من أجله، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}.

قلنا أن هناك صمامي أمان أساسيين، كتاب الله عز وجل، وسنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي تتلقى منه أو ممن أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بتلقي سنته منهم أو بشرح سنته من قبلهم وهم العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم. وذكرنا أن هناك خطرين داهمين، عانى منهم السابقون ويعاني منهم المتأخرون وهي مسألة “توثيق النص” المنسوب إلى الله وإلى الرسول.

وذكرنا أن القرآن الكريم، لا يوجد عندنا مشكلة إطلاقا، لا يستطيع أحد أن ينسب إلى الله في القرآن الكريم، شيئا لا يوجد فيه، كما لا يستطيع أحد أن يسلب آية من كتاب الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

أما سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اختلط فيها الحابل بالنابل، ولذلك جهد العلماء في أن يتثبتوا فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من حيث الصحة، حتى لا يتعرض للتقطيع والتشويش ونسبة شيء إليه لم يصدر عنه صلوات الله وسلامه عليه، فإذن، عندنا هذه الآفة، آفة تعطيل أو عدم توثيق النص، لكثره الكذب.

الآفة الثانية هي تعطيل العقل:

لأن الانسان حتى لو توفّر بين يديه كتاب الله عز وجل وسنّة النبي ومهما أوتي من العلم -يعني المواد العلمية- ما لم يملك العقل أو يفعّل العقل الذي جعله الله عز وجل، آلة الموازنة وآلة التعامل مع هذه المفردات، بحيث نضع ما في الأعلى في الأعلى، وما يجب أن يكون في الأسفل في الأسفل وما يكون في اليمين في اليمين وما يكون في اليسار في اليسار، حتى في شؤوننا الاعتيادية نحن لا نكل أيا من أمورنا وشيئا من أمورنا حتى ما صغر منها، إلى من لا يعد أهلا له.

لذلك، فإن قول الله عز وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} هذا ليس بالضرورة أمر مولوي، هذا إرشاد لما خلق الله عزوجل، الناس من أجله، كل العالم اليوم يسألون أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.

في هذه الجائحة، ماذا يفعل الناس؟

كل الناس يعتمدون على “منظمة الصحة العالمية” حتى الدول، لماذا؟

لأن هذه المنظمة، اتفقت دول العالم على أن تُرفع كل المعطيات إليها ثم يقوم هؤلاء المختصون في هذه المنظمة بمحاكمة هذه المعطيات والتوصل إلى النتائج اللازمة والمطلوبة.

في السابق كانوا يقولون بأن اللقاح يجب أن يحفظ في درجة حرارة (٧٠-٠) تحت الصفر، توصلوا بعد فترة إلى أننا لسنا بحاجه الى ان نحفظها الى (٧٠-٠) تحت الصفر، (٣٠-٠) يكفي، أقل يكفي، كانوا يقولون بأننا نحتاج الى الفترة الفلانية بين اللقاح في الجرعة الأولى والجرعة الثانية ثم باعدوا بينهما، والسبب هو أنهم في السابق كانوا يحتاطون، لكن بعد أن أجروا الدراسات وجدوا أن بعض الاحتياطات التي أخذوها، ما عادوا بحاجة إليها.

هل يستطيع أن يقوم بذلك كل عاقل؟ الجواب: كلا.

 نحتاج إلى مادة علمية وعاقل يغربلها، قد نشترك في العقل، لكن العلم له أهله، وكذلك العقل له أهله، حتى فيما يتعلق بالمسائل الدينية والاعتقادية، نحتاج إلى هذين الأمرين، أن نتوفر على نص سليم وعلى عقل فاعل، قادر على أن يحاكم هذه النصوص.

أذكر نموذجين مما رُوي عن «الإمام الرضا» عليه أفضل الصلاة والسلام، والذي قال (صديق الانسان عقله وعدوه جهله) أولا، قبل أن أنقل النصين، أنقل نصا حتى نعرف كيف أن الانسان أقل انحراف قد يؤدي به إلى الهلاك، ولعلنا أشرنا إليه في حديث سابق:

هو أن أحدهم، لما حصلت الفتنة في زمن «أمير المؤمنين» وبُغي عليه من قبل آخرين، مع أن النبي شهد له أنه (مع الحق) وأن (الحق معه) حتى تأسف من تأسف، فيما بعد، عرض أحدُهم على أحدِهم “ألا أقتل لك عليا، قال كيف تقتله وقد أحاط به أصحاب؟ قال أستدرجه وأفتك به، قال الإيمان قيّد الفتك.”!

أين هي المشكلة في هذا النص؟

 لاحظوا هو يقول أن(الإيمان…) هو عنده مشكله ويا [مع] “الفتك” فقط، مو [ليس] مع قتل «أمير المؤمنين» يعني قتل «أمير المؤمنين» كان بالنسبة إليه جائز، لكن المشكلة في “الفتك”، “الفتك” صار أكثر عنده -في نظره- أكثر حرمة وعصيانا لله عز وجل، من قتل «أمير المؤمنين» الذي يعلم هو وغيره، أنه كان نفس رسول الله، كان أخا رسول الله، له من رسول الله المقام الأعلى الذي لا يدانيه فيه أحد، لكن تحفظ على هذه المشكلة، مثل أولئك “الخوارج” الذين كانوا يسفكون الدماء، ثم يتحفظون على أخذ رطبة سقطت من النخلة، يستشكلون، يقولون هذا الرطب لا يجوز أخذه، أدماء المسلمين حلال وأخذ الرطب من مزارع الناس، من النخلة حرام؟! الفكر إذا اعوّج وانحرف ننتهي إلى مثل هذه النتائج.

لاحظوا «الامام الرضا» عليه أفضل الصلاة والسلام، يسأله أحدهم قال ” سألته عن الله عز و جل هل يوصف ؟…” وسؤال غريب، كيف يعني هل يوصف أو لا يوصف، القرآن مليء بوصف الله، هل هذا سؤاله؟ “فقال عليه السلام (أوما تقرأ القرآن؟…) لاحظوا، هو يسأل ليس عن الوصف الذي جاء في القرآن، هل نستطيع نحن البشر، بما نملك من البحث العلمي أن نصف الله عز وجل، بما لم يصف به نفسه؟.

فقال (أوما تقرأ القرآن؟ قلت بلى، قال أوما ما تقرأ قوله تعالى {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} قلت بلى، قال فتعرفون الأبصار؟ قلت بلى، قال ماهي؟…) هنا الخطأ (… قال أبصار العيون، فقال إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام).

الآية ما كانت تريد أن تقول إن العين لا تبصر الحق سبحانه وتعالى، هذا من المسلمات، هذا واضح، لأن العين تبصر شيئا مجسّما له أبعاد، له طول، له عرض، في زاوية معينة، إذا كان في اليمين نظر إليه من نظر إلى اليمين، وإذا نظر إليه من نظر إلى الشمال لا يستطيع أن ينظر، لأن الله عز وجل، لو كان جسما، إن كان هنا فلن يكون هنا، وإن كان هنا، فلن يكون هنا، مع أن الله عز وجل بشهاده القرآن الكريم، إلهٌ في السماء وإلهٌ الأرض، كيف يُرى الله سبحانه وتعالى؟ قال هذا واضح، «الامام الرضا» يقول المسألة أبعد من هذا، ليس فقط الأبصار هذه لا تراه، وإنما إبصاركم بقلوبكم هذه لا تراه، وانما أبصاركم بقلوبكم لا تستطيعون أن تروه، فإذا لم تره بقلبك، يعني لم تحط به، كيف تصف شيئا لا تعرفه.

لذلك، «الامام الصادق» عليه أفضل الصلاة والسلام، جاء أحدهم وقال “إني اخترعت دعاءا قال (دعني من اختراعك) دعاء الله عز وجل، فن التخاطب مع من تعرفه.

الآن، إذا لأراد لأحد أن يذهب الى دائرة حكومية أو إلى جهة يريد أن يخاطبها، ألا يكتب خطابا؟ يكتب خطابا، إن لم يكن ممن يُحسن التخاطب مع هذه الجهة، ماذا يفعل؟ يذهب إلى الجهات العارفة “كتّاب المعاريض” يذهبون إلى المحامين ويذهبون لأهل الاختصاص، مع أنك بشر تريد أن تخاطب بشرا، فكيف تخاطب الله عزوجل، بدعاء تخترعه، وما يترتب على اختراع الدعاء من الثناء والحمد، فإذا كنت لا تعرف الحمد والثناء، كما ينبغي، كِل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.

ثم يقول أفضل الصلاة والسلام، يريد يعزز النتيجة (أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}) أولئك الكفار الذين خاصموا الأنبياء وأصمم الله اسماعهم وأعمى أبصارهم، هل جعلهم صمّا في آذانهم هذه، فكان لا يسمعون، أو أن الله أعمى عيونهم هذه، فكانوا لا يبصرون؟ لا، كانوا يبصرون وكان يسمعون، لكن ليس هذا هو المقصود، فتحتاج أن نتعرف على المفردة القرآنية، كيف يجب أن تُحمل عليه، هذا النموذج.

النموذج الثاني:

“عن صفوان بن يحيى قال سألني أبو قرّة المحدّث…” قاضي، يُعرف بالمحدث “أن أُدخله إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام…” والظاهر أنه حينما استُجلب إلى “مرو” صلوات الله وسلامه عليه ” فاستأذنته فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد…” يعني متشعبة أسئلته، منها وصل إلى التوحيد ” فقال أبوقرّة…” طبعا “أبوقرّة ينتمي إلى مدرسة غير مدرسة أهل البيت وهو يعرف أن أهل البيت لهم قراءة مختلفة عن القراءة الشائعة التي كانت سائدة في أوساطهم، أراد أن يعرف من «الامام الرضا» كيف يجب أن نتعامل مع هذه المسألة ” إنّا روّينا…” أي روى إلينا وأمرنا أن نروي، تُقرأ ” روّينا ” روينا ” كلاهما صحيح “أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الرؤية..” يعني شرّف الله عز وجل، بأن كلّمه فصار موسى “الكليم” في حين أن موسى، ماذا قال له لما سأل الله {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي} لكن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفقا لهذه الرؤية سيرى الله عز وجل، طبعا يرى الله مثل ما كانوا يتصورون بهذه العين، فالإمام يريد أن يبيّن له.

“فقال أبو الحسن عليه السلام فمن المبلّغ عن الله الى الثقلين من الجن والإنس لا تدركه الابصار من الذي قال لنا سبحان الله عز وجل ان الله يقول {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ….” من الذي قال للناس عن الله عز وجل أن الله {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} أليس رسول الله الذي بعثه الله إلى الإنس والجن حتى يبلّغهم عن الله عز وجل {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ}

آية ثانية {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} وآية ثالثة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من المبلغ لهذه الآيات الثلاث “أليس محمد صلى الله عليه وآله قال بلى، قال كيف  يجيئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صوره البشر…” لأن هذا كان شائعا في زمن “الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام” أن الله له كرسي وله عرش ويجلس عليه ويأط أطيطا وما يبقى إلّا أربع أصابع وبعضهم يقول سألوني عن كل شيء، الله له يد والله له وجه، والله له كذا.ّ! أبدا، مسألة تجسيم، واليوم المسلمون كلهم لا يقبل أحد أن يقول “أنا من المجسّمة” لستَ من المجسّمة، ثم قال ماذا؟ لكن الله يُرى..! تقول [له] رؤية الله تستلزم القول بالتجسيم، قال لا، أنا لا أقول بالتجسيم، لكن الله يجلس على عرش..! هذا ما يريد “الإمام” عليه أفضل الصلاة والسلام، أن يرده.

تقول بهذه العين، قال يخلق الله لدينا القدرة أن نرى، لكن لا ندري كيف، مثل ما أن الله يستطيع أن يجعلك اليوم أن ترى بهذه الأذن، مو [ليس] بالعين، هم يقولون الله قادر على كل شيء، كيف قادر على كل شيء، قال الله قادر على أن يجعلك تسمع بالعين وترى بالأذن، مع أن الله خلق العين للرؤية والأذن للسمع، لكن هؤلاء لأنهم يريدون أن يقولوا الله قادر على كل شيء، وهذا فهم خاطئ، لأن “الإمام الصادق” عليه السلام لما جاءه أحد الزنادقة وقال هل الله قادر على أن يضع الدنيا -هذه الكبيرة- في بيضة، البيضة لا تكبر والدنيا لا تصغر؟ عليه أفضل الصلاة والسلام، قال {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لكن السؤال غلط، لأن أنت تفترض أن الكبير كبير والصغير صغير، ثم إن الله عز وجل، خلق المعادلة التي تجعل الصغير لا يستوعب الكبير، ثم تريد من الله عز وجل، أن يخالف القانون الذي جعله، أن الصغير لا يستوعب الكبير، فهذا سؤال غلط، نحن في العُرف نقول ” اجلس كما تشاء ولكن تكلم بالمنطق، إجلس عوج على راحتك، ولكن إحك كلام عدل، حتى السؤال يجب أن يكون سؤالا صحيحا. لما جاء المسلمون وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} هل كان هؤلاء، هل كان هؤلاء يسألون عن الأهلة في هذا الجانب، لا، يسألون عن الهلال كيف يبدو صغيرا ثم يكبر ثم يكبر ثم يرجع، النبي يقدر أن هؤلاء لا يحسنون فهم هذه المعادلة الفلكية، فأجابهم بأمر من الله {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} خلّو سؤالكم في شيء ينفعكم، لا في الشيء الذي لا تستفيد منه ولا تستطيع أن تستوعبه.

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} لأنهم يريدون أن يدخلوا يمينا ويسارا وكذا، بعضهم حتى يفر، قال {قُلِ الْعَفْو}َ يعني ما زاد من مالك، أنفقه، خل سؤالك عمليا، فهذا أيضا نفس الشيء.

“الإمام” يقول عليه السلام، النبي يبلّغكم هذه الحقائق القرآنية عن الله، ثم تنسبون إليه أنه يرى الله بعينه، قال (أما تستحون، ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر) ثم قال “أبوقرّة” لأن الشبهة بعد مستحكمة عنده، هو قال “روّينا” عرف أن “الإمام” عليه السلام لا يعتد بهذه الروايات، قال فلنرجع إلى القرآن.

“ثم قال ” أبوقرّة” فإنه تعالى يقول {ولقد رأه نزلة أخرى} في “سورة النجم” فقال “أبو الحسن” عليه السلام (إن قبل هذه الآية يدل على ما رأى…..) لا تنتقي من كتاب الله عز وجل، ما يخدم وجهة نظرك، فلا تقرأ ما بعدها وما قبلها والآيات الأخرى، لا تضرب القرآن بعضه ببعض، وإنما تدبر في كتاب الله عز وجل، حتى يفسر لك بعضه بعضا (…..حيث قال { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ}) انت تقول { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ} بالعين، القرآن يقول قبل هذا {ما كذب الفؤاد ما رأى} هذه الآية (١١) هو أخذ الآية (١٣) مع أن قبلها كلمتين، ثلاث كلمات.

“…… يقول (ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى…) في الآيات التالية -آية (١٨)- ” فقال {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فآيات الله غير الله، وقد قال الله {ولا يحيطون به علما} فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة فقال “…أبوقرة…” أيضا عنده مشكلة أخرى ” …..فتكذب بالروايات؟” لأن “الإمام” حاصره، القرآن ليس على ما فهمتَه أنت، قال لكن الروايات صريحة، في أن الله يُرى، فكان جواب “الإمام” صلوات الله وسلامه عليه قاطعا وحاسما، حتى يؤمن له الفكر السليم ” ….. فقال أبو الحسن عليه السلام (إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يُحاط به علما ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء) انتهت الرواية.

القرآن بماذا يؤدبنا؟

{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} القرآن فيه محكمٌ وفيه متشابه، والانسان إذا صار عنده مشتبهات، يعني إذا اختلطت عليه الأمور، كيف يحاكم هذه المتشابهات، حتى يحدد الموقف السليم منها؟ يرجع إلى المحكمات، لذلك أول ما نعلّم أبنائنا في المدارس، في الرياضيات، بديهيات الرياضيات، الجمع والطرح (١+١= ٢) هذا ليس ترفا، لأننا إذا ارتقينا بمعارف هذا الولد، الرياضية، سنعيده دائما إلى (١+١= ٢) الزوج غير الفرد، هذه قواعد أساسية، هذه محكمات الرياضيات، فإذا تعقدت المعادلة الرياضية، لا يمكن أن يستغني هذه المحكمات، وكذلك الحال فيما يتعلق بالقرآن الكريم، والسنّة المطهرة، والفكر بشكل عام.

فمن أراد أن يحصل على “أمن فكري” رسول الله أرشدنا إلى ذلك (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ما تستطيع أن تقول “أنا في غنى” لا عن كتاب الله أنت في غنى ولا عن “أهل البيت” أنت في غنى ولا عن الاثنين معا أنت في غنى.

لذلك، النبي ماذا قال عن “أمير المؤمنين” عليه أفضل الصلاة والسلام، أعطى معادلة من طرفين (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) كلاهما يكمّل بعضه بعضا ولا يمكن أن ينفكا، وليس فقط “أمير المؤمنين” بل البقية، يعني “الإمام الحسين” مثل “أمير المؤمنين” الحق معه وهو مع الحق يدور معه حيثما دار، لذلك، الذين خذلوه، هل كانوا مصيبين، يقول لك هذه فتنة؟!

“الإمام الحسين” لا يُخاطب بأن نقول هذه فتنة، هو يعلّمك وجه الفتنة، مثلما أن النبي هو الذي يعلمنا أن هذا فتنة، ندخل فيها أو لا ندخل فيها، كذلك الحال مع عترته الذين شهد لهم وحددهم بالأسماء.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى