حديث الجمعة

حديث الجمعة : «فضيلة العزة والمحافظة عليها (٤/٤)»، يوم الجمعة ١٢ صفر ١٤٤٤ هجري

نصّ الخطبة التي ألقاها سماحة العلامة السيد حسن النمر الموسوي، بعنوان «فضيلة العزة والمحافظة عليها (٤/٤)»، يوم الجمعة ١٢ صفر ١٤٤٤ هجري، في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين

ربِّ اشرحْ لي صدري، ويسِّرْ لي أمري، واحللْ عقدةً من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله! أوصيكم – ونفسي – بتقوى الله.

كان حديثنا عن فضيلة العزة والمحافظة عليها وقد ذكرنا أن هذه الفضيلة ليست من الفضائل الكمالية وإنما هي من الضروريات التي يتصف الله -عز وجل- بها ويندب عباده أن يتحلوا بها حتى يتخلقوا بأخلاقه.

 

ونعيش وإياكم في موسم زيارة أبي عبد الله الحسين -عليه أفضل الصلاة والسلام- حيث يؤم الملايين من المؤمنين قبره الشريف طلباً لهذه العزة فإن من أبرز صفاته -عليه أفضل الصلاة والسلام- أنه أبي الضيم يعني أنه عزيز. وقد ألّح أعداؤه وخصومه على أن يكون ذليلاً فأبى ودفع في سبيل ذلك نفسه الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.

 

وقد وعدنا أن نذكر عدداً من التطبيقات أقتصر على أربعة منها، مستلهمين ما ورد في أخبار المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام.

 

التطبيق الأول: ترك التصدي -حتى لا يكون الإنسان ذليلاً ويكون عزيزاً- للشيء الذي لا يحسنه الإنسان ولا يطيقه

شيء لا تستطيع أن تتحمله من الناحية النفسية العلمية العقلية الاجتماعية لا ينبغي للإنسان أن يقحم نفسه في هذا الوادي لأن القاعدة الشرعية هي أن الله -عز وجل- لم يكلف الناس إلا ما يستطيعونه. حتى التكاليف الشرعية بمقدار معين على تفصيل يذكره الفقهاء كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا لم يكن الإنسان من أهل ذلك لا يُطالب به. الإنسان الذي لا يعرف المعروف ليس له أن يتصدى للدعوة إليه والذي لا يعرف المنكر ليس له أن يتصدى للنهي عنه، لأنه قد يخلط الحابل بالنابل فيدعو إلى باطل وهو يظن أنه يدعو إلى الحق أو العكس.

في الرواية عن داوود الرقي قال سمعت أبا عبد الله -عليه السلام-  أي الصادق يقول: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قيل له وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض لما لا يطيق». يقحم نفسه في شيء يفوق قدراته. يطلب منه مطلب أو غير ذلك فيتصدى له من باب الحمية وعزة النفس فيتبين أنه لا يستطيعه، حمل ثقيل مادياً لا يستطيع أن يحمله. فإذا تصدى الإنسان لحمل هذا الحمل سيظهر للناس أنه إنسان متبجح بقدراته وهو لا يستطيع أن يفعل هذا. يضرب صدره يتحمل وهذا حاصل يعني بعض الناس يتصور أن الأمور كما يقال بالفزعة، ليس كل شيء بهذه الطريقة تدار. فالشيء الذي لا يطيقه الإنسان لا ينبغي له أن يتصدى له.

 

التطبيق الثاني: تجنب ارتكاب الأخطاء والخطايا.

أي خطأ يقع فيه الإنسان سيكون وراء ارتكابه لذلك الخطأ ثمن أو أثمان فضلاً عن الخطايا. الخطايا نقصد بها المعاصي والسيئات. بالنسبة للأخطاء الأمر قد يكون له هيناً عند الله -عز وجل-. لكن في الخطايا والأخطاء والمعاصي هذا الأمر فيه عقوبة من الله- سبحانه وتعالى- فالإنسان قدر ما يستطيع عليه أن يتحلى بالعلم والحكمة الكافيين حتى يتجنب ارتكاب هذا وارتكاب هذا.

عن المفضل بن عمر قال قال أبو عبد الله -عليه السلام-: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» لاحظوا هذان سائلان ومجلسان ليس مجلساً واحداً، المسؤول هو الإمام الصادق والجواب هو الجواب لكن في التفصيل الإمام ذكر للسائل الأول داوود الرقي جواباً، وللمفضل بن عمر جواباً آخر. وكلاهما حق لأن الحق له تطبيقات متعددة ومستويات كثيرة.

«قلت -مفضل ابن عمر يسأل- بما بما يذل نفسه؟ قال يدخل فيما يُعتذر منه أو فيما يعتذر منه» كلاهما صحيحة. لا ينبغي للإنسان أن يقدم على فعل شيء اليوم أو غداً أن يعتذر منه لأنه خطأ واضح. إذا كان خطأ اجتماعي فهو خطأ. لكن إذا كان بينه وبين الله -سبحانه وتعالى- ليست المسألة مسألة اعتذار وإنما توبة. وبعض الناس قد يركبه الشيطان فتأخذه العزة بالإثم فيصور لنفسه وللآخرين أن ما وقع فيه لم يكن خطأ ولا خطيئة وهذا حاصل سابقاً ولاحقاً قد يعني يرتكبه الإنسان أو قد يكتشفه الإنسان في نفسه. لذلك ينبغي للإنسان أن يتعلم، يتفقه، يكون حكيماً، يعرف أين هي وجوه الخطأ وأين وجوه الأخطاء؟

حتى يتجنبها قدر المستطاع. لسنا معصومين كل منا معرض أن يقع في هذا أو ذاك، لكن ينبغي للإنسان أن يقلص من دائرة الأخطاء والخطايا قدر المستطاع.

 

التطبيق الثالث: روي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «ما أعز الله بجهل قط ولا أذل بحلم قط». ينبغي

للإنسان أن يتجنب الجهل بقسميه الجهل العلمي والجهل السلوكي.

الذي نسميه جهل وجهالة. أيضاً يفترض بالإنسان أن يربي نفسه ويتربى ويتولى تربيته أهله والقائمون على شؤونه أن يجعلوه يتحلى بالحكمة. ونستفيد حتى من أخطأ الآخرين وقد يتعلم الإنسان ممن يخطئون أكثر مما يتعلم ممن يصيبون لأن أغلب الناس يقعون في الأخطاء، فإذا عِبتَ شيئاً على أحد، اجعل هذا درساً لك. ما دام هو أمر معيب بالنسبة إليك تجنبه فاجعل من هذا معلماً لك من حيث يريد ومن حيث لا يريد.

النبي ماذا يقول؟ «ما أعز الله بجهل قط» كلنا نطلب العزة؟ نعم، لكن الجهل والجهالة لا تجعل الإنسان عزيزاً. قد يتصور الإنسان نفسه إذا ارتكب حماقة من الحماقات واستولى على شيء ليس له تسلط بطريقة غير مشروعة على أحد من الناس أو جماعة من الناس هو يظن أنه لما استتب له الأمر صار عزيزاً. العبرة -كما ذكرنا فيما مضى بالغايات والنهايات- فلا ينبغي للإنسان أن يكون مقتصرا في نظرته وحكمه على الأمور على ساعة، أو يوم، أو يومين، أو شهر، أو شهرين، بل ولا على الدنيا كله، ينبغي أن يلاحظ الدنيا ويلاحظ الآخرة. وكذلك في عالم الدنيا، يُلاحظ اليوم وغداً.

صحيحٌ أن الإنسان قد يكون له مشتهيات في سن معينة. هذه يقع فيها كثير من الناس افترض بعض الشباب الذين يحرصون على وشوم يحط له وشم ووسم قد يكون هذه نزوة شباب لكن ينبغي أن يفكر أنه سيكبر قد يبلغ العمر به إلى الخمسين والستين والسبعين، وهذا الوشم الذي وضعته لم يكن ليوم! بعض الوشوم تبقى إلى آخر العمر. يليق بك في سن الستين والسبعين أن يكون عندك هذا الوشم أو ستضطر أن تلبس ملابس تستر بها هذا الوشم؟ ونزوة الشباب تلاحقك أي خطأ الشباب يلاحق الإنسان حتى إذا كبر. بعض الناس أحياناً يسترجع ذكرياته فينظر إلى صوره القديمة، يقول عجيب أنا كيف تصرفت هذا التصرف؟ نعم لم يكن حكيماً في تلك الفترة. غرة الشباب والشباب -مو لأنه فقط- لا! لكن مظنة الإنسان. لكن قد يكون الإنسان كبيراً في سنه ويرتكب مثل هذا الخطأ. وإذا كان خزي الدنيا وذل الدنيا أمر غير مطلوب، فكيف بالأمر إذاً كان بين يدي الله عز وجل؟

فالنبي -صلى الله عليه وآله- يقول: «ما أعز الله بجهل قط». يعني افترضوا إنسان أمي جاهل، لا يحسن لا الكتابة، ولا الحديث، ولا الخطابة، ولا التفاهم بين الناس. لو تصدى للحديث بين الناس بظن أنه يريد أن يكون عزيزاً وجيهاً بين الناس. كل الحاضرين والذين يتابعونه سيضحكون عليه. يقولون مثل هذا! قد يتعاملون معه على أنه مشهور كما الموضع والموجة هذه الأيام. لكن فرقٌ كبير بين مشهور محترم، ومشهور غير محترم! والمؤمن لا يليق به -بل لا يجوز له- أن يجعل نفسه أضحوكة بين الناس، فقط لأنه يريد أن يكون مشهور يمارس جهالات لفظية، فعليه، فقط من أجل أن يشتهر بين الناس. هذا أمر لا يليق والثمن طبعاً قد يكون غالي لأن مغري واحد يتابعونه نص مليون، ويتابعونه مليون، وشخص آخر يأتي بالحديث الجيد لا يتابعه إلا خمسة أو ستة. يشعر الإنسان بنوع من الضيق لكن العبرة بالمآل، ذاك الذي تابعه الكثير سيشتمه الكثير، وهذا الذي تابعه القليلون سيحمده كثيرون إن لم يكن اليوم فسيكون الأمر غداً.

فالنبي صلى الله عليه وآله يقول: «ما أعز الله بجهل قط ولا أذل بحلم قط» الحلم تارة يراد به التحمل يعني الصبر في مرتبته العليا، يسيء إليك أحد فتكظم غيظك تتحمل إساءته لا ترد عليه. فلا تمارس ما تسبب له أن يكون ذليلاً بلا شك هذه صفة محمودة. لكن الحلم أحيانا يراد به العقل. وبمقابلة الجهل والحلم نكتشف أن الحلم هنا المقصود به ليس الصبر فقط الصبر وكظم الغيظ تطبيقٌ من تطبيقات العقلانية، والرشد، والنضج. فمن أراد أن يكون عزيزاً ويتجنب الذلة عليه أن يكون حليماً. فلان يقولون حليم يعني عاقل، فلان حكيم.

 

التطبيق الرابع: ينبغي للإنسان أن يكون عالي النفس مستشعراً للكرامة

حتى إذا اضطرته الحاجة أن يطلب من الاخرين عليه ان يطلبها باتزان بحكمة، حتى لا يُعرف بين الناس أن فلاناً من الناس لا يقصدك إلا في حاجة ولا يحتك بك إلا في حاجة. والإنسان قد يضطر أن يكون عنده حاجة مادية، حاجة معنوية، لا ينبغي أن يُعاب عليه ولا يعير لكن حتى طلب الحاجة فيها أدب. في الرواية التي يرويها الطبراني في المعجم الأوسط بسنده أنه قال: «جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما السلام -هو يقول رضي الله عنهما- فسألهما فقالا: إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة» يعني لا تبذل وجهك عند كل أحد وفي كل مقام بمجرد ما تشعر بالحاجة. تحمل ولا تطلب من أحدٍ مد يد العون إلا إذا بلغت المسألة التراب.

«فقال إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لحاجة مجحفة». وقلنا أن شكوى المؤمن إلى المؤمن هي شكوى إلى الله. لا ينبغي للمجتمع المؤمن أن يخذل بعضه بعضاً، ولا أن يتحرج مؤمن أن يطلب حاجته من المؤمنين. لكن هذا ينبغي أن يحسن التعامل -المسؤول- والسائل أيضا ينبغي أن يسأل.

«إلا لثلاثة: لحاجة مجحفة، أو لحمالة مثقلة، أو دين فادح». دين يثقل كاهله لا يستطيع أداءه. «فأعطياه ما تيسر. ثم أتى ابن عمر فأعطاه ولم يسأله. فقال له الرجل أتيت ابني عمك -أي الحسن والحسين لأنه هو من قريش وابن عمر من قريش- فسألاني وأنت لم تسألني!؟» كأنه استغرب وكأنه في ظاهر الأمر موقف ابن عمر أفضل من موقف الحسن والحسين.

الحسن والحسين -عليهما السلام- سألا، استفسرا منه. حاجتك لأي شيء أو نبهها إلى أن السائل لا ينبغي إلا أن يكون هذا.

«فقال ابن عمر: ابن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما كانا يغران العلم غرا». يعني لا تغتر أنت بظاهر الأمر أنهما سألك وأنا لم أسألك، هما أعلم مني إذا سألاك فإنما يسألانك في موضعه، وإذا بين لك فإنما يبينان لك ما وجه الصواب فيما أنت بحاجة إليه.

فإذاً، هذه تطبيقات والتطبيقات كثيرة لمسألة العزة والذلة. القانون العام هو أن على الإنسان أن يجعل طلب العزة والفرار من الذل مثل حاجته إلى المأكل والمطعم والمشرب. لا ينبغي للإنسان إذا كان ينتسب وينتمي إلى دين من أديان الله -عز وجل- الحق والتي ختمت بدين الإسلام إلا أن يتحلى بهذه. ولا يعني أيضاً -كما أشرنا فيما- مضى التكبر والشعور الترفع على الآخرين، فرق كبير بين الكِبر من جهة، والعزة من جهة أخرى. لكن المسألة المتفق عليها أن الإنسان عليه أن لا يستشعر طاعة في نفسه. كما أنه لا ينبغي له أن يترفع عن الآخرين.

 

نسأل الله -عز وجل- أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.

 

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلا وعيناً حتى تُسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلًا.

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا. ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى