حديث الجمعة

حديث الجمعة : «الأمن والإيمان عند الإمام السجاد(عليه السلام)»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان “الأمن والإيمان عند الإمام السجاد(عليه السلام)» يوم الجمعة ١٩ محرّم ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

أنهينا وإياكم بحمدلله موسم عاشوراء وبقي علينا وعليكم أن نكمل هذا المشوار بالسير على ما رسمه لنا الله عز وجل، ورسوله والأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم، في خط الاستخلاف وخط الصلاح وهذا يتطلب أن نتعرف على عناصر كثيرة، يرتبط بعضها بالتعرف على حق الله عز وجل، وحقوقه ورعايتها وعلى حقوق الناس ورعايتها وعلى حقوق النفس ورعايتها.

ضمن هذا الإطار سأتناول وإياكم بإيجاز شديد، نصاً رُوي عن “الإمام السجاد” عليه أفضل الصلاة والسلام، عالج فيه عنوانين اثنين، العنوان الأول هو “الامن” كيف يحقق الانسان لنفسه الامن في الدنيا والآخرة، والعنوان الثاني “الايمان” وما هو دوره في تحقيق الأمن وفي فهم حقوق الله عزوجل، والناس وحق النفس والسبيل إلى رعاية ذلك.

لكن أقدم بين يدي الحديث قواعد أربع:

القاعدة الأولى: هي أن الأولويات في مختلف مناشط الحياة، ليست على وتيرة واحدة.

مثلا، تواعد أحدا من الناس، ومن الآداب أن يراعي الانسان وعده للآخرين، أن تزوره في الوقت الفلاني، في المكان الفلاني، لكن قد يطرأ عليك ما يكون سببا لإعاقتك عن الوفاء بهذا الوعد، فتبيح لنفسك أن تتخلف عن الوعد الذي ضربته مع فلان، لكن متى يجوز لك أخلاقيا أن تتخلف عن هذا الوعد؟

قد يزاحمك شغل آخر، لكنه لا يكون بتلك الدرجة من الأهمية التي يكون مسوغا من الناحية العرفية أن تقول لفلان أنا تخلفت عن الوفاء بالموعد معك، لأني شغلت بأمر آخر، قد يكون هذا الشغل الذي شُغلتَ به وأردت أن تتخلف أن تشرب كاسا من الماء ولا تستطيع بالتالي أثناء شربك كأس الماء في المنزل، لن تتمكن، قد يؤخرك دقائق معدودة، هل هذا مبرر؟ لا، تستطيع أن تأخذ الماء معك وتشربه في الطريق وتفي بوعدك أو تؤجل شرب الماء الى أن تصل إليه وتشرب الماء عنده.

لكن متى يكون مسوغا؟ مسوغ مثلا، أن يتوفى قريب لك – أدام الله حياة الجميع- بحيث تكون مضطرا أن تذهب إلى المستشفى والمقبرة والدفن، حتى ذاك الطرف الآخر سيجد أن تخلفك عن الموعد مبررا.

قد يكتفي منك بالجواب الإجمالي، لكن ينبغي أن يكون لديك سببا معقولا وله أولوية، بحيث يتقدم هذا على هذا، وقس على هذا مختلف شؤون الأشياء.

يعني مثلا تجد كثيرا من الناس يتخلفون عن أشياء مهمة، فحينما تسألهم: لماذا لم تأت في المكان الفلاني، كالتردد على المسجد أو المشاركة في الشعائر الحسينية أو زيارة قريب أو زيارة رحم؟ قال: أنا مشغول، فإذا فحصت وراء هذا العنوان، تطبيقات الشغل الذي زعم هو انه مشغول به، تبيّن هو الجلوس في الديوانية مع أصحابه، الجلسة المعتادة…!

هل هذا يصلح مبررا تجعل له أولوية، بحيث هذا يزاحم هذا؟ الجواب: كلا.

أو أن الانسان يُطلب منه أن يتفقه في دينه، فإذا سُئل: لِمَ لَم تفعل؟ قال: أنا مشغول.! مشغول بماذا؟ تبيّن أنه مشغول، يتابع المسلسل الفلاني الذي تمتد حلقاته الى (٣٠٠) حلقة، يعني لديه متسع من الوقت أن يتابع مسلسل (٣٠٠) حلقة، كل حلقة ساعة إلّا ربع [٤٥ دقيقة] ولو قِستَ هذه الحلقات من أولها إلى آخرها، فضلا عن المعاصي التي تسبب في أن يقع فيها، لا فائدة تُرجى منها، هل هذا يصلح أن يكون هذا أولوية تقدمها على هذا؟ الجواب: كلا.

فإذن، هناك أولويات يزاحم بعضها بعضا، بعضها يتقدم وبعضها يتأخر.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا قال حينما أراد أن يأخذ البيعة لأمير المؤمنين وأن يثبت ولايته عليهم؟ قال “(ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم) قالوا: بلى” كيف يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أولى بنفسك منك؟ يعني أن تقدم إرادة الرسول ومحبة الرسول وأوامر الرسول ونواهي الرسول على كل ما ترغب فيه أنت، حتى لو رغبت أنت، فرغبة النبي مقدمة، حب النبي مقدم على حبك، إرادة النبي، مشيئته، أوامره ونواهيه، هذه الأولوية، هذه قاعدة.

 

القاعدة الثانية: –

هي من ضمن الأولويات التي يبررها الناس جميعا ويفهمونها ويراعونها وحتى من الناحية الأخلاقية والفقهية والعقائدية محفوظة، مسألة الأمن.

هل يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للخطر؟ الجواب: كلا.

قبل هذه الجائحة لو أن واحدا منكم جاء إلى المسجد والحسينية أو في المحافل العامة، وقد ارتدى قناعا، سيضحك عليه الناس، ماذا يفعل هذا؟!

لا يوجد له مبرر أن يرتدي القناع قبل الجائحة، لكن بعد الجائحة صار الناس يعيّر بعضهم بعضا: لماذا لا ترتدي الكمامة.

لأن رعاية أمنك الصحي لازمة ورعاية أمن الآخرين الصحية لازمة، فتغيرت الأولوية الشيء الذي كان منبوذا صار مطلوبا أو ممدوحا، بل لازما، فالأمن مسألة مهمة.

لكن مصاديق الأمن، ما هي؟ كثيرة جدا، هناك أمن عقائدي، هناك أمن فقهي، هناك أمن اجتماعي، هناك أمن اقتصادي، هناك أمن سياسي، هناك أمن، الأمني المعروف، كل هذه الحقول وما يشبهها يجب على الانسان أن يراعي أمنه فيها.

نحن نسارع حينما يوفق الله عز وجل، أحدنا إلى أن يرزق الولد – ذكرا كان أو أنثى- قبل أن يخرجوه من المستشفى، يعطونه التلقيحات اللازمة، السبب ما هو؟ يحافظون على أمنه الصحي، لو لم يطعّم، لو لم يلقح سيكون في معرض الخطر، فإذن، هذا أمن مطلوب.

الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة على لسان النبي، عالج هذه المسألة بدقة فائقة وتفصيل كبير، تُرك بعضها للناس، يعني الناس يعرف بعضهم ما يحتاجونه في العطش، لا يحتاج أحد أن ينبهك إلى أن العطش يؤذيك، ويضر بصحتك، وبالتالي لابد أن توئمن بدنك بالسوائل اللازمة والمأكولات اللازمة، هذا أمر فطري، يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن.

لكن هناك مخاطر قد لا نلتفت إليها وإذا التفتنا إليها لا نحسن المعالجة، يعني لا نحسن الحل المناسب، لذلك ندع تحديد معالم الأمن الصحي للأطباء ومن يشترك معهم في التخصص، الجانب الأمني العسكري للضباط ومن يشاركهم، الأمن الأخلاقي للمربين وكذلك الأمن العقائدي والفقهي أيضا يُرجع فيه لأهله، حتى أن الله عز وجل، يقول {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} لأن الجهل خطر، الانسان لو لم يعلم بأن هناك حفرة في طريقه سيقع فيها، والحفر هناك حفر ظاهرة وهناك حفر باطنة.

الشيطان حينما خلق الله عز وجل، “آدم” نبّهه إلى أن هذا المخلوق المسمى بـ”الشيطان” أو “إبليس” عدوٌ مبينٌ، وهو أيضا قال { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} الإغواء حفر، كيف نجنب أنفسنا الوقوع في هذه الحفر؟ نحتاج إلى العلم ونحتاج جانب ذلك للعمل.

هذا الأمن، الله سبحانه وتعالى لم يعالجه في ما يتعلق بشؤون الدنيا فقط، بل وسع دائرة الاهتمام فيه إلى الآخرة، أنت ملزم شرعا أن تحافظ على أمنك في الدنيا، دكانك، الناس لا يتركوا دكاكينهم مفتوحة، بل يحرصون على الأقفال وعلى الكاميرات وعلى كل ما يلزم، لأن في دكانه هذا سلعة هو يهتم بها، قد لا تكون السلعة غالية الثمن، لكن بالتالي من حقي أن أحافظ على ما أملك من المال، قليلا كان أو كثيرا، كذلك نفسك، بدنك، نفسيتك، أخلاقيتك يجب أن يحافظ الانسان على هذا، لأن هذا يرتبط بصحته الأخلاقية والاجتماعية في الدنيا وفي الآخرة وهو أهم أهم بكثير.

“أبو ذر” رضوان الله عليه، سُئل: لما نكره الموت؟ قال: لأنكم عمّرتم دنياكم وخربتم أخراكم”.

والانسان لا يحب أن ينتقل من العمران إلى الخراب، في حين أن المؤمن، ماذا يقول يقول “أمير المؤمنين” عليه السلام، يقول (والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بمحالب أمه).

الله عز وجل، يتحدى اليهود {إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} لو أنكم أولياء الله عز وجل، تمني الموت هو تمني لقاء الله سبحانه وتعالى، وبالتالي، المؤمن ما عنده مشكلة في أنه يقر على أنه ميت {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} فأن يعد نفسه لاستقبال لحظة الموت فيحرص على أن يكون مطيعا دائما، كما يشير الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام.

 

القاعدة الثالثة: ـ

هي أن هذا الأمن، بمفهومه الشامل لا يمكن أن نقطع صلته العضوية بالإيمان.

لو أن الناس بحثوا عن الأمن من دون الايمان، اقرأ الصحف وتابع الإعلام ستجد أن أكثر في المناطق تقدما من الناحية المدنية، هي أكثر المناطق إجراما.

مثلا الدول الإسلامية يغلب عليها التخلف، لكن تعداد جرائم القتل في هذه الدول التي تسمى متخلفة، هل تساوي جرائم القتل في تلك الدول الكبيرة؟ لا، بكل ثقة نقول، والإعلام عندك، تابع ما يوجد في “أمريكا” مثلا الدولة الأولى في العالم، كم جرائم القتل فيها؟ هذا فقدان للأمن، من ناحية، السبب ما هو؟

المسلم وإن ضعف إيمانه، لكن يبقى شيء عنده اسمه “الله” يبقى شيء عنده ” لا يقع في حرمة الدم” للدم حرمة، قد يشذ، لكن مقدار ما يشذ من المسلمين، أقل بكثير مما يشذ عند أولئك الأطراف.

ولذلك، تجدون الإعلام يركزون على حوادث هنا أو هناك في أوساط شواذ من المسلمين ويريدون أن يعمموا الصورة، لماذا؟ لأن هم يهتمون بقيمتهم.

أمس، حدث حادث إرهابي إجرامي في “كابول” طبعا الإعلام ضج بأن الذين قتلوا عشرون (٢٠) جندي أمريكي أو اثنين وعشرين (٢٢) أمريكي قتلوا نتيجة الانفجار، يعني، والستين (٦٠) أفغاني ما [أليس] لهم قيمة، ليذكروا في الإعلام؟!

يعني لماذا يقال (٢٢) أمريكي، لماذا لا يقال (٨٥) “بني آدم” قتل؟ لأن أنت لا قيمة لك…! المهم أن يذكر أرقامهم هم.

إذن، هذا نوع من العبث الإعلامي، الذي يجاريه للأسف الشديد في أوساط هذه الأمة.

فإذا أردنا المحافظة على الأمن بمعناه الشامل، يجب أن نراعي أو نؤسس ونرسخ عنوان الايمان.

“الإمام السجاد” عليه أفضل الصلاة والسلام، والذي هو واحد من أبطال كربلاء، أدّى دورا، امتدادا لدور أبيه “الإمام الحسين” عليه أفضل الصلاة والسلام، بما يناسب ظرفه، حرص على ماذا؟

حرص على عملين مهمين:

العمل الأول – الدعاء.

لأن الانسان بالدعاء يصنع مؤمنا، وإذا صنعنا مؤمنا، تحقق الإيمان في نفسه وراعى الأمن في حقه وفي حق الآخرين، لا يعادي أحدا بغير حق ولا يعتدي على أحد بغير حق.

 

العمل الثاني الذي قام به – أنه أملى رسالة الحقوق المعروفة.

هذه الرسالة الدستورية الوثيقة الحقوقية لا نجد لها نظيرا في الثقافات الأخرى، لأن “الإمام” عليه أفضل الصلاة والسلام، نظم فيها الحقوق حتى بين الغريمين وغريمه.

يخاصمك أحد، يعتدى عليك أحد، لكن الله عز وجل، في القرآن الكريم {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}.

بعد هذه المقدّمة، أذكر النص، والمجال في الافاضة في هذا الحديث طويل، لكن لا أريد أن أقف عندها كثيرا.

“الإمام” عليه أفضل الصلاة والسلام، يذكر فيها ثلاث مسؤوليات، هذه المسؤوليات الثلاث، لو راعيناها انطلاقا من إيماننا لتحقق الأمن بالنسبة لكل واحد منا وصرنا فيها في كنف الله، وما ألذ وأكثر أمنا، لن نجد أمنا أكثر من أن يحوطك الله عز وجل، برعايته.

إذا كان الله عز وجل، وليك لأنك واليته، فأنت في كنف الله، طبعا حينما يكون الانسان في كنف الله، هذا لا يعني أن الانسان لا يصيبه أذى، لكن الأذى الذي سيصيبه يعوض الله عز وجل، عنه أضعافا مضاعفة.

“الإمام الحسين” عليه أفضل الصلاة والسلام، قيل له “إن لك عند الله درجات لن تنالها إلّا بالشهادة” التي حصلت بتلك الطريقة الفاجعة، لكن هل فُقد الأمن؟ قال: لا، إن كان هذا يرضيك، فخذ حتى ترضى.

لا نتكلم عن الأمن، حينما نقول “أمن” يعني ألا يصيبك خدش، لا، قد يصيبك الأذى والجراح والأسر والقتل، لكن أنت في أمن، لأن العبرة من المشوار كله.

يقول صلوات الله وسلامه عليه (…. ثلاث من كن فيه من المؤمنين…) هذا شرط، لا بد الإيمان (…. من المؤمنين كان في كنف الله…) كنف الله يعني في رعايته، في ولايته، في حياطته (…. وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه وآمنه من فزع اليوم الأكبر).

فإذن، أنت في الدنيا، لو عملت بهذه الثلاث، الشروط الثلاثة والمسؤوليات الثلاث، انت في كنف الله، يعني في عالم الدنيا أنت في كنف الله، وفي يوم الآخرة، المخاطر هناك أشد، أشد بكثير، يوم تشيب فيه الولدان، يحسب الناس فيه سكارى وما هم بسكارى.

يخطئ الانسان في حق نفسه، إذا لم يضع الآخرة بين يديه، ولو أن الناس وضعوا الآخرة نصب أعينهم، لما أخطأ أحد في حق أحد، لذلك، النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول (اذكروا هادم اللذات) هذا مهم، الوقوف بين يدي الله عز وجل، له آثار كثيرة في هذا الجانب.

ثم يقول عليه السلام، عن المسؤولية الأولى (من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه…..) العدل الاجتماعي، يحيف الانسان في حق نفسه وفي حق الناس، أن يكون حقانيا، نسمّيه “فلان حقاني” دائما يطالب بحقه، لا يسمح لأحد أن يؤذيه ولا أن يزعجه ولا أن يعتدي عليه، لكن ماذا لو جعل لنفسه في حل من حقوق الآخرين؟ ما يطالب الآخرين لنفسه لا يراعيها هو، قال: فلان آذاني، هل لا تؤذي أحدا أنت؟ إذا كنت لا تؤذي أحدا، من حقك أن تعتب، لا تزعج أحدا، من حقك ألا تُزعَج، لكن، إذا كان اللسان طويلا واليد أطول والظلم أوسع، كيف يحق لهذا أن يطالب الآخرين ويسألهم الحقوق التي لا يراعيها هو؟! وبالعكس، لو أن الانسان راعى حقوق الآخرين، الله سبحانه وتعالى، سيجعله في كنفه، بحيث، هكذا يسخر الله عز وجل، الناس أن يكونوا أعوانا له.

ولذلك، لو أنه عاش بسيرة حميدة بين الناس، واعتدى عليه أحد، كم من الناس سيلومونه؟ يقولون “فلان مسالم، فلان لا يزعج أحدا، كيف يعتدي على فلان، ولم نسمع من فلان- المعتدى عليه- إلّا الكلام الطيب والفعل الطيب والقلب الطيب” بهذه الطريقة أنت تريح نفسك من أن تقوم حتى بردة فعل، الاخرون سيدافعون عنك، بتوجيه من الله عز وجل.

فإذن، العدل الاجتماعي هذا يجب أن يُراعى.

 

الأمر الثاني: العلم.

الانسان الجاهل، يؤذي نفسه قبل أن يؤذي الآخرين، قد يطالب بحقوق متوهمة، ليس هذا من حقك، قد يعتدي زوج على زوجته وزوجة على زوجها وينتهي بهم الحال إلى الطلاق، لأن كلا منهما طالب الآخر بما ليس له، الزوج يلح على الزوجة أن تعطيه أشياء والتزامات، ليس من حقه أن يطالبها ويلزمها به، والعكس، المرأة تطالب أيضا بحقوق، تتوهم أنها من حقوقها، وليست من حقوقها.

لذلك، من المهم، لاحظوا في السابق، كان هناك دين، هناك إيمان وهناك تقوى، صحيح الناس كثير منهم ما كانوا مثقفين، بل ولا متعلمين، كانوا أميين، حتى القراءة والكتابة معدومة، لكن كم كانت نسبة الطلاق بين الأولين السابقين؟ يعرفون أن الزواج له حرمة، له قداسة، بمجرد أن يعقد الرجل على المرأة، صار هذا العقد ميثاقا عند الله عزوجل، يهتز عرش الرحمن بالطلاق، في حين أن اليوم ما أيسر الطلاق عند هذا.

تسأل مؤهلاتك العلمية ما هي؟ قال: أنا بكالوريوس وماجستير وخريج وكذا…!

وانتِ؟ ماجستير وبكالوريوس وشهادة…!

يعني مع كل هذه المعلومات، ما أحسنتما الاختيار، أن يختار أحدكم الآخر بالطريقة المناسبة؟! أو لم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) قالوا اشتبهنا…! اشتبهتما لماذا؟!

لأنكم لم تسألوا، لم تستخبروا حال هذا الولد الذي تقدم إليكم، قالوا: سألنا صديقه فلان، بس [فقط] صديقه فلان؟! سألتموه في حاله الغضب، في حالة الرضا، في حاله الصحة، في حالة المرض، في حالات الوضع الطبيعي والوضع غير الطبيعي، خبرتموه حتى زوجتموه؟ والعكس، هل لما سألتَ أنت عن هذه المرأة، تعرفت على دينها، على ثقافتها؟!

القرار سريع بالتزويج والنتيجة الطبيعية هي السرعة في الطلاق، ولا نعني أن الطلاق أمر محرم، لا، قد يضطر الناس، إذا اختلفوا اختلافا شديدا، ألا يكون بينهما حلٌ إلا الطلاق {إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} لكن حينما لا تراعى القاعدة من أولها أصلا، بُنيَ البيت بطريقة غير سليمة، وانهدم البيت بطريقه غير سليمة.

ماذا يقول عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول (ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته) لا تستعجل في اتخاذ القرار لا تستعجل في اتخاذ المواقف.

كثير من الناس ينتقد: الخطيب الفلاني قال كذا…!

ما هو نصيبك أنت من العلم، حتى تنتقد هذا الخطيب، بغض النظر عن أن هذا الخطيب قد يكون أخطأ، لكن الملاحظة التي سجلتها أنت عليه ليست ملاحظة في محلها.

صحيح، قد يكون هو أخطأ، لكن أنت أيضا أخطأت في تسجيل نقطة ليست مسجلة عليه، ينبغي للإنسان ألا يقدم يدا ولا رجلا.

“الإمام” يريد أن يقول، في مختلف تفاصيل حياتك، لا تقدمن على خطوة حتى تعلم أن هذه الخطوة طاعة لله عز وجل، أو معصيه لله، حتى تأخذ قرارك بطريقه راشدة وبطريقة صارمة، لأن ورائها مسائلة.

 

المسؤولية الثالثة – التزكية الأخلاقية.

لا نستغني إذا أردنا لأنفسنا أمنا، أولا أن نراعي العدل الاجتماعي، الثاني أن نراعي العلم، حتى نعرف ما الذي لنا وما الذي علينا.

الأمر الثالث هو المسؤولية الأخلاقية، التزكية الأخلاقية، الانسان إذا افتقد التزكية الأخلاقية واتبع هواه وشهواته، لا يعنيه حقوق الآخرين، أصلا هو لا يهتم بحقوقه هو ولا بحقوق الله، فمن باب أولى ألا يراعي حقوق الآخرين، لا يعنيه ماذا يقول الناس، لا يعنيه ماذا يقول الله عز وجل.

في الروايات عندنا أن الأعمال تُعرض على الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، الاثنين والخميس، وفي روايات تقول كل يوم، يجيء واحد يسأل “الإمام الرضا” عليه أفضل الصلاة والسلام، يسأله الدعاء له، قال (أولستُ أدعو لك) قال كيف تدعو لي؟ قال (الله سبحانه وتعالى يقول {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} نحن المؤمنون) الأئمة هم المؤمنون الذين يشاهدون عملك، في سرك، في علانيتك.

لا تتصور تضرب “ENTER” في الكمبيوتر و”الإمام” لا يعلم، لا، لا، سجل أعمال الناس جميعا، في سرك وفي علانيتك، لذلك، لماذا يستحب لنا -نحن- بعض الأذكار، حتى إذا أردت أن تدخل بيت الخلاء، بعض الأذكار وبعض الآداب، لأن الله عز وجل، كرامة للمؤمن في بيت الخلاء لا يُدخل معه الملائكة، حتى لا يطلعوا عليه في هذا المعنى.

الله سبحانه وتعالى، يقول أنت في محضر الله، في رقابة الله، و”الإمام” عليه أفضل الصلاة والسلام، يحشره الله عزوجل، شاهدا على الأمة، كيف لا يطلع على أعمالنا، سيطلع على أعمالنا كلها، لو أن هذه الثقافة كانت حاضرة، هل سيقع الناس المخالفة؟ أبدا، سيكونون في إيمان كامل في أمن كامل.

يقول صلوات الله وسلامه عليه (…ورَجُلٌ..) طبعا، “الإمام” لما يتكلم “رجل كذا” ورجل كذا” مثل القرآن الكريم {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} اللغة العربية هي لغة ذكورية، هذا لا يعني أن النساء لسن مشمولات، في كل هذه المسائل، النساء مشمولات مثل ما أن الرجل مشمول.

(…ورَجُلٌ يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن عيوب الناس)

اشتغل بنفسك أفضل، شغله الشاغل ينظر الخارج والداخل، فلان فعل كذا وفلان لم يفعل كذا، لو أنه فعل كذا، بالعكس، اجعل من تصرفات الناس مدرسة لك، إن أحسنوا اعتبره درسا جيدا، وإن أساؤوا اعتبره درسا يجنبك الوقوع فيما وقعوا فيه.

وبالتالي، الانسان لا يكون مغبونا، لان الانسان إذا (استوى يوماه فهو مغبون) تتصور أنت كم درس يمر عليك في اليوم؟ دروس لا تُحصى، تتعلم ممن معك، ممن يحبك، ممن يكرهك، من الصغير، من الكبير، من القاصي، من الداني، في عمل، في كل حياتك الاجتماعية.

يقود من الواحد سيارته ويزعل من الآخرين “انظروا إليه كيف يتجاوز ولا يراعي حق الآخرين”.! إن شاء الله أن تراعي حق الآخرين، أم فقط هو إذا تجاوز، يعاب ويُسجل عليه، “انطروا إليه يتجاوز الإشارة” أو على الرصيف أو يقف أمام الآخرين! أن تتعلم من خطأه، فلا تفعل مثل فعله، فإذا صار لدينا هذا الحس الأخلاقي، سنعيش في أمن، لأننا عَمَر الإيمان في قلوبنا والانسان إذا كان مؤمنا سيكون أمة وحده {ان ابراهيم كان امه}.

شخص واحد يحمل هذه الصفات التي جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة، في تربيتها، تجد أثرها مبارك، الله سبحانه وتعالى، يجعله مباركا، أين ما كان.

نسأل الله عز وجل، أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى