حديث الجمعة

حديث الجمعة : «الإنسان المرحوم»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الإنسان المرحوم» يوم الجمعة ١٢ ذوالحجة ١٤٤٢هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

وأبارك لكم عيد الأضحى المبارك الذي مر علينا وعلى الأمة الإسلامية بخير، سائلين الله عز وجل أن يعيده علينا وعليكم في أحسن حال.

حديثنا عن الإنسان المرحوم، والحديث متشعب وذو شجون، لذلك سنقف عند أطراف هذا الحديث. ماذا يعني أن يكون الإنسان مرحوماً؟

الجواب: هو أن الإنسان إذا أراد أن يكون مرحوماً وأُريد له أن يكون مرحوماً، يعني أن يُشمل بالخير، الخير المادي والخير المعنوي، وأن يُدفع عنه الضرر والشر، فالإنسان إذا نزل به خير ينبغي له أن يتذكر أن هذا مظهر من مظاهر رحمة الله عز وجل، فالإنسان كلما زادت أجواء الرحمة حوله، كلما دُفع عنه الضرر، الإنسان إذا وُلد يولد عادة في أحضان أم تكون رحيمة به، وبمقدار ما تكون هذه الأم رحيمة به، تجلب له النفع وتسعى في جلب النفع له ودفع الضرر عنه. ولذلك فإن اليتيم تنقص عنه بعض مظاهر الرحمة فدفعنا الإسلام إلى أن نعوض هذه الرحمة التي فقدها هذا اليتيم، لأنه لا أم له ترعاه، فالمفروض أن تكون الإناث الموجودة حوله، والرجال الموجودين حوله، يؤمنون له شيئاً مما فقده نتيجة فقدانه لأمه أو لأبيه.

اليتيم الشرعي هو من فقد الأب، لكن اليتيم بالمعنى العام هو من فقد أمه أو أباه أو كلا هذين الطرفين، فلا شك أن الإنسان إذا كان يتيماً وكذلك الحال إذا كان فقيراً أو مريضاً أو مبتلى فإن جزء من الرحمة حُجب عنه، حجب هذه الرحمة والخير عنه تارة يكون هو السبب فيه، كأن يكون الإنسان نعوذ بالله يقع في معصية، يرتكب معصية تهتك عنه عصم الله عز وجل، الله سبحانه وتعالى جعل علينا عصماً نعرف جزء يسيراً منها، ويخفى عنا معظمها، هذا الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض لو لم يكن موجوداً لما استطاع الناس أن يعيشوا نتيجة الشهب النازلة على الأرض، لكن هذا الغلاف الجوي يحمينا من كثير من الأخطار، منها هذا الضرر.

وبالتالي لو أن الإنسان لم يوجد في مثل هذه البيئة ما استطاع أن يعيش، كذلك نسبة الضغط الموجودة في الأرض، أنت لو نزلت إلى عمق الماء لا تستطيع أن تعيش من دون مساعدات ولو صعدت في أعلى الجو ما استطعت أن تعيش من دون أدوات ومعدات، هذا يعني أن الله عز وجل تمظهرت رحمته لنا في هذا العالم بأن أُمن لنا الهواء المناسب والماء المناسب والأجواء المناسبة والضغط المناسب، وقس على هذا ما ذكر الله عز وجل ذلك في قوله {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} لكن هذا في الجانب المادي.

في الجانب المعنوي مثل ما يفقده اليتيم وكذلك المريض، الإنسان قد يفتقد شيئاً مما يحتاجه، ما الذي يحتاجه الإنسان؟

يحتاج إلى أشياء كثيرة وأدوات كثيرة ومعدات كثيرة هي تحقق له أسباب الرحمة وترفع عنه موانع الرحمة.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل في سورة التين؟

يقول بعد البسملة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}.

المفسرون يختلفون، هذه أحسن تقويم تشير إلى قيام بدنه أم ما يجمع قوام البدن والروح والعقل وكل القدرات التي آتاها الله عز وجل لهذا الإنسان فميزته عن غيره؟ الإنسان أصغر بدناً من الفيل ومن الناقة ومن الجبال ومن الأنهار، لكن من إرادته تتحكم في الطرف الآخر: هذا الإنسان الصغير في بدنه أم هذا الجمل والناقة الفيل؟

لا، الإنسان الصغير، حتى لو كان طفلاً صغيراً يقود جملاً كبيراً مخشوشاً، يربطه بحبل صغير ويجره، هذا يعني أن الله عز وجل جعلك في أحسن تقويم. حديث طويل.

{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (*) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} ثم يستثني الحق عز وجل {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (*) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (*) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (*)}.

المقدار المسلّم في هذه السورة هي أنها تتحدث عن المصير الأخروي، الإنسان في هذا العالم خلقه الله عز وجل في أحسن تقويم، يعني قادر على أن يرتقي بنفسه في أعلى مراتب رحمة الله عز وجل، وقد تكرر ذكر الرحمة في القرآن الكريم في مئات من المواضع، كل سور القرآن الكريم تبدأ باسمين من أسماء الله عز وجل هما “الرحمن والرحيم” باستثناء “سورة براءة” وإلّا الباقي تبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، لم يكتفِ الله عز وجل بذكر مظهر من مظاهر رحمته، بل ذكرها بعنوان “الرحمن” وبعنوان “الرحيم”.

واختلف المفسرون أيضاً، ما الفرق بين هاتين الصيغتين؟ حتى لو اختلفوا، لا يختلفون في أن صيغة “الرحمن” مبالغة وصيغة “الرحيم” مبالغة، يعني أن الله عز وجل لم يخبر عن نفسه ولم يسم نفسه بمطلق الرحمة وإنما بالرحمة المبالغ فيها، وكل ما عندنا من الرحمة ليس إلا جزء يسيراً وشعاعاً من رحمة الله عز وجل، حتى هذا الغضب الإلهي المذكور في القرآن الكريم في بعض الأخبار الشريفة يُروى أن الشيطان يطمع في رحمة الله يوم القيامة، لما يراه من سعة رحمة الله عز وجل.

فإذن، الإنسان لو استحق العقوبة، كيف سيكون حاله؟ هذا لأنه هتك كل عصم الله عز وجل حوله، هو تسبب في تضييع جميع الفرص الي أتاحها الله عز وجل والحق سبحانه وتعالى، لا يريد منا أن نكثر من الأعمال بقدر ما أن نجوّد من الأعمال فقال {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}

والتحسين في العمل -لعلنا نوفق إن شاء الله لاستعراضه في مناسبات أخرى- يحتاج إلى بعض العناصر بعضها متوفر لكل الناس من دون استثناء، سحرة فرعون قضوا أعمارهم في كفر بالله عز وجل، والسحر أحد مظاهر الكفر، أو أحد موجبات الوقوع في الكفر، لكن الله عز وجل، لما صدقت نياتهم ختم الله عز وجل، لهم بالشهادة وبتسجيلهم في كتاب يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، السبب ما هو؟ (إنما الأعمال بالنيات).

لكن كيف يضمن الإنسان لنفسه نيّة حسنة؟ أن يحقق أسباب رحمة الله عز وجل حتى لا يفاجئه الموت إلا وهو على طاعة الله عز وجل، وهذه الآية تقول {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (*) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يعني تريد أن تنجو من أن تُرد إلى أسفل سافلين: عليك بالإيمان والعمل الصالح.

فإذن، الله سبحانه وتعالى خلق الناس من أجل أن يرحمهم، من أجل أن يكرمهم.

اثنين: وفر الله عز وجل لهذه الرحمة والكرامة كل أسبابها، الظاهرة والباطنة، ما يتعلق بجوارحك وما يتعلق بجوانحك، لأن يدك هذه تستطيع أن تجعلها أداة لنيل رحمة الله، ويمكن للإنسان -نعوذ بالله- أن يجعل يده هذه أداة لنقمة الله عز وجل، أن تكون يدك هذه يداً من مظاهر الرحمة، تتصدق بها، تكتب الخير بها، تعين الناس بها، لكن في الطرف الآخر هناك من يستعمل يده ليبطش بالناس ويسرق الناس ويؤذي الناس، وقس على هذا جميع جوارحنا، بصرك هذا بإمكانك أن تحوله إلى بصر يؤدي بك إلى أن تتعرف على نعم الله فتشكره، فتستغفره، فتطلب العلو والرفعة منه، وبإمكانك أن تجعل هذا البصر، بصر معصية تنظر فيه إلى أعراض الناس، تتجسس فيه على الناس وتؤذيهم، تتعرف على عيوبهم وعثراتهم، أو تجعل هذا البصر وسيلة من وسائل معصية الله عز وجل، وأنواع المعاصي التي يُعصى الله عز وجل بها بهذه الجارحة أو تلك كثيرة جداً.

فجميع جوارحك بيدك أنت {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هذه أسباب للكرامة، هناك من يحسن استعمالها وهناك من لا يحسن.

الاستعمال الحسن لهذه الجوارح أيضاً يحتاج إلى علم ويحتاج إلى معرفة ويحتاج إلى جلد.

من أهم هذه الأسباب: اليقظة.

الإنسان النائم فضلاً عن الميت، وكثير من الناس نائمون وهم يمشون، وموتى وهم يمشون. ألا يقولون الحي حي القلب؟ هناك من يسير لكن لا يملك شيئاً من دقة الملاحظة، حوادث السيارات كيف تحصل؟ بهذه الطريقة، يرى هو، يمسك بمقود السيارة ويتحرك ويضغط البنزين وأمثال ذلك، لكن يتسبب لشيء من الغفلة حصل له، وبالتالي، لا يكون يقظاً، قلبه أيضاً لا يكون يقظا، الفرق بين الفنان في أي جانب من الجوانب وغيره، هو أن الفنان: الرسام والخطاط والمبدع في جانب ما، يبصر الشيء في زاوية لا يراها غيره، مع أن الشجرة هي الشجرة والمنظر هو المنظر، لكن لماذا تمكن هذا الفنان، لأن هذا الفنان يملك إبصار معين وتمرس على استعمال هذه الجارحة، فصار يحسن الخط ويحسن الصوت ويحسن الرسم وأمثال ذلك، في حين بعض الناس لا يملك شيئاً من هذا، لا يملك حساً من حس الفن، الفن يعني رحمتك هذه التي تملأ قلبك وتعطف على من يستحق الرحمة، هذا فن، بعض الناس يفقد هذا الفن شيئاً فشيئاً، يتآكل منه هذه الروح فيصبح قاسي القلب حتى أن الله عز وجل يشبه بعض خلقه بأنهم أشد قسوة من الحجارة {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ}

لكن بعض الناس لا يتعظ بشيء، إطلاقاً لا يتعظ بشيء وبالتالي، لا يرى.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل، عن هذه الوسائل لو استعملناها، بعكس الطرف الآخر، يقول عن الغافلين {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} يعني خلق الله عز وجل الناس، هذا الصنف من البشر ومن الجن، من أجل أن يذهب بهم إلى النار؟ لا، الله سبحانه وتعالى يخبر عن واقعهم، يقول خلقناهم للرحمة لكن اختاروا كما لو أن الله لم يخلقهم إلا لهذا، يعني أن يكونوا من أهل النار {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا} يعني الإنسان لو كان له قلب لا يفقه به، القلب هنا المقصود به العقل والبصيرة الداخلية، لا يدرك شيئاً، ألم يقولوا للإمام الحسين عليه السلام لما وعظهم المواعظ التي تتحطم منها الحجارة، قالوا “لا نفقه مما تقول شيئاً”! صحيح، ولذلك الإمام الحسين كان ماذا يقول: ألا تعرفوني؟! أنا الحسين بن علي، أمي فاطمة، جدي رسول الله، مَن قال في حقي رسول الله وفي حق أخي كذا وكذا، لكن لأن هؤلاء عميت أبصارهم وبصائرهم ما عادوا يبصرون شيئاً ولذلك استحقوا ذاك العذاب الشديد.

{لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} فالإنسان لو وقع في مشكلة الغفلة، يعني لا يرى آيات الله عز وجل، ولله عز وجل في كل شيء آية (ما رأيت شيئاً) ينقل عن أمير المؤمنين (إلا ورأيت الله معه وقبله وبعده).

آية أخرى، يقول عز وجل يخاطب النبي صلى الله عليه وآله {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} عجباً، يعني يبصرون عُمي؟ لا، من حيث الظاهر هم يرون ويسمعون ويتكلمون وألسنتهم حداد، لكن النظر الداخلي والإبصار الداخلي والعين الداخلية الملكوتية هذه زالت.

إذن، ما الذي أراده الله عز وجل من الناس حتى يرحمهم؟ أن يكونوا شاكرين، الإنسان إذا وفق لأن يحسن التعامل مع نعم الله، ونعم الله لا نعني بها البرتقال والتفاح والموز، هذه نعم، لكن أنت أكبر نعمة من نعم الله عز وجل، على نفسك (إن لأنفسكم ثمناً هو الجنة فلا تبيعوها إلا بها) يقول أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، يحرص الواحد منا أن يتخلص من الدهون والشحوم والزيادات وأمثال ذلك، ويراجع الأطباء ويبذل في سبيل ذلك الأموال الطائلة، فقط من أجل أن يحافظ على قوام بدنه، وهو أمر حسن وأمر مطلوب بل مأمور به شرعاً، لكن الأشد مطلوبية في الإسلام هو روحك وقلبك {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (*) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ما هي فائدة الإنسان أن يكون بدنه صحيح وسليم، لكن قلبه مريض، عقله مريض، روحه مريضة، مثل هذا الإنسان لا يتعظ، لا يستفيد حتى لو كان في محضر النبي صلى لله عليه وآله وسلم، لا يستفيد منه شيئاً إطلاقاً.

يقول عز وجل {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} هذا دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم: التربية والتعليم. وكثير من الناس تسجلهم في المدارس لكن لا يتعلمون، في حين هناك من يدخل المدرسة ويكون مجداً مجتهداً ويأخذ بنصيب وافر من المعرفة والثقافة لكن الدخول في مدرسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يحتاج إلى كل هذه الإجراءات، تحتاج إلى قلب منفتح وعقل منفتح وإرادة لأن تنخرط في سلك الصالحين. يقول عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (*) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الطريق إلى ذلك كيف يكون؟ عني كيف نُرحم من قبل الله عز وجل ونكسب هذه الرحمة بنحو متيقن، يقول عز وجل: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} هذا إذا أردنا أن نشبه، مثل اليوم وسائل الاتصال الحديثة.

في السابق كانت الأمية شائعة في أوساط الناس، الذين يحسنون القراءة والكتابة كانوا قلة، قد لا يكون في البلدة الواحدة واحد يقرأ ويكتب، قد يضطرون إلى أن يخرجوا إلى منطقة أخرى حتى يقرأوا رسالة أو كتابا ويعلمهم أحد، لكن اليوم غزتنا الثقافة إلى مخادعنا، الصغير والكبير يقرأ، لكن هل كل من يقرأ اليوم، من يتواصل مع الآخر يحسن الاستفادة؟ لا، هناك من يتقلب ويدخل إلى الانترنت وموقع يجره إلى موقع، ورابط يجره إلى رابط وبعد خمس ساعات من الجوال تسأله كم قرأت؟ لا يكاد ينتهي أو يضمن أنه قرأ صفحة واحدة، فقط عناوين يقلبها لا يستفيد منها شيء، وشخص آخر لا يحتاج إلى هذه الساعات الطوال حتى يستفيد، لأنه كان يعرف لما أراد أن يدخل هذا الموقع وهذه الشبكة ويفتح هذا الكتاب ويجلس هذا المجلس، قد خطط مسبقاً ما الذي يريده وما الذي لا يريده، وقته محدود ودقيق، يعرف ما الذي يريد وما الذي لا يريد، مثل هذا الإنسان يكون مرحوما.

ورد في الخبر الشريف -وهو خبر مرسل لكن مضمونه سليم- (رحم الله امرءاً عرف من أين وفي أين وإلى أين) هذه أحد مظاهر الرحمة، أحد مظاهر الرحمة أنه يحسن، يتدرب رياضياً يحسن أن يتدرب، يريد أن يقرأ كتاب يحسن أن يقرأ كتاب، لا أن يتخبط خبط عشواء.

“خبط عشواء” هذا مثل يضرب للناقة العوراء أو العمياء التي تسير، لكن لأنها لا تحسن الإبصار، تذهب في اليمين وفي اليسار، لا يُعرف لها مسار واضح، كذلك الإنسان تجده يعيش عمراً طويلاً، دهراً طويلاً لكن لو أردت حصيلة لعمره، لا تجد حصيلة يعتد بها الاعتداد الكافي، وإن كنا نحمد الله عز وجل، على أننا من المسلمين والمؤمنين، وبهذا نكون قطعنا مشواراً جيداً، لكن لاحظوا رحمة الله عز وجل كيف هيئ لنا الأسباب موسم حج الإنسان يوفق له، يذهب إلى عرفات، في الرواية ورد أن من وقف هذا الموقف وظن أن الله لا يغفر له فقد أساء الظن بالله، هذا في عرفة. في الرواية عندنا أيضاً أن من جاء في شهر رمضان ولم يُغفر له (الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر) لكن هذا ليس خاصاً لا بشهر رمضان -له خصوصية أعلى أسرع- ولا بالحج ولا بكثير من الأعمال، لحظة تأمل، ورد في الخبر الشريف (تفكر ساعة خير من عباد ستين سنة) أو (سنة) في رواية سنة وبعض الروايات ستين سنة، السبب ما هو؟

لأن الإنسان إذا أعمل نعمة العقل وضع النقاط على الحروف، عرف محله من الإعراب وإلى أين سيتجه، أما أن يكل أمره إلى آخرين، خصومه، أعداؤه، شياطين الإنس، شياطين الجن، سيستخدمونه لمصالحهم، لن يستخدموه لمصلحته هو.

لذلك فإن العقل نعمة والإيمان نعمة وتلاوة القرآن نعمة والتردد على المساجد نعمة والاستماع إلى المواعظ نعمة ومن نقم الله عز وجل أن يشعر الإنسان بأنه ليس في حاجة لا إلى المسجد ولا إلى مجلس موعظة ولا إلى مجلس ذكر ولا إلى محاضرة ولا إلى كتاب ولا إلى عالم ولا إلى من هو أرشد منه، لأنه بلغ حداً كبيراً، هو يعرف في كل شيء، يناقش في كل شيء، مثل هذا الإنسان يفقد الرحمة بقدر ما يتوفر لديه هذا الشعور.

نسأل الله عز وجل أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى