حديث الجمعة

حديث الجمعة : «صناعة التميز» يوم الجمعة ٢٦ جمادى الثاني ١٤٤٤ هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «صناعة التميز» يوم الجمعة ٢٦ جمادى الثاني ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقه قولي،

 

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله. عنوان حديثنا سيكون «صناعة التميز». ما المقصود بالتميّز؟ وما هو موقف الشريعة المقدسة منه؟ التميّز: يعني أن يمتاز ويفترق طرفٌ عن طرف بحيث يكون عند هذا المتميز شيء يفتقده الطرف الآخر. يقول الله -عز وجل-  في يوم القيامة: {وَٱمْتَٰزُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ} [يس – 59] يعني ابتعدوا فليكن الأخيار في جهة والمجرمون في جهة أخرى. هذا الموقف أو مسألة التميز، إذاً حاكمة على وجود الناس بالاضطرار والاختيار في الدنيا والآخرة. لا يمكن للناس أن يتساووا في كل شيء، لا بد أن يكون الناس فيهم حالة من الامتيازات، لكن هل كل امتيازٍ مطلوب؟ وهل كل امتيازٍ مشروع؟ الجواب: أن للشريعة الإسلامية -مثل أي فلسفة في نظام العالم، مثل أي دين مثل أي فكرة في العالم- لا تقبل أي شكل من أشكال التميز. لأن الامتياز تارة يكون المجرمون لهم امتياز عنده عقلية فائقة جداً، لكنه يستثمرها في شيء لا يستطيع ذاك المؤمن الضعيف أن يفعّل عقله فيه. يمتاز لكنه امتيازٌ مذموم، امتيازٌ قبيح. الذي نريد أن نتحدث عنه بشكل موجز جدًا هو التميز المشروع والتميز المطلوب إلى حد الاستحباب وإلى حد الوجوب في بعض الأحيان.

يقول الله -عز وجل- بسم الله الرحمن الرحيم {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات – 13]. من ضمن ما أشارت إليه الآية الكريمة مفهومين للتميز، مجالين للتميز:

 

مجال الكرامة

 

والكرامة يعني الحفاوة، فلان مكرم يعني: محتفى به محترم. والاحترام تارةً يكون عند الناس وأخرى يكون عند الله -سبحانه وتعالى-. تفاوت الناس عند الناس وتفاوت الناس عند الله -سبحانه وتعالى- ليس على مرتبة واحدة. هناك من الناس من هو عند الناس كريم أي؛ محترم، وهناك من هو أكرم أكثرُ احتراماً وأكثرُ كرامةً وأشد تميز، هذا تميز.

 

المجال الثاني هو التقوى

 

الله -سبحانه وتعالى-  يندبنا ويحثنا حثاً أكيد على التقوى بالمرتبتين، الاستحباب والوجوب، لكن في مجال التقوى أيضًا هناك تميّز وهناك تفاضلات بين الناس، هناك من هو متقٍ من الناس وهناك من هو أتقى من الناس. الله -سبحانه وتعالى- يشير إلى هذا المعنى يقول من يريد أن يكون كريمًا عنده عز وجل، بل أكرم عنده -سبحانه وتعالى- فليكن تقيًّا بل، أتقى. إذا أراد أن يكون كريمًا فليكن تقيًّا، وإذا أراد أن يكون أكرم فليكن أتقى. يعني كلما ازداد منسوب التقوى عنده -سنأتي على ذكر ماذا نريد بالتقوى؟ وماذا نريد بالتميز المقصود- كلما كان أكثر حيازةً على قواعد وأسس التميّز والكرامة، كان أقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-  وأكثر احترامًا. هناك ركائز أربعة يجب أن تستحضر في هذا الباب.

 

الركيزة الأولى هي حب الذات الأنا “حب الأنا”

 

وهناك مفهوم شائع، كثير من الناس يظن أن موقف الدين والاسلام من حب الذات أمر مذموم. وهذا خطأٌ كبير، كبير جداً. قوام تعاليم الدين كلها تقوم على حب الذات، لكن حب الذات الموجهة، حب الذات ليس بطريقة عدوانية على حساب الآخرين. كلفنا الله عز وجل أن نحب ذواتَنا بحيث لا يجوز لنا أن نلحق بها الضرر، فلو دار الأمر فيما إذا داهمك خطر أو داهم الناس خطر، بين أن تنقذ الآخرين وتموت أو تنجو بنفسك!؟ لا، يجب على الإنسان أن يحافظ على نفسه إلا أن يكون الطرف الآخر أولى بالحفظ. كأن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام المعصوم في مثل هذه الحالة لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم يجب أن تقدم نفسه على نفسك. وكذلك إذا كان لنفترض أي شأن أو أي فرد من الأفراد له تميز عند الله -سبحانه وتعالى- بحيث إذا فاضلنا بين هذين الفردين، كان هذا مقدمًا على هذا. في مثل هذه الحالة له استثناءات، لكن من حيث المبدأ لا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للأذى وهذا نابع من حب الذات. ويجب أن يستجلب لنفعه الخير، وهذا أيضاً نابع من حب الذات. حب الذات المذموم هو ما يسميه الناس اليوم الأنانية المذمومة. يقولون فلان أناني، أناني يعني، لا يعنيه شأن الآخرين المهم أن يحوز هو على الخير. سواء كان بطريق مشروع أو بطريق غير مشروع، هذه الأنانية مذمومة. لكن الأنانية بالمعنى الذي ذكرناه أمر مطلوب وتفاصيل الفقه والتشريعات الإسلامية كلها تؤكد هذا المعنى بأكثر من طريقة.

 

الأساس الثاني أن من حب الذات البحث عن الفضل

والفضل هو نوع من أنواع التميز. يعني هل يصوغ لك أيها الإنسان أن تسعى إلى أن يكون لديك من العلم ليس عند الآخرين؟ بحيث تكون أفضل منهم أو تكون فاضلا في نفسك؟ نعم، هذا مشروع ليس فيه بأس. أن يسعى الإنسان إلى أن يتعلم حتى لو أن الآخرين لم يتعلموا بل أن يميز نفسه عن الجُهال بأن يكون عالماً وهم جُهال. هذا ليس فيه بأس هذا أمر مشروع وركيزة ثانية وهناك ما يُحث في الإسلام عليه بشكل كبير.

 

الأساس الثالث أن الأفضلية من الفضل

يعني حينما يبيح لنا المشرع المقدس أو الشارع المقدس أن نبحث عن الفضل هو في الوقت نفسه يحثنا على أن نتفاضل في الفضل. والآية الكريمة دلالتها في هذا واضح حينما يقول- عز وجل-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ} يعني يحثنا على الكرم أولاً، وعلى نيل الأكرمية السعي لأن نكون أكرم عند الله يعني نبحث عن الفضل بل عن الأفضلية، في الكرامة من جهة والتقوى. يعني لأن التقوى والاتقائية هي التي تولد الكرامة عند الله والاكرمية عند الله- سبحانه وتعالى-.

 

الأساس الرابع التميز

تارة عند الناس وتارة عند الله- سبحانه وتعالى-، قد يلتقيان وقد يختلفان. لنفترض هناك قيم، معايير عند الناس مقبولة ليست بالضرورة هي المطلوبة عند الله -سبحانه وتعالى- يعني لو أن لو أننا فاضلنا عند الناس وعند الله أيهما أفضل الثراء والجاه والشهرة أو التقوى؟ كثير من الناس يبحث عن المال، يبحث عن الشهرة والجاه، لكن الله- سبحانه وتعالى- يبحث في الدرجة الأولى ويحث الناس في الدرجة الأولى على التقوى سواءٌ كان لديك المال والجاه والسمعة أو لم يكن. ولو فاضلنا بين هذين، لا! وهذا أحد وجوه الزهد. لأن الإنسان إذا كان لديه طمع وجشع على البحث عن المسائل الدنيوية قد يضحي بالتقوى على حساب هذه المعايير المادية، المعايير الدنيوية. في مثل هذه الحالة هو في الحقيقة لا يُنصت لما يقوله الله -عز وجل- عن أن عنده كرامة وأكرميّة، لكن ليس المال هو الذي يجلبها ويجذبها إليك إنما يحصلها عند الله -عز وجل- التقوى والاتقائيّة.

الآن بعد هذه الركائز نشير إلى المطلب من خلال رواية مروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يركز فيها على أداتين من أدوات تحصيل التميّز بين الناس. وقلنا التميز والتفاضل بين الناس هو ما يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم. الناس ينظر بعضهم إلى بعض في ملابسهم في مساكنهم في وسائل النقل عندهم فيما يحوزونه، فلان عنده، فلان ليس عنده، أنا عندي ما ليس عند فلان، بيتي أفضل من بيت فلان، لباسي أفضل من لباس فلان. هذا نوع من أنواع التميز، هل يجوز للإنسان أن يشتغل بهذا؟ بحيث يجعله همه الأول والأخير؟ أو أن يجعله همه المقدم على حساب القيم الأخرى التي أشار إليها؟

النبي صلى الله عليه وآله يبين لنا في هذا النص الذي سنتلوه ما هي المعايير والقيم التي يجب أن يكون لها أولوية في حياة هذا الإنسان. يقول -صلوات الله وسلامه عليه- مخاطباً أمير المؤمنين علياً -عليه أفضل الصلاة والسلام- «يقول: يا علي ثلاث من لقي الله- عز وجل- بهن فهو من أفضل الناس» فالنبي يكرس مبدأ التميز، يشجع عليه، يجب أن يكون كل واحد منا باحثاً عن أن يكون أفضل الناس، لكن عند من؟ عند الله -سبحانه وتعالى- لاحظ «من لقي الله» ليس من لقي الناس! «من لقي الله -عز وجل- بهن فهو من أفضل الناس أي عند الله». يعني أن يكون الإنسان أفضلَ الناس عند الناس، هذا يدوم بمدة حياتك. بمقدار ما قدر الله -سبحانه وتعالى- لي ولك من الحياة في عالم الدنيا، قد يكون فلان أفضل. لكنه بعد أن يغيب عنهم ينسونه وينسون فضله تماماً، لكن {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل – 96] هذا هو المهم. الآن يذكر المعايير يقول: «من أتى الله بما عليه فهو من أعبد الناس». فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل لنا معياراً أول للأفضلية، هذا المعيار ما هو؟ العبادة. لكن العبادة يجب أن نعطيها حقها في المفهوم. الصلاة والصيام والحج وما نسميه نحن بالعبادة بالمعنى الخاص هذا جزء من العبادة. مهمٌ جداً، لا يجوز لأحد أن يفرط فيما افترض الله -عز وجل-  عليه من الصلاة. الصلاة عمود الدين، الحج لمن استطاع إليه سبيلاً واجب لمن لم يحج، وهكذا في بقية الفرائض. لكن هناك من يلتزم بما افترضه الله -عز وجل- عليه بشكل جزئي، نسبي، موسمي. لنفترض بعض الطلاب أيام الامتحانات يُكثرون من الحضور في المسجد طلباً أن يعينهم الله -عز وجل- من خلال هذا الحضور أن ينجح في الامتحانات. هذا فعلٌ حسن أن تأتي في المسجد أيام الامتحانات، لكن ليس شيئاً حسناً أن تتخلى عن العبادة في المسجد قبل الامتحانات وبعد الامتحانات. مطلوبٌ منك ذلك قبله وفيه وبعده، وهكذا في بقية الأمور. فلا يجوز للإنسان أن يكون موسمياً، مزاجياً، انتقائياً، في تعامله مع ما افترض الله -عز وجل- علينا من العبادات.

«من أتى الله بما افترض عليه -فرائض- فهو من أعبد الناس» ونقرأ في وصية أو في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في استقبال شهر رمضان -بلغنا الله وإياكم صيامه وقيامه- أمير المؤمنين عليه -أفضل الصلاة والسلام- في آخر خطبة النبي يسأله عن أي الأعمال أفضل ماذا قال؟ «الورع عن محارم الله» ترك ما حرم الله -عز وجل-  فعله أو سماعه أو قوله هذا من أهم العبادات. قد لا يكثر الإنسان من الصلاة والصيام لكنه شديد الحرص على أن يتجنب الحرام، أن يتجنب ما يبغض الله -عز وجل- ويسخطه. هذا يعتبر من أعبد الناس، هذا ورع هذه أعلى مراتب التقوى.

ثانياً «ومن ورع عن محارم الله -عز وجل-  فهو من أروع الناس». هذا الذي أشار إليه أمير المؤمنين في سؤاله وأجاب به النبي (صلى الله عليه وآله). فإذاً يعمل الإنسان الواجبات وهذه كثيرة. يعني لو فتحنا أبواب كتب الحديث وكتب الفقه لنتعرف على ما الذي افترض الله -عز وجل- على الناس؟ وما الذي ندبه ندبهم إليه من الواجبات والمستحبات؟ هذا علمٌ يبدأ ولا ينتهي وهي كثيرة جداً. لكن يستطيع الإنسان أن يحول جميع تفاصيل حياته إلى عبادة.يوصي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذر، بقوله: «ليكن لك في كل شيء نية». يمكن للإنسان أن يتعبد الله في كل شيء، حتى في أكله، حتى في شربه، حتى في نومه. المهم أن يتجنب يعني يعنيه أولا وآخراً. ما الذي أحله الله؟ فيعمل به. وما الذي أوجبه الله فلا يدعه؟ ما الذي حرمه الله عز وجل؟ فيتجنبه أشد التجنب. مثل هذا الإنسان من أعبد الناس ومن أورعهم .

ثالثاً «ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس». عطايا الله -سبحانه وتعالى-  للناس أنواع ليست عطية واحدة. وليس هناك أحدٌ من الناس إلا وهو يرفل في نعم الله عز وجل حتى أصحاب الابتلاءات والامتحانات. كثيرٌ من الناس يعتقد أنه محروم، نعم قد يحرم من شيء. لكن ما عنده أزيد بكثير مما حرم منه. قد يحرم نعمة الولد، قد يحرم نعمة المال، قد يحرم نعمة الجمال، قد يحرم نعمة الحسب والنسب، قد يحرم من نعم كثيرة، لكن بالقياس إلى ما آتاه الله عز وجل من نِعم أخرى {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل – 18]. فلا ينبغي للإنسان أن يكون قاصر النظرة بحيث ينظر إلى جانب ويغفل عن جوانب أخرى. ما هو المطلوب في مثل هذه الحالات؟ لو أنّ الله عز وجل قدَرَ على الإنسان رزقه، أي ضيّق عليه الرزق. يبحث هو عن العمل ليس كسولا في البحث عن فرص العمل والرزق. لكن يطرق هذا الباب لا يفتح له، يطرق الباب الآخر لا يفتح له، يطرق الباب الثالث ولا يفتح له. فصار في ظرف صنف فيه من الناحية الشرعية والعرفية ضمن الفقراء. كيف يجب أن يتعامل هذا الإنسان الذي حُرم من المال؟ أو ذاك الذي حرم من الولد؟ أو ذاك الذي حرم من أي شيء يطلبه مما هو مشروع؟ يجب أن يقنع. الناس يتفاضلون في المال، يتفاضلون في الذكاء، يتفاضلون في الأجسام، يتفاضلون في أشياء كثيرة. يمتاز هذا عن ذاك بشيء لكن قد يكون هو يتميز عن الآخرين بشيء ذاك الذي يطلب المال فيلهث وراء طلبه لم يقنع، آتاه الله المال الكثير، والجاه الكثير لكن لأنه لم يقنع يسخط الله -سبحانه وتعالى- عليه. هذا الذي حُرم من المال، أو من الكمال، أو من أي شيء من الأشياء المطلوبة، رضي بما قضاه الله -عز وجل- وفي الوقت نفسه يسعى. الرضا بما قضى الله -عز وجل- لا تعني أن الإنسان لا يعمل لكن ليس كل ما نطلبه يجب أن يتحقق، هذا أيضا وهم. الظروف ليست بأيدينا، سنن الله -عز وجل- نعرف بعضها ويخفى عنا كثير منها بل أكثرها.

يجب على الإنسان أن يقنع بما قسمه الله -عز وجل-  له. يعني لو أن الإنسان بمعايير الذكاء يحطون معيار للذكاء 140 يعتبرونه ذكياً وأزيد من هذا، لو أن الله قدر لإنسان من الناس أن يكون مقدار ذكائه 120 أو 110 أقل من هذا، كيف يجب أن يتعامل هذا الإنسان؟ هذا المنسوب الذكاء؟ لا يمكن أن يعوض بالعلم حتى لو كان عالم منسوب الذكاء عنده سيبقى هو هذا. إنسان الله -سبحانه وتعالى- أتاه قدرة بدنية معينة يجد أن الآخرين أفضل منه في أبدانهم، كيف يجب أن يتعامل هذا الإنسان المحروم؟ أن يقنع بما قسمه الله -عز وجل-  له. لكن هذا لا يعني أن هذا الإنسان الذي حرم من نعمة الذكاء في هذا الجانب أو نعمة البدن الجيد في ذاك الجانب، ألّا يتمكن من تحصيل شيء يتفوق به على من هم أذكى منه، ومنهم أثرى منه ومنهم أفضل منه في الجانب الآخر. وكثيرٌ من الناس قد يكون في هيكله جميل، لكن يستقبح الناس التواصل به والاتصال به لأن أخلاقه مشاكسة. أنت لو خيرت بين أن يكون عندك جمال هذا الإنسان المشاكس في خلقه، أو أخلاق فلان دميم الخلقة. الأمر الطبيعي أن الإنسان يحب أن يكسب الأخلاق الحسنة لأنها التي تجلب له السعادة في الدنيا والآخرة. لكن ذاك الإنسان الذي قد يكون حظي بجمال لا يملكه هذا الإنسان، في كل يوم ينتقل من مشكلة إلى مشكلة، أيهما هو الأفضل؟ هنا نبحث عن المعايير التي حددها الله -عز وجل- النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا يتحدث عن بعض معايير الأفضلية: العبادة والتفوق فيها الورع والتفوق فيه القناعة والتفوق فيها إذا حظي الإنسان بهذه المعايير الثلاثة كان متميزاً، وإذا كان متميزاً كان أتقى من غيره، وإذا كان أتقى كان أكرم. «الغنى والفقر» يقول أمير المؤمنين -عليه أفضل الصلاة والسلام- «بعد العرض على الله» في الدنيا يمكن للإنسان أن يكون هذا غني وذاك فقير يعني لا يملك مال أو شيء. لكن إذا حُشروا بين يدي الله -عز وجل- يصنف هذا الفقير الذي لم يكن الناس يعيرون له بالاً ولا اهتماماً ضمن الأولياء الصالحين، ضمن المقربين عند الله -سبحانه وتعالى- والمحسنين. وذاك الذي كان يعد من الأغنياء، يكون من قبيل فرعون والحجاج وأمثال هؤلاء وما أكثرهم!

 

نسأل الله -سبحانه وتعالى-  أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى