حديث الجمعة

حديث الجمعة .. النبيُّ محمد (ص) مربياً (3) .. 9-5-1445هـ

النبيُّ محمد (ص) مربياً (3)

9/5/1445هـ

 

بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الخلقِ وأشرفِ الأنبياءِ والمرسلين محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ وعلى آلِهِ الطيبين الطاهرين.

ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي.

اللهم اجعل أعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريمِ.

عبادَ اللهِ! أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، فإن العاقبةَ للمتقين، وقد قال اللهُ تعالى في سورة الجن ﴿وَأَلَّوِ ‌اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: 16-17].

وفي هاتين الآيتين من البشارةِ للمستقيمين على الطريقةِ، والإنذارِ للمعرضين عنها، ما فيهما من البيانِ والوضوحِ، بما لا يحتاج إلى مزيدِ بيانٍ.

وفي سياقِ الحديثِ عن شخصيةِ النبيِّ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله وسلم) التربويةِ، نقف وإياكم – في هذا اليومِ – على ضرورةِ الانقطاعِ إلى اللهِ تعالى ورسولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) في مستويين:

الأول: التلقي الفكري

الثاني: الطاعة العملية

فماذا نعني بالانقطاعِ الفكريِّ؟

نعني بالانقطاعِ الفكريِّ أن يعتقدَ أن ما أوحاه اللهُ تعالى من كتابِهِ، ونطق به رسولُهُ (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو الحقُّ الذي لا ريبَ فيه، ولا باطلَ يعتريه، وأن يُجعل هو الميزانَ في القبولِ والردِّ، فلا يصار إلا إلى ما فيهما أو إلى ما وافقهما.

قال اللهُ تعالى – عن القرآنِ – ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، وقال تعالى ﴿إِنَّ ‌هَذَا ‌الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9].

وقال عزَّ وجلَّ عن سنةِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) – قولاً وفعلاً – ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ‌لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44] ، وقال ﴿.. ‌وَمَا ‌آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].

وأما الانقطاعُ على مستوى الطاعةِ العمليةِ، فنعني به أن لا يُقتصرَ على الإيمانِ القلبيِّ ولا يُكتفى بالقناعةِ الفكريةِ بما جاء في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما يترجم هذا وذاك بالقولِ والفعلِ.

فقد قال اللهُ تعالى في ذمِّ المخالفةِ بين القولِ – بمعنى الإيمانِ – والفعلِ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) ‌كَبُرَ ‌مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: 2-4].

وقال تعالى – بعد أن ذكَر مجموعةِ أحكامٍ فقهيةٍ – مشيداً بالمطيعين، محذراً العاصين ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ‌وَمَنْ ‌يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 13-14].

وليكن معلوماً – أيها الأعزاءُ – أن الموائمةَ بين الإيمانِ بالجوانحِ والعملِ بالجوارحِ شرفٌ لا يناله إلا ذو حظٍّ عظيمٍ، فلنكن وإياكم من هؤلاء، فقد قال اللهُ تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨) ‌وَمَنْ ‌يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: 66-70].

وقد نبه اللهُ تعالى إلى أن في الناسِ فئةً تعلن الإيمانَ ظاهراً، لكنها ليست صادقةً في دعواها! يتبين ذلك في الشدائدِ، أو عند التخاصمِ والتنازعِ، أو عند غلبةِ الأهواءِ، فقد قال تعالى ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) ‌وَمَنْ ‌يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 46-52].

فدعوى الإيمانِ – أيها الأعزاءُ – لا تكفي وحدها، فلا بد أن يصدقها الفعلُ، فإذا خاصمتَ أو خوصمتَ، مع غريبٍ أو قريبٍ، فإن عليك أن لا تحيدَ عن دينِ اللهِ عزَّ وجلَّ ولا عن حكمِ رسولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)

وقد اجتهد النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في تربيةِ المسلمين على الموائمةِ التامةِ بين الإيمانِ القلبيِّ والعملِ الجوراحيِّ، ومما رواه الإمامُ الصادقُ عن آبائهِ أن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن أقربَكم مني غداً، وأوجبَكم عليَّ شفاعةً، أصدقُكم للحديثِ، وآداكم‏ للأمانةِ، وأحسنُكم خلقاً، وأقربُكم من الناسِ”[1].

والحديثُ ظاهرُ الدلالةِ في أن منازلَ الناسِ من رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست متساويةً، ففيهم القريبُ منه، وفيهم البعيدُ عنه، وفيهم مَن هو بين هذا وذاك.

فكلما كان المسلمُ أفقهَ في دينِهِ، وأشدَّ التزاماً به، كان أقربَ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومَن كان أقربَ إلى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أتقى، ومَن كان أتقى كان أكرمَ عند اللهِ عزَّ وجلَّ.

وقد قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) “خيرُكُم خيرُكُم‏ لأهلِهِ‏، وأنا خيرُكُم لأهلي”[2].

كما أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حذر من التلاعبِ بالمفاهيمِ، أو فهمِها خطأً، فقد روي عنه أنه قال “إن ‌المهاجرَ ‌مَن ‌هجَر ما نهى اللهُ عنه، والمسلمُ مَن سلم المسلمون من لسانِهِ ويدِهِ”[3]، وفي لفظٍ آخرَ “‌المهاجرُ ‌مَن ‌هجر السيئاتِ، والمسلمُ من سلم المسلمون من لسانِهِ ويدِهِ”[4].

فالإسلامُ والإيمانُ – إذن – ليسا شعارين أجوفين.

وقد سبق من اللهِ تعالى التنبيهُ إلى أن دعوى الإيمانِ – وحدها – لا تكفي، وأنه لا بد من الامتحانِ ليتبينَ الراسخَ في الإيمانِ من غيرِهِ، فقال – عما جرى يومَ أحدٍ من فرارِ من فرَّ وثباتِ مَن ثبت – ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ‌انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 142-145].

وقال عما جرى يومَ حنينٍ – مبيناً وجوهَ الخللِ في الإيمانِ والفقهِ والسلوكِ – ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤) لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ ‌كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 23-26].

كلُّ هذا هو ما دعا رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وصفه ربُّهُ تعالى بقولِهِ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ‌حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، أن يقلقَ على مصيرِ الأمةِ من أن تقعَ بعده في براثنِ الضلالِ، فرسم لها – بأمرِ اللهِ وتوجيهه – ملامحَ ومعالمَ الهدى، وسمى لهم الهاديَ الذي سماه اللهُ.

فقد أخرج الطبريُّ، في تفسيرِهِ، عن ابنِ عباسٍ، قال “لما نزلت {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7] وضع صلى اللهُ عليه [وآله] وسلم يدَهُ على صدرِهِ، فقال: أنا المنذرُ {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، ‌وأومأ ‌بيدِهِ ‌إلى ‌منكبِ ‌عليٍّ فقال: أنت الهادي يا عليُّ، بك يهتدي المهتدون بعدي”[5].

وليس هذا جديداً، فقد أخرج الطبريُّ نفسُهُ في تاريخِهِ، بسندِهِ، “أن رجلاً قال لعليٍّ (عليه السلام): يا أميرَ المؤمنين! بم ورثتَ ابنَ عمِّك دون عمِّك؟ فقال عليٌّ: هاؤم! ثلاثَ مراتٍ، حتى اشرأبَ الناسُ، ونشروا آذانَهم. ثم قال:

جمع رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) – أو دعا رسولُ اللهِ – بني عبدِ المطلبِ منهم رهطَهُ، كلُّهم يأكل الجذَعةَ، ويشرب الفِرقَ، قال: فصنع لهم مدّاً من طعامٍ، فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعامُ كما هو، كأنه لم يُمسَّ قال: ثم دعا بغمرٍ فشربوا حتى رووا وبقي الشرابُ كأنه لم يُمسَّ ولم يشربوا قال: ثم قال: يا بني عبدِ المطلبِ، إني بعثتُ إليكم بخاصةٍ، وإلى الناسِ بعامةٍ، وقد رأيتم من هذا الأمرِ ما قد رأيتم، فأيُّكم ‌يبايعني ‌على ‌أن ‌يكونَ أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحدٌ، فقمتُ إليه – وكنت أصغرَ القومِ – قال: فقال: اجلس، قال:

ثم قال ثلاثَ مراتٍ، كلُّ ذلك أقومُ إليه، فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثةِ، فضرب بيدِهِ على يدي.

قال: فبذلك ورثتُ ابنَ عمي دون عمي”[6].

وقد أخرج الطبريُّ نفسُهُ هذا المضمونَ في تفسيرِهِ؛ في ذيلِ قولِهِ تعالى ﴿وَأَنْذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، مع إبدالِ (صاحبي ووارثي) بقولِهِ (كذا وكذا)[7].

وفقنا اللهُ وإياكم لأن نكونَ من المؤمنين الصادقين في إيمانِهم ظاهراً وباطناً، وأن يجعلَنا وإياكم من الذين آمنوا واتقوا والذين هم محسنون.

***

اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ.

اللهم كن لوليك الحجةِ بنِ الحسنِ، في هذه الساعةِ، وفي كلِّ ساعةٍ، وليّاً، وحافظاً، وقائداً، وناصراً، ودليلاً، وعيناً؛ حتى تسكنَهُ أرضَك طوعا، وتمتعَهُ فيها طويلاً.

اللهم انصر الإسلامَ والمسلمين، واخذل الكفارَ والمنافقين.

اللهم مَن أرادنا بسوءٍ فأرده، ومَن كادنا فكِده.

اللهم اشفِ مرضانا وجرحانا، وارحم شهداءَنا وموتانا، وأغنِ فقراءَنا، وأصلِح ما فسَد من أمرِ دينِنا ودنيانا، ولا تُخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا، إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

وصلى اللهُ على سيدِنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ الطيبين الطاهرين.

[1] وسائل الشيعة ‏12/163، الحديث (15962).

[2] من لا يحضره الفقيه ‏3/555. وعنه: وسائل الشيعة 20/171، الحديث (25377).

[3] مسند أحمد 11/ 511 ط الرسالة، برقم (6912).

[4] صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع 1/ 481، برقم (705).

[5] تفسير الطبري 13/ 443، ط هجر.

[6] تاريخ الطبري 2/ 321 – 322.

[7] تفسير الطبري 17/ 661، ط هجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى