حديث الجمعة

حديث الجمعة .. «السلوك بين التفلت والانضباط -٤» .. سماحة السيد حسن النمر الموسوي

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «السلوك بين التفلت والانضباط -٤» يوم الجمعة ١٩ جمادى الأول ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات،

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين‫،

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‫،

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله‫،

والتقوى تعني أن يجنب الانسان نفسه الاضرار، ويسعى في جلب المنافع إليها، ولا يتأتى له ذلك إلّا أن يكون عبدا صالحا، لأن الخير كله من الله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} لذلك، فإن هناك حدا أدنى من التقوى، إذا لم يتوفر للإنسان لا يرجى أن يكون من المتقين في مرتبة أعلى.

ولذلك، فإن الله عز وجل، يذكر لنا حال فئة من الكفار فيقول {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} مع أن الله عز وجل، إنما بعث النبي من أجل أن يكون من المنذرين، فإذا كان هؤلاء مسبقا ليس لديهم قابلية أن يستمعوا الى إنذار النبي، ما الفائدة؟ الفائدة أن يقام عليهم الحجة، لكن هم أخذوا قرارا، ألا يستفيدوا من نعم الله عز وجل، ومن أجلّها وأعظمها، بل أعظمها وأجلّها الهداية إليه، حتى يكون الانسان من المتقين، وقد وصف الله عز وجل، الكتاب الكريم الذي لا ريب فيه ولا باطل يصل إليه بأنه {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} أما غير المتقين وإن تغنى بأنه يؤمن بالقرآن، لكنه إذا لم يكن في وجدانه إيمان صادق بالله وبكتابه، لن يستفيد من القرآن الكريم.

كنا نتحدث عن السلوك وكيف أنه يتأرجح بين الانضباط والتفلت، ولأقرب الفكرة أزيد: نحن حينما نتكلم، العرب يتكلمون، الذين يتكلمون باللغة الانجليزية يتكلمون والاردو يتكلمون وأصحاب كل لغة من اللغات يتكلمون، لكننا إذا نشأنا في بيئة نتكلم لغة اللغة العربية حتى نتعرف على اللغة الأخرى، لابد أن نهيئ لأنفسنا البيئة المناسبة، حتى نعرف قواعد تلك اللغة، مفردات تلك اللغة، فإذا تعرّفنا عليها، أمكن لنا أن نتكلم كما يتكلمون، فينضبط اللسان كما ينضبطون هم في الحديث.

ولعلك تسأل وتقول: نحن، الطفل في البيت لا نعلّمه قواعد اللغة العربية، لكنه ينمو ويكبر، فيتكلم باللغة كما نتكلم واللغة العامية هي لغة، واللغة العامية أيضا فيها قواعد وفيها صرف وفيها بلاغة؟

والحقيقة إننا نعلّم هذا الطفل وهذا الطفل يتعلم، لكن ليس بالطريقة المدرسية، الانسان إذا اختلط بجماعة من الناس، هذا الاختلاط والأنس بكيفية الكلام، كيفية التخاطب فيما بينهم، يأخذ هذا الولد الصغير أو الفتاة الصغيرة من أبويه ومن بيئته أسلوب الحديث، حتى اللهجة، هو يكتسبها بلا وعيه، من دون أن يكون هناك دراسة، كما يذهب الى المدرسة، هذا شكل من أشكال التعليم، ونحن لا نتحدث عن آليات التعلّم، نتكلم من حيث المبدأ، يجب على الانسان أن يحسن الضوابط ويجعل هذه الضوابط حاكمة على سلوكه وإلّا سيتفلت.

مثلا، نرجع الى اللغة، الانسان إذا تكلم وكان من أهل منطقة معينة، يتكلمون بلغة معينة، بل بلهجة معينة، أنت بمجرد أن تسمعه تقول: هذا من البلدة الفلانية وهذا من البلد الفلاني وهذا من القومية الفلانية”.

والسبب ما هو؟ انضباطه في الكلام تحدّثه بهذا الأسلوب هو الذي جعلك تتعرف على سلوكه، هذا القانون بعينه ينطبق على ما يتعلق بالسلوك بشكل عام، كثير من الناس انت تستبق ردة فعله قبل أن يصدر منه ردة الفعل، نتيجة معاشرتك وإياه تعرف مستواه العقلي والأخلاقي والقيمي، فإذا نقل إليه هذا الخبر الذي يراد نقله إليه، أنت مسبقا تعرف ردة فعل فلان، أن فلان لن يصدق هذا الخبر، لأنك تعرف أن هذا الخبر لا يتوافق مع عقليته، أما إنه يرفضه لأنه عنيد أو يرفضه لأنه يحمل مبادئ لا تسمح له بالتسليم بمثل هذا الخبر، أو إنه سيصدقه إذا كان يتوافق مع هواه أو مع متبنياته وقناعاته.

الانسان المسلم والمؤمن، لا يمكن لا يمكن أن يقول: أنا من حقي أن أمارس أي سلوك في القول أو في الفعل”..! لأن إيمانه بالله عز وجل، وإيمانه برسول الله وإيمانه بالقرآن الكريم والسنة الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جعلت له سلسلة من الضوابط يُسمح معها أن يمارس هذا الفعل ولا يمارس ذلك الفعل الفلاني.

ولذلك، يصنّف، الناس يصنفون وفقا للتصنيف القرآني، الى ثلاثة أصناف، صنف كافرون، والكفر مراتب، هناك من يكفر بالكلية، وهناك من يكفر خمسة وسبعين بالمئة، وهناك من يكفر خمسين بالمئة، وهناك من يكفر خمسة وعشرين بالمئة، وعلى هذا قس، ما شاء الله.

وهناك مؤمنون، والإيمان مراتب، هناك مؤمنون إلى درجة العصمة، كالنبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام والسيدة الزهراء، وهناك مؤمنون من هم أقل مرتبة من هؤلاء، وهناك مؤمنون يعبدون الله على حرف، يعني على طرف، لا تمسنّه فتنة، لا تمسنّه مصيبة، بمجرد أن يحصل له فتنة، يزول إيمانه، يحتاج يرجع من جديد مرة أخرى، إذا توفي عليه عزيز قال: أنا من بين كل هؤلاء الخلق أصاب بهذه الفتنة”..! نسي أن الدنيا، كل الناس يموتون فيها، كل الناس يخسرون، لكن هذا لأنه ضعيف الايمان، تصدر منه مثل هذه الكلمات، جزع ثم ينتهي – نعوذ بالله- إلى ما يؤدي به الى أن يكون من الكافرين، في حين أن الله عز وجل، يقول {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} يريد أن يقول لنا سلوك المؤمن هكذا يجب أن يضبط، فبالتالي هناك ضوابط يجب أن يتعرّف عليها.

نحن ذكرنا أن هناك أربع مبادئ يجب أن تلاحظ دائما، هناك سعادة يقابلها شقاء والناس يتنازعون في مفهوم السعادة وأسبابها ونتائجها ومظاهرها، وكذلك بالنسبة الى الشقاء وهناك قانون آخر نسميه قانون الدنيا والآخرة، الناس إذا اختلفوا في السعادة والشقاء قد يختلفون في الدنيا والآخرة، هناك من لا يؤمن بالآخرة وهناك من هم يوقنون بالآخرة، وفرق كبير بين هذه الفئة وهذه الفئة، وسلوك هؤلاء لا يمكن أن يتوافق مع سلوك هؤلاء، من يؤمن بأن هناك سعادة ومن يؤمن بأن هناك آخرة ومن لا يؤمن بأن هناك سعادة ومن لا يؤمن بأن هناك آخرة، التفاوت في السلوك يكون ظاهرا وكبيرا. مثلا، المؤمنون والمسلمون بشكل عام، لعلك لو قرأت احصائيات الانتحار ستجد أن نسبة الانتحار في الدول الغربية المتقدمة مدنيا والمتقدمة تعليميا، أكثر بكثير مما يوجد في عالم المسلمين، مع أننا إذا قرأنا مستويات السعادة المادية تجد أنها في ديار المسلمين متدنية، لماذا يكثر عندهم الانتحار ويقل الانتحار في أوساط المسلمين؟

السبب هو إيمان المسلمين، وإن كان يتفاوت، نحن لا ننفي، يوجد هناك، لكن هذا الفرق الفارق هو الذي يجعل أولئك يعيشون حالة من الاكتئاب بأدنى ما يمكن أن يصيبهم من الأذى والمصائب، في حين أن المسلم يعتقد بالدنيا والآخرة إن لم يحصل له السعادة في الدنيا هو يرجو أن يكون من السعداء في الآخرة، لكن ذاك الذي لا يؤمن بالآخرة بمجرد أن يصاب بمصيبة واحدة، هذه المصيبة الواحدة تكفي أن تجعله يرمي نفسه من شاهق، ففرق بين المسألتين.

المبدأ الثالث هو أن هناك إيمان وهناك كفر، الإيمان بالله وما ينشعب منه والكفر بالله وما ينشعب منه، أيضا يعتبر مسار أو مسار لهذا الطرف ولهذا الفريق ومسار يقابله للطرف الآخر.

المبدأ الرابع هو الطاعة والمعصية، الانسان الذي يؤمن بالله عز وجل، مالكا وخالقا ومولا وآمرا وناهيا، يختلف عن إنسان ذاك الذي يقول: انا حر، ليس هناك أحد يحكمني بشيء..!

صحيح أنت على مستوى القدرة، تستطيع أن تقول هذا الكلام، لكن المؤمن يقول وإن كنت حرا، لكن الله عز وجل، خلقني حرا ودفعني الى أن أختار الايمان، أن أختار طريق السعادة وطريق الصراط المستقيم.

نذكر نموذجين من النماذج القرآنية التي تبين لنا كيف يجب أن يضبط السلوك في القول وكيف يجب أن يضبط السلوك في الفعل، حتى نعرف أولا لزوم الانضباط، وهذا أمر يدركه الجميع، كما ذكرنا في خطبة سابقة:

ليس هناك مجتمع من المجتمعات إلّا وتحكمه سلسلة كبيرة من القوانين، لكن الشيطان وأعوان الشيطان، يريدون أن يثبتوا قوانين ليست متوافقة مع قانون الله ويدفعوا بالناس الى التفلت مع القوانين التي شرّعها الله عز وجل، يقول سبحانه وتعالى في “سورة الحجرات” {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

قانون ينظم طريقة التخاطب فيما بين الناس، طريقة تنظيم العلاقة فيما بين الناس وهذا القانون قانون أخلاقي يستحسنه المؤمنون وغير المؤمنين، لكن الآية تخاطبت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} والسبب هو أن ذاك الطرف الآخر لا ينصت الى الله، هو يستجيب لما يجد نفسه مقتنعا به، لكن المؤمن يضاف إليه عامل آخر، العقل والنقل.

الله سبحانه وتعالى يقول الانسان خلقناه مكرما، وداخل دائرة المؤمنين، وداخل دائرة المؤمنين هناك قوانين وضوابط، لا يسمح للإنسان فيها أن يمارس عملية سخرية والاستهزاء من الآخرين، أنا أفضل منك وأنت اقل شأنا مني..!

قد يُبتلى بعض الناس بقصور في جانب الخلقة، في جانب الطباع، في جانب التعليم في جانب، في جانب الامكانات العلمية والعملية والمادية، هل من حق الذي يجد في نفسه أفضلية، أن يستهزأ ويسخر بذاك الانسان الذي صار من القاصرين في هذا الجانب، بسبب فعله أو بأقدار الله سبحانه وتعالى ابتلاها عليه؟ الله سبحانه وتعالى يقول لا، ليس مسموحا لأحد أن يسخر من أحد، لأن الانسان إنما يطلع على الطرف الآخر من الناس، يطلع على ظاهره، وأولياء الله في السر، قد يكون هذا أفضل منك بكثير، مع أنك ترى أنه أقل منك بكثير، والسيرة تؤكد لنا أن كثيرا من الجنود صاروا مجهولين.

إقرأ من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الأسماء اللامعة كثيرة، لكنك حينما تدرس سيرتهم الذاتية، لا تجد أنهم قدموا عشر معشار بعض من سطّر التاريخ لهم بطولات، لكنها غيبت في جانب التاريخ، هل من حقنا أن نقول إن هذا الذي صار مشهورا أفضل من ذاك الذي بقي مغمورا؟

الجواب: كلا، الله سبحانه وتعالى يقول ليس من حقكم، هذا قد يكون أفضل وحتى لو لم يكن أفضل، ليس من حق الأعلى مرتبة أن يستهزأ -يتمسخر بتعبيرنا- بالذي هو أقل شأنا منه هذا واحد.

اثنين: اللمز، اللمز هو التخاطب بألقاب غير محمودة، يغمز من قناته يقلل من شأنه، يختار له العنوان غير المناسب.

لاحظوا، العرب كانوا يقولون للإنسان الكفيف في بصره، يقولون: فلان بصير” مع أنهم أعراب لا يملكون حظا كبيرا من الثقافة والأدب، ويقولون للمريض: السليم، تململ تململ السليم” أي المريض، ويصفون الصحراء، يقولون: المفازة” يتيمنون باسم المفازة لأنها في مظنة أن يهلك الذي يدخل إليها.

ينبغي للإنسان أن يتأدب ويختار، أما أن نختار ونخاطب فلان أو غير حضوره باللقب غير المناسب، هذا أمر لا يجوز شرعا، للمؤمن بالخصوص عند الله عز وجل، حرمه، هناك آداب في التخاطب بين الناس، يجب أن يحفظ، وحتى لو اختلفت معه، يجب عليك أن تعبّر عن اختلافك بما لا يحط من شأنه عند نفسه وعند الآخرين.

لذلك، تجدون أن بعض فقهائنا يقول: لو أن الانسان دخل إلى مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، هل يجوز لهذا الداخل للمسجد أن يصلي منفردا، لاعتقاده أن إمام الجماعة ليس مؤهلا لإمامة الجماعة؟

بعض فقهائنا يقول: لا يجوز”.

ليش؟ لأنه لو دخل هو يرسل بصلاته منفردا، يرسل إشارة للآخرين “انا لا أعتقد بكفاءة هذا الإمام” يطعن في عدالته، يطعن في قراءته، وقد يكون مصيبا بينه وبين الله، لكن ليقدم صلاته قبل الجماعة أو يؤخر صلاته بعد الجماعة، حفظا لكرامة هؤلاء المؤمنين، وهو لا يطعن فقط في هذا الإمام، مثلا لو كان يعتقد بعدم عدالته، وإنما يطعن في تشخيص المأمومين، لأن هؤلاء المأمومين إنما صلّوا خلف هذا الإمام لاعتقادهم أنه عادل، فهذا يتبجح يأتي بكل بجاحة أمام كل هؤلاء يقول أنا لا أعتد بكم ولا بتشخيصكم، هذا فيه هتك، ثم إنه يجعل نفسه أيضا عرضة للكلام، لأن هؤلاء أيضا سيتكلمون عليه “هذا قليل الأدب، هذا لا يراعي الأصول الاجتماعية”.

ولذلك، هناك قواعد أخلاقية كبيرة، الفقهاء أفردوا لها بحوثا وفصولا وأبوابا في كتب الحديث والفقه والأخلاق، يسمونه “كتاب العِشرة” “آداب العِشرة” ليس من حقنا أن نتفلّت في هذا الجانب.

ولذلك، التفقه في هذا الباب أمر مطلوب، والآية التي ذكرناها تشير لنا إلى هذا الباب. لاحظوا يقول {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} الانسان إذا كان مؤمنا يجب أن ينضبط سلوكه، فلو أنه مارس هذه الممارسات التي أشارت إليها الآية، لعد من الفاسقين وسيخرج من زمرة المؤمنين، هذا في جانب القول.

في جانب الفعل، نذكر لنا نموذجا وكيف أن الله عز وجل، ألزمنا أن نحافظ على أنفسنا من كل المؤثرات السلبية التي تجعل من إيماننا يخدش ويتثلم، مثل ما يحرص الآن الناس، لبس الكمامات والقفازات والتباعد والتلقيحات، لأنه يريد أن يحافظ على بدنه وعلى الآخرين أن يصيبهم الأمر، كذلك فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية والاعتقادية والعلمية، هل من حق الانسان أن يعرّض نفسه لتلوث فكري ولتلوث أخلاقي، ينظر الى ما يجعل نفسه ملوثة، يسمع ما يجعل نفسه ملوثة، يختلط بجماعة ينتقلون به من عالم الصلاح الى عالم الفساد، من عالم الفضيلة الى عالم الرذيلة؟

هذا ليس مسموحا به في دين الله عز وجل، ليس مسموحا به، وفي السنة المطهرة أيضا ليس مسموحا به، السبب ما هو؟ الله سبحانه وتعالى يقول {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} عبادة الله عز وجل، يعني أن تسير في الصراط المستقيم في جميع جوانب حياتك.

في الرواية عن “الإمام السجاد” عليه أفضل الصلاة والسلام، يرويها “الشيخ الصدوق” بسنده، يقول (ليس لك أن تقعد مع من شئت، لأن الله تبارك وتعالى يقول {وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ}).

لستَ حرا، كمؤمن، لست حرا في أن تجلس مع من شئت، يمكن واحد يقول: ما نجلس”؟ لا، حتى في القوانين الوضعية، في القوانين الوضعية لو وجدوا فلان مع فلان سجّلوا عليه في ملفه الرسمي، في ملفه الأمني ملاحظة، فلان يخالط جماعة ضد المجتمع، ضد الدولة.

الله سبحانه وتعالى له دولته، له مملكته، نفسك، إيمانك، مجتمعك المؤمن، كذلك، الله عز وجل، لمصلحتك، يقول لا تجلس مع هؤلاء الذين يخوضون في آياتنا، كيف يخوضون في آياتنا؟ يعبثون بآيات الله عز وجل، لا يحترمون حكما شرعيا ولا قيمة أخلاقية، يستهزئون بالآيات، طبعا الاستهزاء مراتب وطرق، هناك من يستهزئ بشكل مباشر وهناك من يستهزئ بطريقة تلميحية ولف ودوران، أيضا هنا يجب على المؤمن أن يتنبّه، لأن المفسدين والشياطين لا يأتون الى الناس مباشرة من أجل أن يفسدوهم، وإنما شيئا فشيئا، مثل هؤلاء الذين يوزعون المخدرات، ذكرنا غير مرة أنهم قد يعطون في المرات الأولى الانسان مجانا، فإذا اعتاد على تعاطي المخدرات، طالبوه بالمال ثم ابتزوه، فيجعلوه من أجنادهم.

كذلك الشيطان يفعل، في المرة الأولى يعرض عليك لقطة محرّمة، ويسمح لك بأن تستغفر وتقول أتوب الى الله عز وجل، وتسارع الى المسجد، لكن مرة أخرى يخفف من وهجها، اللقطة تلك يمدد في زمنها، ثم تكبّر القضية ثم تثقل رجلك عن المسجد الى أن يصل به الأمر، ينقلب المعروف منكرا والمنكر معروفا، ويحصل هذا كثيرا في حياة كل الناس يحصل هذا المعنى.

لذلك، فإن الله عز وجل، كلّفنا بالصلاة والصيام والحج وهذا التوزيع الزمني للعبادات ليس أمرا اعتباطيا، أنت تحتاج أن تجدد حياتك الدينية والأخلاقية من أول ما تستيقظ الى أن تنام، ثم في اليوم التالي تكرر الأمر نفسه، لأن المخاطر لا تقف عند أحد.

ثم يقول عليه السلام ({وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}) لا تقف، أي لا تتبع، لا تمشي وراء الشيء الذي لا تعلم بأنه حق، إذا علمت بأنه حق، إتكل على الله، ما لم تعلم، يجب عليك أن تتحفظ وتتوقف، ثم يقول (ولأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال (رحم الله عبدا قال خيرا فغنم، أو صمت فسلم) الحق سبحانه وتعالى، في القرآن ماذا يقول؟ قال {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} لا ينبغي للإنسان أن يستسهل الكلمة، الكلمة تحلل وتحرم، إنما يحلل الكلام ويحرّم الكلام، أولئك يقولون ماذا، لماذا الله عز وجل، حرّم الربا وأحل البيع، ليش، شو [ما] الفرق بين البيع والربا؟

الله سبحانه وتعالى امتحن الناس، لا فرق في العلاقة بين الرجل والمرأة بين أن تكون علاقة محرّمة أو علاقة محللة إلّا هذه الصيغة التي تجعل هذه المرأة الاجنبية زوجة، ومن دونها تكون امرأة أجنبية، لا يجوز حتى النظر إليها، المسألة مسألة امتحان.

وثالثا يقول “الإمام” عليه السلام (وليس لك أن تسمع ما شئت لأن الله عز وجل، يقول {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}).

طبعا الانسان إذا لم يؤمن بالمبادئ الأربعة التي ذكرناها، لا يؤمن بالآخرة أصلا أو يقلل من شأنها ويهوّن من شأنها، إذا حل به الموت، الله عز وجل، ساق لنا ما الذي سيقوله أمثال هؤلاء، يقول { قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(*) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ }.

ومن ثم فإن الله عز وجل، بعث الأنبياء من أجل أن نكون على درجة عالية من الوضوح لذواتنا ولما يحيط بنا، للماضي وللمستقبل وللحاضر، حتى لا نتفلّت، فننطق بكل ما يحلو لنا أن ننطقه ونفعل كل ما يحلو لنا أن نفعله، مع أن الله عز وجل، وضع لنا هذا الصراط المستقيم وأمرنا بأن نسأله أن يهدينا إليه في اليوم مرات عدة.

نسأل الله عز وجل، أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وال محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى