حديث الجمعة

خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1444هـ .. سماحة السيد حسن النمر

الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، زنةَ عرشِهِ، ورضا نفسِهِ، وعددَ قطرِ سمائِهِ وبحارِهِ، له الأسماءُ الحسنى، والحمدُ للهِ حتى يرضى، وهو العزيزُ الغفورُ.

اللهُ أكبرُ كبيراً متكبراً، وإلهاً متعززاً، ورحيماً متحنناً، يعفو بعد القدرةِ، ولا يقنطُ من رحمتِهِ إلا الضالون.

اللهُ أكبرُ كبيراً، ولا إلهَ إلا اللهُ كثيراً، وسبحانَ اللهِ حنَّاناً قديراً.

والحمدُ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونستهديه.

ونشهدُ أن لا إلهَ إلا هو، وأن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ. مَن يُطِع اللهَ ورسولَهُ فقد اهتدى، وفاز فوزاً عظيماً، ومَن يعصِ اللهَ ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً، وخَسِرَ خُسراناً مُبِيناً.

عبادَ اللهِ! أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، فإنها الحصنُ الحصينُ، والحبلُ المتينُ.

أما بعد، فإن يومَ العيدِ من نعمِ اللهِ تعالى علينا، ففيه تُنال البهجةُ، ويحصل السرورُ، وفيه توصل الأرحامُ، وتؤدى حقوقُ الإخوانِ والأعزاءِ.

والأهمُّ من ذلك ذكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ وذكرُ رسولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكرُ آلِهِ الطاهرين (عليهم السلام)؛ فإن مما يدعَى به اللهُ تعالى، ويُسأل في صلاةِ العيدِ، أن يقالَ “اللهم إني أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد صلى اللهُ عليه وآله ذخرا وشرفاً وكرامةً ومزيدا، أن تصليَ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وأن تدخلني في كلِّ خيرٍ أدخلتَ فيه محمداً وآلَ محمدٍ، وأن تخرجَني من كلِّ سوءٍ أخرجتَ منه محمداً وآلَ محمدٍ، صلواتُك عليه وعليهم أجمعين.

وهذا الدعاءُ يمكن اعتداده فرعاً لِما نجده في القرآنِ الكريمِ، حيث يقول اللهُ تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ ‌أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ [الإسراء: 80] وقولِهِ الآخرِ ﴿.. ‌وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: 19] 

فهذه أعمالٌ عظيمةٌ ندَبنا اللهُ تعالى إليها في تعاليمِ الشريعةِ، ووعد على فعلِها بالثناءِ الجميلِ، والأجرِ الجزيلِ.

وعلينا أن لا نقصِّرَ في هذه الأعمالِ الصالحةِ الجليلةِ، وأن لا يفوتَنا العملُ بهذه المقاصدِ النبيلةِ، فإن اللهَ تعالى يقول {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ ‌حَيَاةً ‌طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96-97].

 فلنحرص – أيها المؤمنون والمؤمناتُ – على هذا وذاك، ولنجتهد – أشدَّ الاجتهادِ – من أجل أن نحظى وإياكم بوعدِ مَن لا يخلف الميعادَ.

جعلنا اللهُ وإياكم ممن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَهُ.

اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وبارِك على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وتحنن على محمدٍ وآلِ محمدٍ، وسلِّم على محمدٍ وآلِ محمدٍ، كأفضلِ ما صليتَ وباركتَ وترحمتَ وتحننتَ وسلمتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ.

إن أحسنَ الحديثِ ذكرُ اللهِ، وأبلغَ موعظةِ المتقين، كتابُ الله عزَّ وجلَّ.

أعوذ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ‏ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ، ونستهديه، ونؤمنُ به، ونتوكلُ عليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا.

مَن يهدي اللهُ فلا مضلَّ له، ومَن‏ يضللْ فلا هاديَ له.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسله بالهدى ودينِ الحقِّ ليظهرَهُ على الدينِ كلِّهِ ولو كره المشركون، وجعله رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً منيراً. مَن يُطع اللهَ ورسولَهُ فقد رشُد، ومَن يعصيهما فقد غوِي.

عبادَ اللهِ! أوصيكم – ونفسي – بتقوى اللهِ، الذي ينفعُ بطاعتِهِ مَن أطاعَهُ، والذي يضرُّ بمعصيتِهِ مَن عصاه، الذي إليه معادُكم، وعليه حسابُكم.

وإن التقوى وصيةُ اللهِ فيكم، وفي الذين من قبلِكم فقد قال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].

عبادَ اللهِ!

إن من المظاهرِ الجليةِ للإيمانِ، والمصاديقِ الواضحةِ للعملِ الصالحِ، السعيَ الجادَّ في استثمارِ الوقتِ، ورعايةِ مَن وُلِّينا أمرَهُ.

وإننا إذ نهنئ أبناءَنا الطلابَ والطالباتِ على تفوقِ مَن تفوق منهم، ونجاحِ مَن نجح، ومع بدايةِ العطلةِ الصيفيةِ، وهي فترةُ استجمامٍ من عناءِ الدراسةِ للطلابِ والطالباتِ، ولأهليهم، نؤكد على أنه لا ينبغي أن يُتعاملَ معها بعيداً عما تقتضيه الحكمةُ، وروحُ المسؤوليةِ؛ من حسنِ استثمارِها في ما يجعلها مكمِّلةً لأيامِ الدراسةِ؛ في لزومِ السعيِ الحثيثِ من أجلِ التعلمِ واكتسابِ المهاراتِ اللازمةِ؛ فإن الأفرادَ لا يكتملون، والمجتمعاتِ لا تنمو، والأوطانَ لا تزدهرُ، بدون العلمِ والمهاراتِ والعملِ.

لذلك، فإنه لا مناصَ من تنظيمِ الوقتِ واستغلالِهِ، وهو بحمدِ اللهِ ممتدٌّ، ولا محيصَ من اغتنامِ الفرصِ، وهي بحمدِ اللهِ كثيرةٌ، وأسبابُها – أيضاً – متاحةٌ وميسورةٌ.

وفي هذا السياقِ، ندعو الآباءَ والأمهاتِ، والأبناءَ والبناتِ، إلى ما دعَونا إليه – في مثلِ اليومِ المباركِ من العامِ الماضي – بأن لا يفوِّتوا نعمةَ العطلةِ الدراسيةِ، بالكسلِ واللهوِ، فتكونَ عليهم وعلينا غصةً، وليشمِّروا – ولنشمِّر معهم – عن ساعدِ الجدِّ والمثابرةِ، لتكونَ العطلةُ الصيفيةُ – لهم ولنا – خيرَ فرصةٍ، فنكونَ وإياهم من المرحومين، فقد روي عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) أنه قال “رَحِمَ اللَّهُ امْرَءاً اغْتَنَمَ الْمَهَلَ، وَبَادَرَ الأَجَلَ، وَتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ”[1].

ولنحذر – أيها المؤمنون – من الوقوعِ في الباطلِ، في أنفسِنا، ومن الرضا به، من غيرِنا، ولنبذل جهدَنا في تربيةِ أبنائنا، ليكونوا صالحين مصلحين، ونجنبَهم أن يكونا فاسدين مفسدين، ولن يتيسرَ لنا ولهم ذلك إلا بأن ننتهز الفرصَ؛ فإنها تمر مرَّ السحابِ، وإن الليلَ والنهارَ يعملان فيك، فاعمل فيهما.

جعلنا اللهُ وإياكم من أهلِ قولِهِ تعالى ﴿وَالَّذِينَ ‌جَاهَدُوا ‌فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ، اللهم أعطِ محمداً الوسيلةَ والشرفَ والفضيلةَ والمنزلةَ الكريمةَ.

اللهم اجعل محمداً وآلَ محمدٍ أعظمَ الخلائقِ كلِّهم شرفاً يومَ القيامةِ، وأقربَهم منك مقعداً، وأوجهَهم عندك يوم القيامة جاهاً، وأفضلَهم عندك منزلةً ونصيباً.

اللهم أعطِ محمداً أشرفَ المقامِ، وحباءَ السلامِ، وشفاعةَ الإسلامِ.

اللهم وألحقنا به غيرَ خزايا، ولا ناكثين، ولا نادمين، ولا مبدِّلين، إلهَ الحقِّ آمين.‏

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأمواتِ الذين توفيتهم على دينِك وملةِ نبيِّك صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلم.

اللهم تقبل حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتِهم، وأدخِل عليهم الرحمةَ والمغفرةَ والرضوانَ، واغفر للأحياءِ من المؤمنين والمؤمنات، الذين وحَّدوك، وصدَّقوا رسولَك، وتمسَّكوا بدينِك، وعملوا بفرائضِك، واقتدوا بنبيِّك، وسنُّوا سنتَك، وأحلُّوا حلالَك، وحرَّموا حرامَك، وخافوا عقابَك، ورجَوا ثوابَك، ووالوا أوليائَك، وعادَوا أعدائَك. اللهم اقبل حسناتِهم، وتجاوز عن سيئاتِهم، وأدخِلهم برحمتِك في عبادِك الصالحين، إلهَ الحقِّ آمين.

وصلى اللهُ على محمدٍ وآلِهِ الطيبين الطاهرين

 أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6].  

 

[1] نهج البلاغة، الخطبة (75).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى