حديث الجمعة

حديث الجمعة .. «الحكمة وصفاً للخالق والمخلوق -٤»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الحكمة وصفاً للخالق والمخلوق -٤» يوم الجمعة ٢٤ صفر ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله، أوصيكم ونفسي، بتقوى الله.

سبق منا بعض الحديث عن الحكمة، باعتبارها وصف بالله عز وجل، محصلا، ووصفا للمخلوق مرجوا، يعني أننا نرجو من الله سبحانه وتعالى، أن يهبنا الحكمة، والحكمة هي مزيج من العلم والعمل، ليست معلومات نظرية فقط، يتبناها الانسان ويحسن أن يتحدث عنها، بقدر ما هي علم مترجم على مستوى السلوك والفعل والترك، بحيث يكون الانسان محكما لأفعاله، لا ينطق إلّا حين يجب أن ينطق، يصمت حين يجب أن يصمت، أو يزاوج بين هذا وذاك، بشكل تقتضيه الحكمة التي ذكرناها أنها وهبية، قسم منها يُتعلم، لكن الحكمة لكي تكتمل، هي هبة من الله {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.

قلنا إن الحكمة تتوقف على ركائز ثلاث: النية الحسنة، الفعل الحسن، الغاية الحسنة.

يجب أن يستحضر هذا بشكل دائم، لا يكفي أن تكون نيته حسنة حين يشرع في العمل، وإنما يجب أن تكون نيته كذلك، مدة عمله، إلى أن ينتهي عمرُه ونيته حسنة، والله سبحانه وتعالى، يقول {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ولأن الإسلام يريد منا أن نحوّل جميع تصرفاتنا إلى عبادات، حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أوصى صاحبه النجيب والوفي “أبا ذر” (ليكن لك في كل عمل نيّة) حتى في الأكل، حتى في الشرب، يستطيع الانسان أن يحول كل سلوكه الى عبادة.

إذا أكل قاصدا أن يتقوى حتى يتمكن على الثبات على طاعة الله عز وجل، وتجنب معصيته، حتى يفر من المحرمات أو يحسن انتقاء الطعام الذي يرضاه الله عز وجل، ويتجنب الطعام الذي ينهى الله عز وجل، عن أكله، بهذه الطريقة هو يكون عبدا صالحا لله عز وجل، وقس على هذا جميع تصرفاتك، فإذن، النيّة مطلوبة.

الفعل الحسن، النيّة الحسنة لا تكفي، بل لا بد أن يكون الفعل محكما ومتقنا وهذا له أصوله وله قواعده، وكذلك الغاية، الذي نرجوه من العمل، يجب أن يكون كذلك محكما، متقنا، مرضيا من الله عز وجل، وهذا الفعل ليس فعلا مؤقتا ولا موسميا، حتى يقال إن المطلوب منا في شهر رمضان أن نتلو القرآن، لا، الله عز وجل، يخاطب النبي ويخاطبنا من خلاله {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} واليقين هنا الموت.

يعني أنت مطالب، دائما وأبدا أن تكون عبدا لله عز وجل، وإنما خلقنا الله عز وجل، في هذه الدنيا لهذا الغرض، حيث يقول الله سبحانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} طبعا هذا يحتاج الى جهد، لأن العقبات في الطريق كثيرة، لنا عدو يتربص، أقسم بعزة الله عز وجل، أن يغوينا، أن يأتينا عن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ومن كل نواحينا، من جهة الولد، من جهة الزوجة، من جهة الزوج، من جهة العمل، بعض الناس يصلح حاله، لكن إذا اشتدت عليه ضغوط الحياة، ضغوط الأصدقاء، ضغوط البيئة، تجده يتراخى، يتآكل إيمانه، يضعف إيمانه، هذا يحتاج إلى شيء من الترميم.

الحق سبحانه وتعالى، حتى قبل أن نتحدث عن مجالات حكمة الله عز وجل، يشير لنا في القرآن الكريم، وقد أودعه الكثير من القواعد والمبادئ والعبر أو الحوادث التي يفترض بنا، لو أننا تلونها أن نعتبر بها.

فمثلا، يقول عز وجل، مؤسسا قاعدة قرآنية كيف نقرأ التاريخ، كيف نتعلم من أخطاء السابقين، لأنك بقدر ما تحسن قراءة من سبقك، قراءه تاريخ من سبقك، أنت تختصر على نفسك طريق الصواب والخطأ، تعرف تجمع علوم السابقين إلى علمك، تتجنب الخطأ الذي وقعوا فيه، يقول عز وجل، في “سورة آل عمران”{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرض فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(*)هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}.

التاريخ ليس قصه نقراها فقط، هذا جانب، الجانب الأهم منه استخلاص العبرة، التعرف على وجوه الخطأ والصواب حتى نستفيد مما صلح حالهم فيه وحتى نتجنب الخطأ، فنسرّع من وتيرة التكامل، من وتيرة الصلاح والإصلاح، الله عز وجل، يقول الذي مضى في السابقين من جهة تعامل الله عزوجل، بالناس هذا محكوم بقاعدة، سنن، يعني الله سبحانه وتعالى، لم أهلك “قوم نوح”؟

لمَ أهلك قوم “لوط”؟

لمَ أهلك مثلا الفراعنة والأكاسر؟

هناك سنن، هناك سنن جارية في الحاضرين والذين يؤتون كما جرت في السابقين، نعم، قد يتغير شكل العقوبة الإلهية، للذين يخالفون القانون الإلهي، لكن الفكرة واحدة، مثلما أننا في الإسلام، هناك تعزيرات، هناك حدود، شكل الحد يختلف بين مجرم ومجرم، لكن مبدأ الحد واحد، من وقع في فاحشة الزنا -أجلكم الله وأبعدكم- يعاقب، قد يختلف عقاب المحصن عن غير المحصن، لكن كلاهما يعاقبان، اللائط يعاقب، السارق يعاقب، قد تختلف عقوبة هذا عن هذا، لكن الله عز وجل، لا يرضى بالفحشاء، لا يرضى بالمنكر وطريق قطع الطريق عن هؤلاء، حتى يصلح أحوال الباقين هو أن نجعلهم عظة لأولئك، فيتجنبوا.

فإذن، هناك سنن قد خلت، يعني سبقت، السنن هذه فيمن؟ الله سبحانه وتعالى، يضربها، يقول للمكذبين، والتكذيب ليس بالضرورة، التكذيب من الناس يحصل بأن يأتي فلان ويخبرك بقاعدة أو بخبر فتقول لك في وجهه “أنت كاذب”! يكفي أن تضمر في قلبك، في صدرك، أن هذا الخبر الذي أخبرك به فلان، ليس حقا، يعني كذّبت به.

قد تترجم هذا التكذيب، سواءا عبّرت عنه بالكلام أو اقتصرت على عقدت عليه قلبك، فتترجمه بالفعل، ينتقل الانسان من العدوان السلبي إلى العدوان الإيجابي، يعني يصبح مثل “أبي جهل” يصبح مثل “أبي لهب” يصبح مثل “أبي سفيان” وأمثال هؤلاء الذين لم يكتفوا بأن يكذّبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالقلب بل تجاوزوه باللسان، ثم ترجموا ذلك بالجوارح، كيف عاقبهم الله عز وجل؟ أنزل بهم العقوبة، كما أنزلها في السابقين.

فإذن، الأنبياء، بعثهم الله عز وجل، من أجل أن يبينوا للناس كيف يكونون حكماء، كيف ينالون الجنة، كيف تبتعدون عن النار، والله عز وجل، إنما بعثت هؤلاء الأنبياء من أجل أن يطاعوا {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}.

الأنبياء ليسوا فلاسفة، ليسوا كتّاب صحافة، ليسوا مؤلفين للكتب، حتى تكون أنت أو أنا نكون بالخيار، نقرأ هذا الكتاب أو لا نقرأه، نستفيد منه أو لا نستفيد منه، لا {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} القرآن كتاب هداية، لكن الهداية لمن؟

الآية تقول، قال {هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} على مستوى الهداية النظرية هو للناس أجمعين، لكن من يستفيد منه؟ المتقون، المتقون هم الحريصون على جلب المصالح لأنفسهم.

مما يقصّه الله عزوجل، علينا، من باب التحذير لنا، حتى لا نقع في السفاهة التي وقع فيها أولئك، يذكر لنا قصصا، والقرآن الكريم، اختار “بني إسرائيل” ليكثر من ذكر حكاياتهم، لأنهم كانوا ولا يزالون شعبا متمردا على الله عز وجل، يريد أن يكون عفريتا، ليأخذ كل شيء بالقوة، حقا كان أو باطلا، الله سبحانه وتعالى، رسم لأهل الحق ولذوي الحق مسارا، حتى حقك الشرعي يجب أن تأخذه بالحق، فضلا عن أن يكون باطلا، فتأخذه بالقوة، لا، هذا غير مسموح إطلاقا.

يقول عز وجل، بعد أن أخرج الله عز وجل “بني إسرائيل” استنقذهم بنبيه “موسى” أمرهم بأن يذهبوا الى الأرض المقدسة، قال {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا..} يخاطبهم “موسى” عليه أفضل الصلاة والسلام {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ….} يعني كتب الله لكم أن تدخلوها، مو [ليس] كتب الله لكم، يعني أن تكون الأرض لكم، لكم ملك، بعيدا عن كل الناس أجمعين، لا، كتب الله لكم أن تدخلوها، إن فعلت هذا الشيء، مشروط .

يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرض الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} يعني ما أقوله لكم انا كمبعوث من الله، كنبي من الله، لا تنقلبوا عليّ، لا ترتدوا على أدباركم، تترددون في قبوله، تتحفظون في قبوله؟، تتنكرون له، تتمردون عليه {وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (*) قَالُوا يَا مُوسَىٰ}ليس هناك أدب في التعامل مع الأنبياء، لا يقولون “يا رسول الله” “يا نبي الله” لذلك، في القرآن الكريم، يقول لا تجعلوا دعاء النبي، يعني لا تخاطبوا النبي كما يخاطب بعضكم بعضا، لا يحق لنا أن نقول “يا محمد” أولئك سفهاء الذين كانوا يخاطبون النبي بهذه الطريقة، قولوا “يا رسول الله” قولوا “يا نبي الله” قولوا “يا حبيب الله”.

لأن الانسان إذا كان من الناحية العاطفية، انقطعت صلته بالذي أمر الله عز وجل، إياه أن يحبه، لا يعنيه كثيرا كلامه، لا يعطيه كرامة ولا يعطيه قداسة، وبالتالي، يُفتح باب التمرد عليه.

{قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} لاحظوا، وكأن هؤلاء يشككون أو يطعنون في “موسى” وقبل موسى، لأن “موسى” يأتي بكلام من عند الله، لا يأمرهم من عنده، يعني أنتم يا “بني إسرائيل” حينما تقولوا لنبي الله وكليمه “موسى” إن فيها قوما جبارين، أنتم تعلّمون من إن فيها قوما جبارين، تعلمون الله؟! إذا كان فيها قوم جبارون، والله يعلم إن فيها قوما جبارين وأمركم أن تدخلوا، فليكن، أمر الله سبحانه وتعالى، يجب أن يطاع في كل حال.

لذلك، هذا التشوّه في الصورة عن الله عز وجل، وما أكثر تشوهاتهم عن الله عزوجل، فتحت لهم بابا للسوء، لذلك الحكمة العملية لا تنال إلّا بالحكمة النظرية، صحح الصورة، صحح المعلومة في ذهنك، يفتح لك باب الخير في مقام العمل.

{إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} هذا واحد.

 الخطأ الثالث – خطأ في التعامل مع موسى على مستوى الخطاب، الخطأ الثاني في بيان شيء كما لو لم يكن واضحا لـ”موسى” ولا لله عز وجل، – الثالث {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا} يعني أشبه ما يكون بالطاعة المشروطة، نعم، احنا مستعدين نطيعك يا ربنا وأنت يا “موسى” لكن شرط أن يخرجوا منها..!

الله سبحانه وتعالى، ماذا يقول لنا -كمسلمين- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} ما في شرط ولا فيه قيد، إطاعة مطلقة {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أيضا ليس فيه قيد {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أيضا ليس فيه قيد، ولذلك المفسرون المدققون، يقولون أن أولي الأمر المقصودين في هذه الآية طاعتهم، وِزان طاعتهم على وزان طاعة الله، يجب أن يطاع مطلقا، لأننا إذا افترضنا أن الله عز وجل، أمر أحدا أن يطيع أحدا من دون قيد أو شرط، يعني أنه صوّب فعل الآمر، الذي أمر بطاعته، سواء كان الرسول أو كان ولي الأمر.

أما هؤلاء، لا، لا مع “موسى” ولا مع الله سبحانه وتعالى.

لذلك، النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا قال، حذرنا من أن نسير بسيرة وسنة “بني إسرائيل” هو حذر، قال (لتحذون حذوهم) يتكلم عن الأمة، كمجموع، كمجموع الأمة (لتحذون حذوهم حتى انهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) هذا هو التحذير، هذا هو فلسفة إيراد قصص “بني إسرائيل” في القرآن الكريم.

{فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (*) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} يخافون يعني يخشون الله، ترى من بين كل هذه المجموعة اثنان فقط كانا صالحين. القرآن يؤكد لنا أن الحكمة والعلم والصواب والصلاح، ليس مربوطا بالكثرة والقلة، قد يخطئ الأكثر من الناس ويصيب الأقل من الناس، لا يفتخرن أحد، يقول أنا معي الناس، أنا الناس يؤيدوني، أنا الناس معي..!

تأييد الناس لك، ليس شهادة لك، بل قد يكون وبالا عليك، يجب أن يكون ميزانك في في الصحة والخطأ هو قول الله، قول رسول الله، مقتضى المنطق، مقتضى العقل الذي جعله الله عز وجل، حجة لنا.

{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} لاحظ الآية ماذا تقول {ادْخُلُوا الأرض الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} هذا وعد، الآية الأخرى ماذا تقول؟ {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}.

إذا كان الله عز وجل، قد كتب لك هذا الأمر، ما هو وجه التردد في أن تطيع الله عز وجل؟ يقول سبحانه وتعالى {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

أنت المطلوب منك أن تنتصر لله، أن تنصر الله عز وجل، تطيعه، ما يحدث بعد ذلك، أنت منتصر على كل حال.

ولذلك، نعتقد -نحن- أن “أبا عبدالله الحسين” عليه أفضل الصلاة والسلام، انتصر، كيف انتصر “أبو عبد الله الحسين”؟ قُتل، داسوا جسده الشريف بالخيل، سُبيت نساؤه، هتكت، يعني حرماته، مع ذلك، تقولون انتصر، نعم نقول انتصر والدليل ما شاهدناه قبل أيام.

أليس كل العالم يتجاهل؟ أليس عبر التاريخ يتعرضون لهم ولشيعتهم صلوات الله عليه ورضي الله عن شيعتهم، ووفقهم الى اتّباعهم؟ مع ذلك، أتباع الحق يزدادون ميلا إليه واتباع الباطل ينكصون، يغيرون تكتيكاتهم، وأما المؤمن، فثابت على ما ثبته الله عز وجل، عليه.

وبالتالي، أن يُقتل الانسان، أن يؤذى، أن يناله شيء من الأذى، هذا لا يعني أنه لم ينتصر، لا، ينتصر، لأنه لا ينتصر لنفسه، إنما ينتصر لمشروع الله عز وجل، ومشروع الله غالب على كل حال.

فيقول هؤلاء {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} في “سورة البقرة” نفس هذا المضمون، لكن من زاوية أخرى، الله يحكي ما أمر به “بني إسرائيل” {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} “سجّدا” يعني مطيعين، خاضعين، ليس المقصود المعنى الحرفي، لأن الانسان إذا سجد لا يتحرك، المقصود ادخلوا الباب سجدا، يعني اطيعوا الله إطاعة تامة، بمثابة لو كنت ساجدين، قد يؤمر الانسان بالسجود، يسجد، لكن يقوم ويدخل. {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} ما فعل هؤلاء ذلك، تلاعبوا بشريعة الله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} هذا “بنو إسرائيل”.

الفكرة، القرآن يعزز هذا الحكاية، بتحذير للمسلمين، حتى لا يتحول القرآن الى كتاب تاريخ، القرآن ليس كتاب تاريخ، كتاب عبرة، كتاب تبصّر.

يقول عز وجل، في “سورة آل عمران” {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}.

معنى الآية واضح، تحذير للمسلمين، لأنه حصل منهم -للأسف الشديد- بالخصوص في “معركه أحد” حتى أُصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بما أُصيب به، من جراح واستشهد “حمزة” مع جماعة، عشرات من المسلمين، والسبب هي مخالفة، ظن الناس أنها مخالفة بسيطة، مثل “بني إسرائيل” ظنوا أن تبديل “حنطة” بعض الروايات تقول بدلوا “حطة” بـ”حنطة” يمكن حرف، يقول لك المسألة بسيطة..!

لا، المسألة ليست بسيطة، الخروج عن القانون، يكفي أن ينحرف الانسان حينما يسير خطوة واحدة، بس[مجرد] ينحرف خطوة واحدة، لا يكتشف بعد أن سار في المسار الخطأ، أن الخطوة صارت اثنتين، والاثنتين صارت أربع والأربع صارت ثمان والثمان صارت عشر، حينذاك حتى لو أراد أن يصحح لا يستطيع.

“إبن ماجة” في “سننه” ينقل “عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “وآله مني” وهو على ناقته المخضرمة بعرفات فقال (أتدرون أي يوم هذا…) في الحج، آخر حجات رسول الله (أتدرون أي يوم هذا وأي شهر هذا وأي بلد هذا قالوا هذا بلد وشهر حرام ويوم حرام قال ألا وإن أموالكم ودمائكم عليكم حرام…) يعني لا يجوز لأحد أن يتصرف، لا في أموال الآخرين إلا عن طيب نفسه ولا أن يمس أحدا بجراحة، فضلا عن القتل، إلا بإذن من الله عز وجل، هي حرام هناك حقوق، هناك حدود، يجب أن تُراعى (….كحرمة شهركم هذا في بلدكم هذا في يومكم هذا ألا وأني فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الأمم…)  أنا أريد أن أتفاخر بكم في أوساط الأمم الله عز وجل، بعثني الله رحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. (….فلا تسودوا وجهي ألا وإني مستنقذ أناسا ومُستَنقذٌ مني أناس…) على الحوض سآخذ جماعة، ينجون ببركه طاعتهم لله عز وجل، وسيرهم على وفق ما جئت به من الله سبحانه وتعالى، اليهم (…ومُستَنقذٌ مني أناس فأقول يا رب أُصيحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) في زمن رسول الله، سمعوا رسول الله، لكن لم يمتثلو ولم يلتزموا بما قاله الله عز وجل، ورسوله، القانون فوق الجميع.

اذا كان ذك الجيل الأفضل، والمفروض أن يكون الأفضل، الذي يعيش في كنف رسول الله ويسمع خطاب رسول الله و يؤدبه رسول الله و يعيش مع رسول الله، كيف لا يكون أفضل من غيره، المفروض أن يكون أفضل منه.

 لكن النبي في حديث آخر، يتأوه إلى أخوانه، قالوا أولسنا اخوانك قال (لا..) اخواني الذين يأتون فيما بعد (…يؤمنون بي ولم يروني) لأن هناك من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصار من المنافقين وصار من الجاحدين، بشهاده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في رواية أخرى يقول (..أعرفهم ويعرفوني..) لكنهم لا يفدون عليه في الحوض، وما أحوج الانسان إلى شربة يروي بها عطشه { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(*) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }.

 لذلك، ندعو أنفسنا أن نسمع كلام الله عز وجل، و نستجيب لما يحيينا، لأن الله عز وجل، يقول {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.

 اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى