حديث الجمعة

«شهر شعبان وتجليات الرحمة -١»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «شهر شعبان وتجليات الرحمة -١» يوم الجمعة ٥ شعبان ١٤٤٢هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

تقضّى عنا شهر رجب ودلف إلينا وعلينا شهر شعبان وهو لا يقل فضلا وبركة من شهر رجب كما ورد في الأخبار الشريفة وهذان الشهران يمهدان لشهر كريم هو شهر رمضان شهر الله الأعظم.

لذلك ينبغي في هذه الأشهر الثلاثة بشكل خاص، أن يتأدب المؤمن بما ورد عن النبي وعن آله صلوات الله وسلامه عليهم، بما فيها من الآداب قدر استطاعته، ولا نستطيع أن نستوفي ذلك كله، لا على مستوى البيان ولا على مستوى التنظير، فضلا عن مستوى العمل والتطبيق، لكن ما لا يدرك كله لا يتركك جله، كما يقال.

«شهر شعبان وتجليات الرحمة» نستعرض تحت هذا العنوان في عدد من الأحاديث -إن شاء الله، سائلين الله عز وجل التوفيق والقبول- رحمة الله عز وجل، كيف تتجلى الله على العباد، مطلقا، وبالخصوص في هذا الشهر الكريم.

حينما نلتفت إلى ما تقدم منا، من أن الله عز وجل، بنى هذا الكون على عالم الشهود والغيب، ونعني بعالم الشهود عالم الشهادة، عالم المحسوس، عالم المادة، عالم الحاضر، في مقابل عالم الغيب الذي لا ندركه بما نملك نحن من أدوات معرفية قاصرة وما يشمل عالم المستقبل الذي نعني به اللحظة التالية للحظة التي نحن فيها وصولا إلى عالم الآخرة حيث يحشر الله عز وجل، الناس جميعا ليجازي كلا بعمله، المحسنون لهم الإحسان والمسيؤون منهم – ونعوذ بالله أن نكون منهم- لهم الجزاء، إلا أن ينالهم الله عز وجل بعفوه ورحمته، رزقنا الله وإياكم ذلك.

الرحمة ماذا تعني؟

عندنا -نحن البشر- حينما نصف فلانا بأنه رحيم، نعني به الرقيق، المتعطف، من يكون خاطره وقلبه رقيق تجاه الآخرين، يستشعر احتياجاتهم من باب الترقق، لكن الله عز وجل، ليس يوصف بالرحمة على هذا النحو وإنما يعنى به الإحسان والتفضل.

الله سبحانه لا يرق له قلب بمعنى الذي يرق فينا، فإن وجوده يختلف عن وجودنا، لكن آثار رحمة الله عز وجل، تتجلى وتتبيّن للقاصي والداني كيف أنهم جميعا غارقون في رحمة الله، يقول الله عز وجل {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} لكن هذه رحمة عامة، وهناك رحمة خاصة يقول الله عز وجل، عنها {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}. رحمة الله ليست على مستوى واحد، الرحمة العامة مثل نعمة الوجود والايجاد، الله عز وجل، يخلق المؤمنين ويخلق الكافرين ويمن بالغذاء والدواء والعطاء على المؤمن والكافر على حد سواء، بل قد يزيد في نعمته على الكافر أكثر مما يعطي في عالم الدنيا المؤمن، لأن المؤمن له رصيد في المستقبل وأما الكافر فحظه مقصور على عالم الدنيا.

فلا عجب أن تزداد نِعَم الله الظاهرة على الكافر، إن توفرت له الأسباب وبعض النعم لا تحتاج أن تتوفر له الأسباب، لكن بالنسبة للمؤمن هناك رحمة عامة وهناك رحمة خاصة، نُدب المؤمن على أن يعمل على تحقيق وسائلها وأسبابها.

شهر شعبان فيه عدد من الخصوصيات، السيد “ابن طاووس” رحمه الله، عنده كتاب جميل وجليل، اسمه “إقبال الأعمال” طُبع في ثلاث مجلدات هو كتاب أُلف في بيان الآداب والمستحبات والمناجيات والأدعية، بما يتناسب مع الأيام والشهور، ورتّب هذا الكتاب بأن جعل أول الأشهر في السنة شهر رمضان وختم آخر الأشهر بشهر شعبان.

وقد تسأل: لم فعل ذلك، والمشهور عند الناس إن أول السنة أما “محرم” كما هو الدارج، أو “ربيع” بناءا على أن “ربيع” هو شهر هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

السبب في ذلك أن “شهر رمضان” يشتمل على ليلة يقدّر الله عز وجل، فيها المقادير لعام قابل، وبالتالي متى يبدأ عالم التقدير، تفعيله متى؟ بعد ليلة القدر، يعني في أواخر شهر “رمضان” وأوائل شهر “شعبان” أما شهر رمضان، قبل ليلة القدر خُتمت هذه السنة، وشُرع في سنة جديدة.

فإذن، نحن في شهر “شعبان” نوشك أو نختم في هذا الشهر حساب السنة، ماذا يفعل التجار والطلاب في آخر السنة؟ يجردون، بالنسبة للطلاب، يُمتحنون، يذاكرون حتى يؤدوا الامتحان بشكل جيد، وأما التجار فيجردون بضائعهم وسلعهم ليتبين من ربح ومن خسر.

كذلك الحال بالنسبة للمؤمن، في شهر “شعبان” وقبل ذلك في شهر “رجب” ينبغي أن يهيئ نفسه لنزول رحمة الله الواسعة والخاصة في شهر “رمضان” عليه حتى يكتب من السعداء ويُمحى من ديوان الأشقياء، يوفق للحج، يوفق للأعمال الصالحة، يوفق قبل ذلك لأن يغفر الله له ما تقدم وما تأخر والأعمال الكثيرة التي تعرفون كثيرا منها.

بما وصف الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، والمنسوب شهر “شعبان” إليه، حيث يقول صلوات الله وسلامه عليه (شعبان شهري رحم الله من أعانني على شهري) “رجب” منسوب لأمير المؤمنين، شهر “شعبان” منسوب لرسول الله شهر “رمضان” منسوب إلى الله.

هي في الواقع محطات، تنتقل بك وتوليك أولياء الله إلى توليك لرسول الله، حيث تنتقل مرتبة أخرى في عالم التكامل والإيمان، لتلج بعد ذلك إلى ولاية الله عز وجل، فتكون في حصنه الحصين، وذلك لن يتحقق إلّا بالإيمان والعمل الصالح، حيث يقول الله عز وجل { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} هذه هي القواعد والأسس والأعمدة التي يُبنى عليها هذا البناء المحكم.

فإذن، الله سبحانه وتعالى، بما وصف رسوله الكريم؟ يقول عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

هل الناس قبل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا خالين من الرحمة؟

الجواب: كلا، كل الناس يعيشون في رحمة الله عز وجل، لكن ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أراد الله عز وجل أن ينتقل بالناس من رحمة محدودة إلى رحمة واسعة، إلى أن يجعلهم من المحسنين {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} {وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}.

أراد الله عز وجل، من الناس أن يكونوا صالحين ومحسنين، هؤلاء هم الذين قدّر الله عزوجل، أن يرثوا هذه الأرض، حيث يقول عز وجل {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} الوراثة الربانية لا نعني بوراثة الأرض السلطة والهيمنة، لا، السلطنة والهيمنة المادية، حكم الأرض، بل بقاعا واسعة منها، الفترة التي حكم فيها المؤمنون نادرة، “هولاكو” حَكَم، “جنكيزخان” حَكَم، “هتلر” حَكَم، فالطواغيت كثيرون عبر التاريخ حَكَموا، حتى لا يظن أحد بأنه إذا مكّن الله عز وجل، أحدا من الملك العظيم، هذا يعني بأنه شهادة له بأنه من الصالحين..!

لو كان الأمر كذلك، كان “جنكيزخان” من الصالحين، ولا يقول المسلمون هذا، أو كان غيره وأمثاله من الطغاة والفراعنة أيضا كانوا من المشهود لهم بالصلاح، وهذا لا يتبناه مسلم.

فإذن، العبرة هي الوراثة الربانية، الوراثة التي تعني أن يحقق الناس الإيمان وقواعده وحِكَمه وأحكامه على الأرض.

النبي ماذا يقول في هذا الحديث، رُوى عنه صلى الله عليه وآله، قال (شعبان شهري…) ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه (…رحم الله من أعانني على شهري).

النبي هنا له تفسيران، أما إنه يدعو لمن أعانه – سنبيّن كيف يُعان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على هذا الشهر- ودعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مستجابة، أقرب مخلوق على وجه هذه البسيطة هو رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي قال الله عز وجل، في حقه {ولسوف يعطيك ربك فترضى} في الآخرة أعطاه وفي الدنيا أعطاه، لأن النبي لا يشك أحد في أن دعوة النبي ودعاؤه صلوات الله وسلامه عليه، مستجابة.

 فإذن، النبي يقول أن من أعانه على شهره هذا بالأعمال الصالحة التي سنذكر بعضها، يدعوا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأن ينال رحمة الله عز وجل، جعلنا الله وإياكم منهم.

التفسير الثاني: بأن يقال بأن النبي هنا لا يدعو، وإنما يشهد، يحكي، يخبر، وهو الصادق في إخباره وحكايته، بأن من أعانه على شهره مرحوم، النبي يخبر، يقول من سلك هذا السبيل وأعانني، فأنا أشهد بإخبار سماوي، بإخبار من الله عز وجل، أن هذا الإنسان موفق إلى رحمة الله، وكلا المعنيَين صحيح ومستجاب.

هنا أشير إلى ثلاثة أمور بإيجاز:

أولا – الوسائل، كيف نعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على هذا الشهر؟ النبي، بما بعثه الله عز وجل؟ بعثه رحمة، كيف نعين النبي على الرحمة، بأن نعزّره ونوقره وننصره ونقتدي به، فإن الله عز وجل، يقول {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} كيف نعينه؟ ما أراده رسول الله نحرص على إشاعته في أوساط الناس، النبي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، النبي أحسن رعاية أهله ومجتمعه، نفعل مثلما فعل، النبي سعى في إعلاء كلمة الله عز وجل، نفعل الشيء نفسه، النبي كان حسن الأخلاق ويشيع في أوساط الناس حُسن الأخلاق، نفعل الشيء نفسه ونقتدي به ونفعل كل ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يفعله ويقول ويقدمه وهذا معنى التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يفعله ويقوله ويقرره، وهذا معنى التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

من الوسائل، مثلا، في الحديث “عن داود بن كثير الرقي قال سألت أباعبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن صوم رجب فقال (أين أنتم عن صوم شعبان)” صوم رجب متفق على استحباب الصيام فيه، هو يسأل، قال هناك ما هو أفضل من شهر “رجب”، شهر “شعبان”، “فقلت له: يا ابن رسول الله، ما ثواب من صام يوما من “شعبان”؟ فقال عليه السلام (الجنة والله).

يوم من شهر شعبان، يحتسب الانسان فيه إلى الله عز وجل، ويصوم، يثيبه الله عز وجل، بالجنة.

طبعا قد يأتي بعض الناس يقول “يوم؟!” نعم، صم يوما ولك الجنة، وإذا انتكست بعد؟ حتى الذين يدخلون الجنة يمكن يخرجون، الله سبحانه وتعالى لا يريد من الناس فعلا كثيرا حتى يكونوا من أهل الجنة، الفعل القليل يكفيك، لكن اثبت عليه {اسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}.

فيقول: ” فقلت يا ابن رسول الله ما أفضل ما يُفعل فيه؟” الآن هذا الصيام عرفناه” قال: (الصدقة والاستغفار ومن تصدّق بصدقه في شعبان رباها الله تعالى كما يربي أحدكم فصيله) الفصيل هو ابن الجمل، الصغير يسمونه فصيل (حتى يوافي يوم القيامة) يعني يوافي هو ذاك الفصيل وقد صار ذلك الفصيل (وقد صار مثل أحد)”.

عملك الصغير هذا ينمّيه الله عز وجل، فيقول “مثل جبل أحد” أيضا هذا تشبيه، مثل جبل أحد يعني فيس العظمة في الكبر، هذه وسائل.

إذن، ما المطلوب في شهر”شعبان”؟ كما هو المطلوب في كل شهر، في كل أيام السنة، الثبات على الحق، الثبات على الصلاح، الصدقة، الاستغفار، لكن هناك خصوصيات لبعض الأيام، يفضل فيها يوم عن يوم، وشهر عن شهر.

ثانيا- هناك ضمانات، إذا أراد الانسان، لا يكفي للإنسان أن يحقق الوسائل كالصدقة والاستغفار والصوم، وإنما يجب أن يضمن الانسان مدخراته، كما تُدخر الأموال ويحرص الناس على حفظها وإيداعها في أماكن أمينة، كذلك عملك الصالح، مهم أن تعمل العمل الصالح، لكن الأهم أن تحفظ هذا العمل، فلا يطير منك، هو وثوابه.

كيف نحفظه، يقول أيضا “عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعبان شهري ورمضان شهر الله فمن صام في شهري يوما كنت شفيعه يوم القيامة ومن صام شهر رمضان أُعتق من النار).

فإذن، الضمانة ما هي، أن تلتصق برسول الله، فيكون حبلك متصلا بحبله، تتمسك به حتى يكون هو الشفيع لك، لأن الله عز وجل، آتاه الشفاعة الكبرى، ولذلك ورد فيما يُروى عن أهل البيت أن أرجى آية في كتاب الله هي قول الله عز وجل {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} حتى نعرف ليه ما أمرنا الله عزوجل، باللهج بذكر النبي صلى الله عليه وآله والاكثار من الصلاة عليه، صلى الله عليه وآله.

رسول الله صلى الله عليه وآله، له مقام متميز عند الله، جعله الله عز وجل، باب الجنة، لا يمكن للإنسان ان يفد علي الله راضيا مرضيا إلّا بواسطة النبي {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}.

بعث الله عز وجل، الأنبياء، يجب تصديقهم، ختم الله عز وجل، هؤلاء الأنبياء بأفضلهم وسيدهم رسول الله، يجب الإيمان به، يجب تصديقه، يجب الصلاة عليه كما قال الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

نأتي لاحقا، إن شاء الله على ذكر أهمية الصلوات التي رُويت عن الإمام السجاد صاحب ذكرى مناسبة ميلاده في هذا اليوم الخامس من شعبان، إن شاء الله في الأسبوع الآتي، إذا وفق الله عز وجل، نقف عند الصلاة على النبي وآله، وما هي أهميتها في بنية المعتقد الإسلامي.

فإذن، هناك وسائل، هناك ضمانات وهناك نتائج يرجوها كل من ينشد الرحمة، الرحمة لا تُنال عن أي طريق، ماذا يقول الله عز وجل {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ} ممن؟ {مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} لابد أن تكون من المحسنين، إذا أردت تلك الرحمة الواسعة، ورحمة الله عز وجل، واسعة، لكن نتكلم عن الرحمة الخاصة التي قال الله عز وجل في الكتاب الكريم في عشرات الموارد، الله سبحانه وتعالى في عشرات الموارد، في مفتتح كل سورة {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ} هذه من أبرز صفات الله وأسمائه، أن الله عز وجل، رحيم لكن بالمعنى الذي يريده الله، لا بالمعنى الذي يريده المتميعون، يريدون أن يجعلوا من أحكام الله سائبة، يقولون ” رحمة الله واسعة” نعم، من مظاهر رحمة الله أنه شديد العقاب.

لأن الانسان المؤدِب، كما يحتاج أن يضع المكافأة الجيدة للولد الصالح والتلميذ الصالح، يجب أن يضع في حسبانه أنه لو تسبب في الإضرار بأحد، يعاقب، ومعاقبته رحمة له، حتى لا يستمر في العمل السيئ وحتى لا يلحق الأذى بالآخرين.

في الرواية عن الإمام الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول (سمعت أبي…) أي الباقر عليه السلام (قال: كان أبي زين العابدين إذا أهل شعبان…) شهر شعبان (جمع أصحابه فقال: معاشر أصحابي أتدرون أي شهر هذا شهر شعبان وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول) يعني ليس مرة، كان يكرر، كان يقول ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول شعبان شهري…) ثم يضيف الإمام السجاد ( ألا فصوموا فيه محبة لنبيكم وتقربا إلى ربكم فوالذي نفس علي بن الحسين بيده لسمعت أبي الحسين بن علي عليه السلام…) وقد مرت علينا ذكرى ولادته صلوات الله وسلامه عليه (يقول سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من صام شعبان محبة نبي الله عليه السلام وتقربا إلى الله عز وجل، أحبه الله عز وجل وقربه من كرامته يوم القيامة وأوجب له الجنة).

فنحن إذن في شهر فضيل، في شهر كريم، ينبغي أن نستغله ونستثمره أحسن الاستثمار، خصوصا حينما يستشعر الواحد منا ويستشعر جميعنا الضعف.

 أمام هذه الجائحة، الكل يشعر بأنه ضعيف، الكل يشعر بأنه في معرض الخطر، لكن المؤمن يعرف كيف يعزز القوة والمناعة في نفسه، باللجوء إلى الله عز وجل، عملا، ويعمل طبعا بكل الأسباب التي أمر الله عز وجل، أن نعمل بها، لكن الأهم من كل هذا ليس أن نحمي أبداننا، وإنما أن نحمي أرواحنا وعقولنا ونفوسنا وإيماننا، لأن البدن إن زال، روحك باقية.

لذلك، فليطمح كل واحد منها إلى جنه عرضها السماوات والارض جعلنا الله واياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين واجعلنا ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بنا غيرنا يا كريم وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى