حديث الجمعة

حديث الجمعة : عاشوراء الصلاح والإصلاح (١) سماحة السيد النمر

نصّ الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «عاشوراء الصلاح والإصلاح (١)» يوم الجمعة ٢٩ ذي الحجة ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمدُ لله ربّ العالمينَ وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله الطّيبين الطاهرين.

 

ربِّ اشرحْ لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي،

 

عبادَ الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله

 

عنوانُ حديثِنا في هذه الأسابيع الثلاثة سيكون «عاشوراء الصلاح والإصلاح»، وبين يديْ الحديث هناك عددٌ من التنبيهات والتوصيات يُفترض بنا أن نتذكّرها ونتذاكرها.

 

  • الأمر الأول: هو أنَّ الله عزَّ وجل في القرآن الكريم يؤدّبنا ويحثّنا على أن نعظّم حرمات الله وشعائره، حيثُ يقول عزّ وجل: {وَمَنْ يُعَظَّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}، ويقول سبحانه وتعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}. ولا نشكّ أنّ ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر آله عليهم (أفضل الصلاة والسلام) ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم هو مصداقٌ من مصاديق حرمات الله ومصداقٌ من مصاديق شعائر الله، وهذا المقدار يكفينا في أن نلتزم بإحياء هذه الشعائر وهذه الحرمات ومراعاة ما يجب أن تُراعى فيها في هذا الباب.
  • التوصية الثانية: هي أننا فيما يتعلّق بإحياء موسم عاشوراء لا نتعامل مع حدثٍ تاريخيٍّ مجرّد؛ وإنّما نتحدّث عن عبادة، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هو القائل: «حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسينًا» وبالتالي نحن كيف نعبّر عن هذا الحبّ وكيف نترجّم هذه المودّة الّتي ذكر الله عزّ وجل، ونصَّ عليها في القرآن الكريم، حيث يقول: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. التعبير عن هذا الحبّ، التعبير عن هذه المودّة، هو أن نلتصق بهم من جهةٍ ونذكرهم في مجالسنا أفراداً وجماعاتٍ؛ وبالتالي نحن نستجيب لله عزّ وجل فيما يحيينا. نحن فيما يتعلّق بعاشوراء نحييها من جهة لأنّها تحيينا من جهةٍ أخرى، فنحن نحيا بها ولسنا نُحييها فقط، وبالتالي نحن بين يدي عبادةٍ عظيمة، عبادة لا تقلّ عن غيرها من العبادات، والعبادات كما تعرفون يُشترط فيها الإخلاص حتّى يبتعد الإنسان، ليست مسألةَ اجتماعيّة نحن نحييها نحن بين يديْ عبادةٍ من العبادات؛ ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان متقرّباً إلى الله سبحانه وتعالى في كلّ خطوةٍ يخطوها في هذه المجالس سواءً المشاركون أو المنظّمون أو الداعون من بعيدٍ أو المشاركون من بعيد، هذه عبادة. ينبغي أن نخلص فيها لله عزّ وجل ونجعلها سبيلاً ووسيلةً إلى الله سبحانه وتعالى نحتاج فيها إلى الإخلاص. والإخلاص يعني أن لا يشوبها شيءٌ من الرياء أو شيءٌ من الخطأ.
  • الأمر الثالث: هو أننا بحاجةٍ ماسّة، لأننّا نتحدّث عن مسألةٍ لا يقيمها فردٌ واحدٌ؛ وإنّما يقيمها جماعةٌ من الناس، نحتاج أن نترجّم فيها ما جاء في قول الله عزّ وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}.

الخطيب عليه مهمة، و المستمعون عليهم مهمة، و القائمون على المجالس الحسينيّة في المساجد والحسينيات عليهم مهمة، الكوادر الذي الذين يعملون ذكوراً وإناثاً في خدمة المجالس أيضًا عليهم مهمة فنحتاجُ أن نتعاونَ على البرّ والتقوى؛ وبالتالي التعاونُ معهم يجعلُ هذه المجالسَ سببًا من أسباب إعلاء كلمة الله عزّ وجل، الصلاح والإصلاح الذي هو سياقُ حديثنا نحتاج أن نتعاون معهم.

  • نحتاجُ أن نتعاونَ حتّى مع رجال الأمن الذين يقومون بجهدٍ مشكورٍ في المحافظة على ما ينبغي المحافظة عليه، حتّى التنظيمات التي تصدر مثلاً من الجهات الرسميّة ينبغي أن تُراعى قدر المستطاع، لا ينبغي لأحدٍ أن يخلَّ بها ما دامتْ في حدودِ ما هو مسموحٌ به من الناحيةِ الشرعيّةِ ولا تتعارضُ مع شيءٍ من شعائرنِا، وينبغي لنا كأتباع أهل البيت أن نَظهرَ بالصورةِ الحسنةِ في هذا الباب.
  • الأمر الرابع: هو رعاية الآداب العامّة والنظام، ذكرنا كلَّ الأنظمة سواءً النظام الذي يقوم به أصحابُ المجالس، والمساجد، والحسينيات، حتّى لا نزعجَ جيران المساجد، وجيرانَ الحسينيات. على مستوى إيقاف السيارات، لا ينبغي لأحٍد أن يزاحمَ، لا ينبغي أن يقف بطريقةٍ توحي للناس بأن هذا يستمع لشيء هو مستحب لكنّه يقع في شيءٍ من المخالفات الشرعيّة، هذا مظهرٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يقعَ فيه ومراعاة الأنظمة ذكرناها.
  • الأمر الخامس: هو الظهورُ بالمظهرِ الحسنِ مع القريبِ والبعيد في الشكل والمضمون. ألفاظنُا يجب أن تكونَ ألفاظًا مؤدبة، يجب أن يكون تعبيرنُا تعبيرًا حسنًا، الله سبحانه وتعالى يقول: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} ويقول: {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا}. سلوكُ الإنسان ينبغي أيضاً أن يكون سلوكاً حسينيّاً متأدّباً بآداب الله عزّ وجل و آداب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، على مستوى الملابس أيضاً ينبغي للناس أن يهتموا بالملابس المناسبة، يعني: ألا يتعامل بابتذالٍ مع المجالس الحسينيّة كما لو أنه في منزله. لا! أنت في مكان رسميّ ينبغي أن نراعي ما جاء في قول الله عزّ وجل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. نحن ما دمنا في عملٍ عباديٍّ ينبغي أن نستقبلَ الله سبحانه وتعالى بالكلام الطيب والفعل الطيب.
  • التوصية السادسة والأخيرة هو الحرصُ الشديدُ على اصطحاب الناشئين؛ أبناؤنا الصغار في مثل هذا الظرف العالميّ الذي نمرّ فيه، هناك مخاطرٌ أخلاقيّةُ شديدة الحساسيّة لا يمكن أن نحفظَ أبناءنا بالإهمال لهم، بل ينبغي أن يُصطحَبوا في مثل هذه المجالس؛ لأنّهم يسمعون الكلمة الطيبّة و يسمعون الموعظة، يسمعون التوجيه، وهناك فئةٌ من الناس قد لا يتيسّر لها فرصة إلاّ في مثل عاشوراء، فينبغي أن يكون هؤلاء أشدَّ حرصاً من غيرهم على الحضور في مثل هذه المجالس وعلى اصطحاب أبنائهم. ومضافاً إلى ذلك تأديب أبنائنا الصغار – ذكوراً وإناثاً – على التأدّب بآداب الحضور في المجالس العامّة ومجالس أبي عبدالله الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام)؛ لأنّها هي من هذه الناحية شبيهةٌ بالصلاة. لا ينبغي لأحدٍ أن يخلَّ فيها بأدب يتنافى مع الصلاة.

 

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيَ خير الجزاء كلّ العاملين في هذه المناسبات والذين يشاركون في إحيائها والذين يسهلّون أمرها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منهم جميعاً. وإذا كان هناك أحدٌ في أيّ مكانٍ من الأمكنة، في أي مناسبة من هذه المناسبات لديه اقتراحٌ بإمكانه أن يوصل هذا الاقتراح إلى القائمين على المناسبات. وكذلك الكوادر إذا أرادوا أن ينبهوا أحداً على خطأ صدر منه يجب أن يكون ذلك الطريقة الحسنة حتى نكون صالحين مصلحين.

 

وأما صلب حديثنا وهو عن «عاشوراء الصلاح والإصلاح».

نعلم جميعاً أن الله سبحانه وتعالى فيما جاء به رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه. ونطق به عن الله في القرآن الكريم والسنة المطهرة. هناك مسائل كليّة أساسيّة وهناك تفاصيلٌ، هذه التفاصيل لا يجب أن تقرأ وتفسّر وتلاحظ بعيداً عن هذه القوانين العامّة. ومن أهمّ هذه القوانين العامة والخطوط العريضة هي مسألة الصلاح والإصلاح.

لاحظوا عندنا بابان في الفقه الإسلامي هي ثلاثةُ أبوابٍ لكن يُدمجان عادةً ويلاحظان كبابين.

 

الباب الأول: الجهاد في سبيل الله.

الباب الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لأنّ الأمر بالمعروف باب والنهي عن المنكر باب لكنّهما يُدمجان عادةً؛ لأنّهما لا يكادان ينفكّان عن بعضهما فصارَا بابيْن كتابيْن. هذان البابان يصنّفان ضمن العبادات، يعني الجهاد في سبيل الله متّى يكون كذلك؟ مثل الصلاة تحتاج إلى نيّة التقرّب إلى الله. الجهاد في سبيل الله ليس رفعاً للسلاح أمام العدو، حتّى المقاتل المحارب إذا أراد المجاهد أن يكون مجاهداً ويسجل ذلك في سجل أعماله، يجب أن ينوي التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى. ومن المعلوم أن الإنسان إذا نوى التقرّب إلى الله في فعلٍ من الأفعال ستقيّد يداه لا يستطيع أن يفعل كلّ شيءٍ؛ لأنّ الإيمان قيْد الفتك أو قيَّد الفتك. لا يمكن للإنسانٍ أن يغدر، لا يمكن للإنسانٍ أن يسبَّ ويشتم ويتجاوز على الآخرين. لأنّ الله لا يحب المعتدين، لا يحبّ الظالمين. بهذه الطريقة يكون الجهاد في سبيل الله مظهر راقي، مظهرٌ حضاري، وفي الحقيقة هو مظهرٌ إيمانيّ.

 

الباب الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

فيما يتعلّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس هو إبراز سلطةٍ من أحدٍ تجاه أحد، ليس هو مغالبة من فريقٍ على فريق، وإنّما هو تقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بإصلاح الناس وتقويم سلوكياتهم في الفعل والقول، هذا أيضاً يحتاجُ إلى نيّة التقرب إلى الله. لا يتصوّرنّ أحد أن أحداً من الناس يغضب على شخص ارتكب خطأ ويريد أن يستثمر هذا الخطأ الذي وقع فيه فلان فيبرز عضلاته عليه، ويقول هذا أمرٌ بالمعروف ونهي عن المنكر. لا! في الحقيقة – أنت – هذا الذي غضب إنما قام بالتعبير والتنفيس عن مشاعره الشخصية ليس نية للتقرّب إلى الله. الناوي للتقرّب إلى الله يتدرّج كما أمر الله عزّ وجل يعمل كما أمر الله سبحانه وتعالى مهما كانت النتائج في الجهاد في سبيل الله، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه كلّها مهما كانت النتائج.

 

كالإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لما تعيّن عليه أن يخرجَ لطلب الإصلاح أعدّ نفسه واستعد لتحمّل كلّ الآلام التي وُجه بها والتي تستدعي منا جميعاً أن نستذكر هذه الحادثة، وأن نستذكر عظمة الامام الحسين عليه (أفضل الصلاة والسلام) حتى نسير على خطاه. يعني أن نستجيب لله فقط ولا نجعل نداً لله عزّ وجل، لا أمر ولا نهي إلا له سبحانه وتعالى. وإنما يُطاع غيره في ظل طاعته سبحانه وتعالى، ويُعصى غيره لأنه ضد وند لله سبحانه وتعالى. سواء أمكن للإنسان أن يعبر عن هذه المخالفة، أو صار مثل مؤمن ال فرعون. قد لا يستطيع الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد لا يستطيع حتى أن يجاهد في سبيل الله، لكنه إنما سكت وصمت لأن الله عز وجل أمره بأن يحافظ على نفسه امتثالاً لسلسلة من الكليات الواردة في القرآن الكريم.

 

في هذا الباب، لاحظوا ماذا يقول الحق سبحانه وتعالى في التأصيل لأصل فكرة الصلاح والإصلاح. الصلاح هو ضد الفساد يقابله السيئة. لما نقول هذا الشيء صالح مثل الأطعمة، أنت لا تأكل كل طعام وإنما تلاحظ تاريخ الإنتاج، تاريخ الانتهاء، يصلح لك، يضرك، لأننا من خلال الغذاء نريد أن نقوّم أبداننا فإذا كان هذا الغذاء فاسداً أو الدواء فاسداً، الناس لا يتناولونه. وكذلك الأفكار، كذلك السلوكيات، كذلك الإنسان في ذاته يكون صالحاً وقد يكون هو صالح لكن عمله غير صالح، وقد يكون العمل ظاهراً صالح لكن هو ليس بصالح. لذلك العلماء يقولون عندنا “حسن فعلي وحسن فاعلي”. حسن الفعل وحسن الفاعل. تشييد المستشفى لمعالجة الناس أمر حسن. لكن قد يكون الذي شيد المستشفى نيته ليست حسنة، الفعل حسن لكن الفاعل ليس حسن. الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكون صالحين في أنفسنا وصالحين في أعمالنا، يعني صلاح الذات وصلاح الفعل. ثم لا يريد منا أن نقف أيضاً على هذا الحد وإنما أن نسعى في إصلاح الآخرين. نصلح ذوات الآخرين بالدعاء لهم ودعائهم، ونصلح أعمالهم بتقويمها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

والإمام الحسين عليه افضل الصلاة والسلام لا يتصوّرنّ أحداً أنّ من شهد له رسول الله بأنّه وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة، وقد كانا صغيرين حينما شهد لهما رسول الله بذلك. وهو إنّما يشهد لأحدٍ بأنّه من أهل الجنّة لما أطّلعه الله عزّ وجل على واقعه وعلى سلوكه من أول حياته إلى آخر حياته.

 

الإمام الحسين الذي حَظي بهذه الشهادة النبويّة، الشهادة الرفيعة، الشهادة السماويّة، هل يُتصوّر أنّه عرض نفسه وأهله للخطر والضرر والقتل والسبي لأنهم فقط – يعني يريد أن يتشهّى أو لا أن نعوذ بالله لأنه يريد الدنيا كما ظنّ بعض الناس أن الإمام الحسين طلب الكرسي من خلال الإمام الحسين لم يطلب شيئاً من هذا. كلّ المعطيات كانت تؤكّد أنّ الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه يعلم بأنه لن يصل إلى هذا المقام لكنه كان يقول “ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه”. فالذي حرّك الإمام الحسين عليه افضل الصلاة والسلام هو غيرته على الحقّ، وكرهه وبغضه للباطل ولأهله.

 

يقول الله عزّ وجل {وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۖ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. الهدف من بعثة الأنبياء والرسل هو أن يؤمن الناس بالله عزّ وجل، يعني يملكون الرؤية الصحيحة لهذا العالم، بخالقه ومخلوقه. ويذعنون في وجدانهم لهذه المعلومة ويعبرون عن هذا الإيمان في سلوكياتهم، وبذلك يكون الإنسان صالحاً من جهة، ومصلحاً من جهة. مثل هؤلاء لهم الأمن، مثل هؤلاء لهم البشرى، مثل هؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ويقول عزّ وجل في آية أخرى: {مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ} وما هناك أحد ما يبحث عن العزة كلّ الناس صالحهم وطالحهم، مؤمنهم وكافرهم، الجميع يطلب العزّة.

 

العزّة تعني الانسانيّة، تعني الكرامة، تعني المكانة العالية، والرفيعة، ما هناك أحدٌ ما يطلبها. لكن الفرق أن هذا يطلبها بطريقٍ، وذاك يطلبها بطريقٍ آخر، هذا يطلبها بالحقّ، وذاك يطلبها بالباطل. الله سبحانه وتعالى يبين لنا السبيل والطريق يقول: {مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ}. يعني هذا الطريق إلى وصول العزّة، تريد العزّة إليه يصعد الكلم الطيب. يعني معتقدك الصالح والمعتقد الصالح مبنيّ على المعلومة الصحيحة، والمعلومة الصالحة من أين لنا؟ من أهل العلم الموثوقين، كيف نحصل على هذه المعلومة؟ من مثل هذه المنابر الشريفة التي نجد أنفسنا ملزمين بأن نحيي هذه المناسبات حتّى نحصل على هذه العلوم والمعارف {مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ}. هذا الفريق الآخر {وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} ومكر أولئك هو يبور وإذا أراد أحدٌ أن يعرف كيف أن مكر أولئك يبور، ينظر إلى حادثة كربلاء، مكر أولئك بار وانتهى الإمام الحسين. قُتل، نعم، لكن الإمام الحسين هو الذي انتصر، هو الذي اعزّه الله، وأولئك الأعداء الذين مكروا السيئات وألحقوا بهما صُبت عليهم اللعنات من القاصي والداني، لذلك يفتخر أصحاب الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) بأنهم أتباعه ومريدوه ومحبوه.

أما أولئك فيتملّصون من الجريمة وإذا وضعوا في زاويةٍ حرجة يعني يمكن أن يصدر منهم بعض الكلام الطيب في تسمية أولئك بما ينبغي أن يسموا به.

 

في آية ثالثة يقول الله عزّ وجل: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ}. يعني أعمالهم غير منتجة عند الله عز وجل ليست منتجة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} الإمام الحسين (سلام الله عليه) لأنه من الذين آمنوا ولأنه ممن ابتغى العزّة بما أراد الله عز وجل بما جاء به جده النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). لذلك نحن نحيي ذكراه حتى نحافظ على أنفسنا في هذا المسار في هذا الطريق الذي «أحب الله حسيناً وأحب الله من أحب حسيناً».

 

فإذاً، نحن بين يديْ مناسبة عظيمة و مهمة لا ينبغي التقصير فيها لا بالإحياء ولا بالمشاركة المشاركة القريبة والمحافظة على كل هذا التراكم، الذي انتهى إلينا من آبائنا وأهلنا عبر عشرات السنين، بل مئات السنين انتهت إلينا إحياء هذه المناسبات بهذه الطريقة التي نسأل الله عزّ وجل أن يوفقنا وإيّاكم إلى استثمارها أحسن الاستثمار وأن يغفر لنا ولكم – إن شاء الله –  ما تقدّم منا وما تأخّر ويصلحنا وإيّاكم في ذواتنا وأفعالنا.

 

اللّهم صلِّ على محمد وآل محمد.

 

اللّهم كنْ لوليك الحجّة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تُسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً.

 

اللّهم انصرْ الاسلام والمسلمين واخذلْ الكفار والمنافقين، اللّهم اشفِ مرضانا وارحم موتانا وأغنِ فقراءنا وأصلحْ ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجْنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم. وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى