حديث الجمعة

حديث الجمعة : «قضايا عادلة ومحامون فاشلون من منظور الإمام الرضا (ع)» يوم الجمعة ١٠ ذوالقعدة ١٤٤٣هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «قضايا عادلة ومحامون فاشلون من منظور الإمام الرضا (ع)» يوم الجمعة ١٠ ذوالقعدة ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات،

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،

اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله،

بمناسبة ذكرى ميلاد إمامنا الرضا، ثامن أئمة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) نستهدي من كلماته لحل مشكلتين أساسيتين يبتلى بها المؤمنون في أكثر من عاصر وفي أكثر من مكان، «القضايا عادلة لكن المحامين فاشلون».

وآذكر آفتين في صورتين روايتين مذكورتين عنه صلوات الله وسلامه عليه، بعد تمهيد بمدخل.

التمهيد:

هو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي تتفق الأمة على ولايته وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنه{مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} أكد على مجموعة قضايا، من صدارة هذه القضايا وأهمها مكانة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) على مستوى الاعتقاد، على مستوى التشريع، على المستوى العاطفي، بحيث لا يقدم غيرهم عليهم، يعني فقههم مقدم على فقه غيرهم، اعتقادهم مقدم على اعتقاد غيرهم، التولي لهم على المستوى العاطفي مقدم على التولي لغيرهم، بحيث إذا زوحموا، يقدمون ويؤخر غيرهم، هذا لا نقاش فيه.

فقد روى المسلمون حديث الثقلين، ومن صيغه ما أخرجه الطبراني في مسنده عن زيد ابن أرقم، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في يوم الجحفة – أي في غدير خم – في حديث طويل قال: « فإني فرطكم على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض وإن عرضه أبعد من صنعاء وبُصرى – كناية عن سعة هذا الحوض – فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين؟! – أي الكتاب الكريم والعترة المطهرة – فنادى مناد وما الثقلان يا رسول الله أو وما الثقلان – كلاهما صحيح وله توجيه – قال كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا والآخر عترتي وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم».

هذا المضمون متفق عليه، لا خلاف بين المسلمين فيه، وإن اختلف بعضهم في التفسير، نحن لا نستطيع أن نبرر كلام الرسول، نحن نسير وراء كلام النبي (صلى الله عليه وآله) هذه نقطة.

النقطة الثانية:

هي ثبوت الولاية التي ذكرنا أن ولايتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) ثابتة ثبوت ولاية النبي، ولذلك، في يوم الغدير هذا ما الذي قاله النبي؟ استنطق المسلمين أولاً «وقال: ألستُ أَوْلى بالمؤمنينَ مِن أنفُسِهم؟ قالوا: بلى، قال: مَن كنتُ مَولاه، فعلِيٌّ مَولاه» يعني الولاية الثابتة لرسول الله بتفاصيلها ثابتة لأمير المؤمنين ومن بعده للعترة بنص هذا الحديث.

أما المشكلة، المشكلة الأولى:

هي آفة داخلية، آفة الصديق، غير الحكيم، غير البصير، السفيه، سمه ما شئت، الفكرة تكون عنده صحيحة لكن فهمه لها قد يكون مغلوطاً وتبليغه إياها للآخرين يكون أيضاً بطريقة غير صحيحة.

الشيخ الكليني رحمه الله وغيره الشيخ المفيد أيضاً في “الأماني” يروي «عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائما على رأس الرضا عليه السلام بخراسان وعنده عدة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي» بعض المحققين يقول هناك تصحيف في الاسم لا يعنينا الآن التحقيق في هذا، «فقال: يا إسحاق بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم أن الناس عبيد لنا» هذي دعوة غلو والإمام يشير إلى دعوة الغلو، عبيد أما إنهم يعبدوننا أو لا، عبيد نتصرف فيهم كيف نشاء، أهل البيت لا يقولون هذا، يشرح الإمام، يكمل الإمام «لا، وقرابتي من رسول الله» صلى الله عليه وآله وسلم» يقسم الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام «ما قلته قط» يعني هذا مكذوب علينا أننا نقول هذا الكلام، لأن هناك من يروج له، حتى يركب الموجة ويستفيد منه.

«ولا سمعته من آبائي قاله ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله» يعني لا أنا سمعته ولا نُقل إليّ، هذه طرق المعرفة، أما أن يقوله الإمام أو يسمعه الإمام فيرويه أو يسمعه الإمام عن آبائه فيرويه، هذي طرق المعرفة الدينية.

«ولكني أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب». المفردة واحدة، المادة اللغوية واحدة، لكن المعنى يتباين، أن يكون الإنسان عبداً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بمعنى أنه يطيعه، كما يسمع العبد المملوك مولاه وسيده، هذا ثابت، لا يستطيع أحد أن يقول أن لي رأي أمام رأي الرسول، ولا قول أمام قول الرسول! إذا قال الرسول شيئاً، فلا يجوز لأحد أن يخالفه، قوله مقدم، فعله مقدم، إرادته مقدمة، لأنه يمثل الله عز وجل، هذا المعنى ثابت، لكن أن يقال بأن أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) يفعلون في الناس ما يشاؤون دون ضابط، دون قيد، دون قاعدة، هذا الإمام ينفيه (صلوات الله وسلامه عليه) هذه آفة.

سيأتي الإمام (صلوات الله عليه) في آخر الحديث الثاني، ما هو الحل الذي يجب على الناس أن يعتمدوه للتخلص من هذا النوع من المشكلة.

الآفة الثاني:

هي آفة العدو، وفي غالب الأحيان نحن نواجه نوعين من المخاطر:

مخاطر داخلية، في بدنك مخاطر داخلية، ومن خارج، وكذلك في عملك في كل مناحي الحياة، المخاطر نوعان.

آفة العدو، العدو ماذا يفعل؟ يدس ويفتري، يعني ينسب إليك زورا، في النص الأول نسب إلى أن أهل البيت يقولون هذا الكلام، في هذه الآفة؟ الآخرون يفترون عليك، يكذبون عليك، يشوهون سمعتك كما نسمعه كثيرا.

الشيخ الصدوق رحمه الله يروي بإسناده في حديث طويل «قال إبراهيم بن أبي محمود – ممن عاصر الرضا (عليه السلام) في ضمن الحديث – قال: فقلت للرضا: يا ابن رسول الله إن عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم» حتى نقارن، لأن الحديث إذا رُوي من طرفين ليس على وفاق، هذا يعزز هذا، لكن إذا روي لأمير المؤمنين ولأهل البيت من الطرف الآخر ولا يوجد عندنا ما يؤيده ويشهد بصحته، كيف نتعامل معه؟ الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول لا تقبلوه على علاته، اعرفوا الخلفيات وعلى ضوء ذلك تغربلون هذه الروايات، حتى لو كانت في فضلنا، يعني لا ينبغي للإنسان أن يتحمس في رواية وذكر شيء، فقط لأن العدو أقر به، أحياناً العدو يقر لك بشيء ليس فيك، من أجل أن يفرحك فيوقعك في حفرة، من حيث لا تشعر

«وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال: يا ابن أبي محمود لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام أن رسول الله (ص) قال: من اصغي إلى ناطق فقد عبده» عبدَه يعني استسلم له، مثل ذاك المعنى الذي ذكر له، مو عبده يعني نحن إذا أصغينا إلى أحد عبدناه ركعنا له ونسجد له؟ لا، يعني أسلمنا له أنفسنا، لذلك لا ينبغي لك أن تستسلم بشكل كامل.

«فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس ثم قال الرضا: يا ابن أبي محمود إن مخالفينا» الإمام يفصل ويفكك هذه الروايات، يصنفها «إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو» نسبوا إلينا من الفضل ما يخرجنا عن طور المخلوقية والعبودية لله عز وجل، فجعلونا مشاركين لله في شيء مما هو مختص بالله عز وجل، قد يظن البسيط الساذج أن هذا من فضائل أهل البيت، لا! ينبغي التأني والتريث في قبوله.

«وثانيها التقصير في أمرنا» لنا مرتبة أثبتها الله عز وجل ورسوله، مثل ما أن الارتقاء بنا عن هذه المرتبة يوقع من يرقينا فيها ومن يرتقي بنا إلى الغلو، التقليل من شأننا فيها يبعث به إلى عالم التقصير.

«وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا» الآن يأتي الإمام على أحكام هذه « فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا» هذا مغالون وهذا ما يقولونه!

«ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا» ونحن أعلى من هذا الشأن الذي يقصرون فيه، يعني يجعلوننا مساوين لغيرنا. لا! مثل ما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مساوياً لغيره، عترته المحدودون، المعدودون، ليس كل من انتسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عترته يعني الائمة الاثنى عشر (صلوات الله وسلامه عليهم) مضافا إليهم الزهراء، هؤلاء الأربعة عشر، لهم خصوصية اصطفاهم الله عز وجل كما اصطفى مريم، كما اصطفى موسى، كما اصطفى عيسى، آل ابراهيم، آل عمران، هذا نص قرآني، ثم إذا أردنا أن نعرف مراتب هذا الاصطفاء، تطبيقات هذا الاصطفاء، تفاصيل هذا الاصطفاء، نرجع إلى الكتاب الكريم والسنة المطهرة الثابتة.

« وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}».

هاتان آفتان وهما نموذجان مما حاربهما الائمة (صلوات الله وسلامه عليهم) الإمام الرضا ومن سبقه والإمام الرضا ومن لحقه.

قال: «يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا» هذا هو الحل، الحل هو لزوم طريقة أهل البيت ولا يستطيع أحد أن يلزم طريقة أحد إلّا أن يعلم بها، ويعرفها ويتفقه فيها، أما إذا قصر في الفقه والمعرفة، صار حملا تختطفه الذئاب من هنا ومن هنا «فإنه من لزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه».

ثم يضرب الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) مثال لخطورة الأمر: «إن أدنى ما يخرج به الرجل من الايمان أن يقول للحصاة هذه نواه ثم يدين بذلك ويبرء ممن خالفه».

تغيير بسيط حصاة يسميها نواة، النواة هي ما يخرج من الرطب والتمر، نسميه نواة هذا ما يبقى منه نسميه نواة، حصاة يسميها بغير اسمها، الإمام عليه (أفضل الصلاة والسلام) يقول تغيير حقائق حتى بهذا المقدار، وجعله دين، بحيث يجعل الإنسان هذه القناعة التي عنده سيف مسلط على الآخرين، إما أن تكونوا معي فتحاربون من أحارب وتسالمون من أسالم وإلا، فأنتم في جهة أخرى.

«ويبرء ممن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك خير الدنيا والآخرة».

فإذن، لا مزاجية، لا عبثية، هي عمل بما جاء من عند الله عز وجل ورسوله وما ثبت عنهم (صلوات الله وسلامه عليهم) ومن بعدهم العترة الطاهرة الذين شهد الله عز وجل لهم بالتطهير وأمر المسلمين أن يتعبدوا له بمودتهم والصلاة عليهم إذا ذكر الله عز وجل ورسوله.

نسأل الله سبحانه وتعالى عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى