حديث الجمعة

حديث الجمعة : «العصبية المذمومة والمحمودة (٢)» .. سماحة السيد حسن النمر الموسوي

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «العصبية المذمومة والمحمودة (٢)» يوم الجمعة ١٨ جمادى الثاني ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات،

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‫.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

تحدثنا فيما مضى عن ان هناك مبادئ تأسيسية تمثل المحطة الاولى في سياق حديثنا عن التعصب المذموم والمحمود، وانتهينا الى أن الانسان لا يمكن إلّا أن يكون له ولاء، يتولى مفاهيم معينة، رؤى معينة، تنظم حياته، فالإنسان في كل إقدام وفي كل إحجام في كل فعل، في كل ترك، المفروض أن يتوافق ذلك كله مع انتمائه الذي تبناه، سواء أحسن التعبير عنه أو أساء التعبير عنه، قد لا يوفّق كل الناس في صياغة انتمائه صياغة لفظية جيدة، لكنه على مستوى التنفيذ العملي والتطبيق يوافق فعلُه قولَه، فإذا عرف أن فلانا من المؤمنين يفترض به أنه إن سلوكه سلوك المؤمنين، لذلك نجد الله عز وجل في القرآن الكريم، يخاطب المؤمنين بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}ثم يأتي بسلسلة من الأحكام، لأن المفروض بمن أعلن إنه من المؤمنين أن يستجيب لنداء الله عز وجل، في تنظيم حياته وفقا لهذا الايمان الذي هو ولاؤه.

الانسان كما تقرر في أحاديث سابقة أيضا، لا يُولد ولا يُخلق في هذا العالم وهو خلو من كل القيود، بحيث يشعر بأنه حر حرية مطلقة، ليس هناك أحد يستطيع أن يزعم أنه حر مطلقا، أنت في وقت ولادتك لست حرا، في انتقاء أبويك لست حرا، في مدة بقائك في هذا العالم لست حرا، في نظام بدنك الداخلي لست حرا، هناك هامش تستطيع أن تتحرك فيه، في هذا الهامش جعلك الله حرا ومسئولا، يُحاسب الانسان على أدائه لأفعاله وفقا لهذا الهامش، فإن الله عز وجل، لا يحاسب الطويل ويعاقبه ولا يثيبه، ولا يحاسب القصير ولا يثيبه، القِصر والطول ليسا ملاكا عند الله عز وجل، لا في المثوبة ولا في العقوبة، ولذلك، فإن الله عز وجل، يقول {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} تستطيع أن تكون تقيّا، في هذا الهامش، وتستطيع أن لا تكون تقيا، في هذا الهامش.

كيف يكون الانسان تقيّا؟ أن يكون تقيا، أن يتعصّب لما يجب التعصّب له،
ما الذي يجب أن نتعصب له؟ الحق، الله سبحانه وتعالى، يقول {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} تريد أن تنتمي انتماءا متشددا ومحمودا؟ نعم، لك ذلك، ويوجد ما تنتمي إليه انتماءا مطلقا، وهو الله سبحانه وتعالى، وما يتفرع عن الله، وما عدا الله سبحانه وتعالى، لا يجوز للإنسان أن يتعصّب له، لأن هذا مصداق للتعصّب المذموم، سم هذا الذي تتعصب إليه تعصّبا مذموما، ما شئت، عشيرتك، قبيلتك، بلدتك، أخوانك، أهلك، أقاربك، آرائك، كل شيء ما عدا الله سبحانه وتعالى، يكون التعصب إليه باطلا، لكن الله عز وجل، جعل له ممثلين، نظرية وتطبيقا.

الله سبحانه وتعالى، يقول {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} يعني إنك إذا أردت أن تكون مرضيّا لله عز وجل، أي منتميا انتماءا صادقا الى الله عز وجل، وهذا لا يحتمل التراخي {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} كيف يعني الانسان يسلم؟ يعني يستسلم، كيف يستسلم؟ يعني أن هناك إرادة قاهرة هو يفترض أن هذه الإرادة فوق إرادته {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فإذا كان لله عز وجل مشيئة، إذا كان له ارادة، ما هي مشيئة الله وإرادته؟ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} الطهارة أمر أرادها الله عز وجل، لعباده، ثم جسّد لنا جماعة سمّاهم ووصفهم بأنهم {مطهرون} وأنزل الكتاب وجعل الكتاب مقارنا لهؤلاء، هذا الكتاب الكريم الذي هو الوحي السماوي وختمت الكتب السماوية بالقرآن الكريم، الذي ضمن الله عز وجل، أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يعني أن الله عز وجل، جعل لك قانونا ومسارا يفترض أن تحكم جميع شؤونك وجميع جوانب حياتك وفقا لهذه النظرية.

لكن هذه النظرية قد يساء تفسيرها ويساء فهمها، لذلك فإننا بأمس الحاجة إلى من يكون عدلا لهذا الكتاب، قرينا لهذا الكتاب، حتى نطمئن بأن هذا هو الفهم الصحيح لكتاب الله والتفسير الصحيح لكتاب الله عز وجل، والتعبير الصحيح عن هذا التفسير الوارد لكتاب الله.

لاحظوا، في الرواية، ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما…) استغرب الحاضرون، الاسلام ليس دعوة لأن ينتصر فيها للظالم على حساب المظلوم، قيل يا رسول الله كيف ننصر الأخ ظالما أو مظلوما؟ ففسر لهم ذلك (…..أن تكف يده عن الظلم).

لذلك، جعل الله عز وجل للمؤمن ولاية على المؤمن، يعني أنك إذا رأيت مؤمنا أخطأ وارتكب المنكر، جعل الله لك الولاية عليه أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، بالأسلوب الشرعي {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} أما أن يقول أحد “أنا حر”..! لا، لست حرا، لست حرا في أن تمنع المؤمن أن ينصحك فيقول لك اتق الله، المؤمن ليس فوق أن يقال له اتق الله، لكن الانسان المتمرد الذي يقف على المنبر ويقول أي أحد يقول لي اتق الله اقطعُ عنقه، ذاك الانسان الطاغي، ذاك الانسان المتمرد على الله، أما الانسان المؤمن، إذا قيل له اتق الله، بكل اريحية يستقبل هذا الكلام، قد يكون الطرف الذي قال لك اتق الله ليس مصيبا في نصيحته لك، لأنك ترى نفسك مصيبا وهو مخطئ، لكن من حقه أن يقول لك اتق الله.

نعم، هناك أيضا من يسيء هذا المعنى، فيمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بطريقة غير شرعية، بطريقة مغرضة، هذا أمر آخر، لكن نتكلم من حيث المبدأ.
فإذن، الانسان ليس حرا بالمطلق، هناك مسارات تحكمه.

فلنذكر ثلاث عناوين، هذه العناوين الثلاثة مسارات قاهرة، لا تستطيع أن تخرج منها،
كيف إن الماء إذا نزل من السماء في المطر؟ لا يسير في الأرض بطريقة عشوائية، وإنما يسير في المسارات التي يجد نفسه مجبولا على أن يسير فيها، ينزل من الجبال ومن الأماكن المرتفعة الى الأماكن المنخفضة، يميل بميلانها الى اليمين تارة والى اليسار أخرى.

كذلك الانسان، أنت أيها الانسان بين الصواب والخطأ، المؤمن يجب أن يسير في المسار الصائب، ويتجنب الخطأ، في جانب الحق والباطل يجب أن ينحاز الى الحق،
وليس الى الباطل، في الفضيلة والرذيلة يجب أن يكون من أهل الفضيلة، لا من أهل الرذيلة.

هل يستطيع أحد أن يقول أنا سأعيش في حياتي بعيدا عن الخطأ والصواب،
بعيدا عن الفضيلة والرذيلة، بعيدا عن الحق والباطل؟

لا، يستحيل، أنت تريد أن تبني بيتك؟ لا يمكن أن تبني بيتك إلّا وفقا للصواب والخطأ،
لذلك نستعين بالمهندس، لأن المهندس هو الذي يحسن أن يبني البيت بطريقة صائبة، بما يملك من العلم والمعرفة والخبرة، لو أننا أسلمنا أمرنا إلى غيره، سنجد أن البنيان، مهما ارتفع، سيشتد الخطر على من يسكنه وعلى من يبنيه.

كذلك الانسان، يجب أن يعرف مواطن الصواب والخطأ، حتى يميل إلى الصواب فيطبقه، والى الخطأ فيتجنب عنه، وكذلك في الحق والباطل وكذلك في الفضيلة والرذيلة، هذا أمر لا يختلف عليه عاقلان، يعني ليس هناك أحد في الدنيا عاقل يقول لا يوجد في العالم خطأ ولا صواب، تلك سفسطة انتهى أمرها وانتهى أمر أهلها.

نعم، قد يمارس هذا الدور بعض المغرضين، لحاجة في أنفسهم، فيقول لك لا يوجد حقيقة..!

لا، يوجد حقيقة، كيف لا يوجد حقيقة؟ قال أي حقيقة تريد؟ الحقيقة، الحقيقة أني إذا أردت أن أدخل إلى هذا المكان وفيه أبواب، الحقيقة أن تدخل من هذا الباب ومن هذا الباب، من الخطأ أن يقول أنا أريد أن أدخل من الجدار.

ببدنك هذا، الله سبحانه وتعالى، لم يسمح لك ببدنك أن تدخل إلى هذا المكان من خلال الجدار، لا تملك هذه القدرة، فنفتح أبوابا، نفتح نوافذا نفتح ما يهيء لنا تحقيق هذا المطلب.

فإذن، هناك حق وهناك باطل، يجب أن يُعرف الحق ويجب أن يُعرف الباطل، ولذلك أشاد الله عز وجل، بالذين يعلمون على حساب الذين لا يعلمون، فقال {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} لا يمكن، هذا سؤال استنكاري، يعني يستبشع الله عز وجل من أحد أن يقول العالِم وغير العالِم على حد سواء، كلا، العالِم له قيمته، في الطبابة وفي الهندسة وفي الحدادة وفي الفقه وفي الفلسفة وفي العرفان وفي كل تخصص من التخصصات، نحن إذا أردنا أن نشتري عدسا، نتواصى فيما بيننا، الفلان الذي يطبخ العدس الفلاني أفضل من المكان الفلاني، وهو عدس، هي وجبة تريد أن تطعم نفسك وتنتقل بنا من الجوع الى حالة الشبع، عدس ليس بيتا، فإذا زاد إنفاقك، زادت احتياجاتك، تحتاج الى من هو أكثر خبرة وأكثر مهارة.

فحتى يُنتقل بنا من النظرية الى التطبيق، فإن الله عز وجل، حدد لنا أسماء معينة،
سمّاهم رسل، سمّاهم أنبياء، سمّاهم أوصياء، سمّاهم أولياء، هو صنعهم على عينه، هو تولى تربيتهم وتدبير شؤونهم، حتى يكونوا حججه على الناس، فلا يقولن أحدٌ نعم يا ربي، أنت خلقتني بطبيعتي أنزع الى الحق، لكني لما أردتُ الحق لم أهتدي إليه، الله سبحانه وتعالى، أنزل “آدم” وأنزل العلم معه، ثم توارث الأنبياء والأولياء، وهذا العلم منذ أن أنزله الله، لم يرتفع، هذا العلم موجود، أودع هذا العلم في الكتاب الكريم، في السنّة المطهرة ثم كُلّف الناس أن يسألوا أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون.

ومن هنا نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حياته الشريفة، سمّى أشخاصا معينين بأمر من الله لأنه {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} سمّى أشخاصا معينين وصفهم بالأوصاف التي تجعلهم تطبيقا لهذه النظرية.

تريد حقا؟ ستجده عند هذا الذي سمّاه، أو عند هذه التي سمّاها، على رأس هؤلاء “أهل البيت” عليهم أفضل الصلاة والسلام، الذين قال الله عز وجل في حقهم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.

فإذن، هذه الفئة من الناس، لأن الناس بحاجة الى أن يدركوا الطهارة نظرية وتطبيقا، احتاجوا الى هذه الفئة، لا نستغني عن رسول الله، يجب أن نذكره في الليل والنهار،
وكذلك أهل بيته، كلّفنا الله عز وجل، بأن نصلي عليه ونصلي عليهم، حتى نرتبط بهم صلوات الله وسلامه عليهم.

بين يدي ذكرى ميلاد سيدنا ومولاتنا “فاطمة الزهراء” عليها أفضل الصلاة والسلام، اذكر أربع عناوين وردت في الأخبار التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بمضامين متفق عليها.

اخترت ما نقله “الحاكم النيشابوري” في رسالة دوّنها تحت عنوان “فضائل السيدة الزهراء” عليها أفضل الصلاة والسلام رسالة، يعني ليست كبيرة، يمكن أن تقرأ في جلسة واحدة.

العنوان الأول، وعنوان هذه المسارات التي ذكرناها: البقاء والنقاء.

الانسان فطره الله عز وجل، على أن يبحث عن البقاء، عن الخلود، والانسان كيف يبقى ويخلد؟ بالارتباط بالله عز وجل، كيف ينقى ويتطهر؟ بالارتباط بالله عز وجل.

هذا الارتباط له مفاتيح من هذه المفاتيح رسول الله ومَن بَعد رسول الله ومعه، “فاطمة الزهراء” عليها أفضل الصلاة والسلام، والعترة الطاهرة.

 

فالعنوان الأول: لزوم الانتماء الى العترة.

هذا ليس تعصبا مذموما هذا من التعصب المحمود، كيف اليوم المسلمين لا يقبلون أن يُنتقص من رسول الله، وهناك أحكام شرعية لمن انتقص من رسول الله، “السيدة الزهراء “عليها أفضل الصلاة والسلام، بضعته، يؤذيه ما يؤذيها، ويرضيه ما يرضيها، بل في الرواية ما هو أزيد من هذا وله نماذجه.

يروي بسنده عن جابر بن عبد الله، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
الحديث السادس والخمسين في هذه الرسالة (إن لكل بني أم عُصبة…) ونحن نتكلم عن العصبية والتعصب أيضا لرسول الله، عُصبة يعني جماعة، يجب الانحياز إليهم، الزهراء وأبناؤها، (إن لكل بني أم عصبة ينتمون إليها إلّا وُلد فاطمة، فأنا وليّهم وأنا عصبتهم وهم عترتي، خُلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله).

فإذن، الانتماء لهم بشهادة رسول الله، وهذا المضمون مسلّم، متفق عليه في روايات متفرقة، هذا مسلّم، الإنتماء لهم إنتماء للبقاء والنقاء والطهارة والحق، فالإنسان إذا تعصّب للصدق، لا يكون متعصبا -كما سنأتي ان شاء الله على ذكره- ولو أنه انحاز إلى المبطل، لكان التعصّب مذموما.

الرواية الأخرى بسنده عن “فاطمة بنت الحسين” عليها السلام -عن فاطمة الكبرى لأن هناك واسطة، لأن هذه لم تدرك، لكن واسطة لم تذكر- وهي بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كل بني أب ينتمون إلى عصبة غير ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأبوها وعصبتهم معي) يعني هؤلاء محسوبين عليّ، لا يتعامل معهم كما يتعامل مع أبناء الناس العاديين.

 

العنوان الثاني: تزكيتهم إلى حدّ تمثيلهم المطلق للحق، له أصول في القرآن الكريم {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس}.

لاحظوا، ماذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث العشرين في هذه الرسالة، عن “علي” عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (يا فاطمة إن الله تعالى يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك) الله عز وجل يغضب لغضب “فاطمة”، الله يرضى لرضا “فاطمة”، لماذا؟ لأن “فاطمة” جسّدت الحق تجسيدا مطلقا، من انحرف عنها، انحرف عن الحق، من ردّ عليها، ردّ على الحق، من انحاز الى أعدائها انحاز الى الباطل، من انحاز إليها انحاز الى الفضل والفضيلة.

فـ”فاطمة” عليها أفضل الصلاة والسلام، ليست شخصا عاديا، لا، هي شخص -بشهادة النبي الذي {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}- تمثل الكمال المطلق، كيف أن الله عز وجل، امتن على الناس وقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً} ؟”فاطمة” من هذا الدين، “فاطمة” عنوان هذا الدين، لأن غضبها ورضاها غضب الله ورضا الله، وبواسطة الرسول صلى الله عليه وآله.

 

العنوان الثالث: تزكية الماضي والحاضر والمستقبل.

نحن حينما نتحدث عن الحق والولاء إليه والانتماء إليه، لا نتحدث عن انتماء موسمي، في شهر رمضان، يتدين الانسان أيام الامتحانات والشدائد يتدين الانسان، التدين ليس بهذه الكيفية، التدين يجب أن يكون حالة ثابتة، مستمرة، مستقرة مع الانسان، في ليله ونهاره، في صحته وفي مرضه، في فقره، في غناه، في ضعفه، في قوته، في جميع تقلباته وجميع أحواله.

لاحظوا ماذا يروي “ابن عباس” عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال “نظر عليّ رضي الله عنه..” كما في الخبر “…في وجوه الناس…” ولعله يوم الشورى أو تكرر هذا الكلام في غير محطة، فقال (إني لأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووزيره ولقد علمتم أني أولكم إيمانا بالله ورسوله، وأبو ولديه وزوج ابنته سيدة ولده، وسيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة).

أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، يفتخر -وحق له أن يفتخر، بماضيه وحاضره ومستقبله- هم ليسوا سادة الناس في الدنيا، فسبقوا الناس الى الايمان بالله، وهذا فضل كبير، وليسوا سادة الناس في زمن معاصرة النبي صلى الله عليه وآله، فقط، وهذا فضل كبير، بل هم سادة أهل الجنة، فإذا عرفنا بأن فلانا سبق الناس إلى الإيمان والاسلام، وأثبت الناس على الاسلام، والمضمون أن مستقبله هو الجنة، كيف لا ينحاز الانسان الى هؤلاء وينتمي إليهم؟ فيطمئن بأنه بقدر ما يتشبث بهم ويتعصّب إليهم، سيكون من أهل الجنة ومن أهل رضا الله عز وجل.

 

العنوان الرابع والأخير: القطيعة التامة مع مخاصمتهم.

لا يجوز الانحياز عنهم، بل يجب الانحياز إليهم، انحيازا مطلقا، كما استفدنا من الروايات التي مرت لذكرها.

لاحظوا ماذا يروي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يُروى عن النبي، يَروي ذلك “زيد بن أرقم” كما رواه الحاكم في هذه الرسالة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، “أنه قال لـ”علي” و”فاطمة” و”حسن” و”حسين” (أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم)”.

طبعا هذا المضمون، مروي بصيغة أخرى (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم) لكن في هذا النص، قال (أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم) يعني أنتم محور للحق، فلو أنكم اخترتم محاربة أحد لا تحاربونه إلّا انطلاقا من الحق وإليه وفي سبيله، فأنا معكم مطلقا في حربكم إن حاربتم، في سلمكم إن سالمتم.

ومن هنا يصح ما يرويه واشتهر بين الشيعة أنهم يروون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) بالنسبة لك أنت أيها المؤمن، رسول الله هو رسول الله، إن قعد فهو رسول الله، وإن حارب فهو رسول الله، إن أمرك فهو رسول الله، إن نهاك فهو رسول الله، لا يُخاطب النبي ولا يُعاتب ولا يُسأل، لأن إرادته من إرادة الله {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

هذه العترة بشهادة رسول الله، يقول أنتم بمثابتي، ما تفعلونه مثل ما أفعله أنا،
فلو أن رسول الله صلى الله عليه وآله، اختار أن يحارب أحدا، وجب محاربته، وإن اختار أن يسالم أحدا، وجب مسالمته، اتباعا لرسول الله، فإن الله عز وجل، يقول {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

فالواجب التقرب الى الله بمحبته وبالصلاة عليه والتقرب إلى الله بالتسليم له {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} هذه هي علامات الايمان التي نسأل الله عز وجل، أن يجعلنا وإياكم ممن يتحلى بها وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى