حديث الجمعة

حديث الجمعة : «التشريعُ شأنٌ إلهيٌ (٢)» يوم الجمعة ١٨ شوال ١٤٤٣هجري

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «التشريعُ شأنٌ إلهيٌ (٢)» يوم الجمعة ١٨ شوال ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

تقدم منا في الاسبوع الماضي بعض الحديث عن التشريع وأنه شأن إلهي، وأهمية هذا الموضوع لا تخفى على أحد، لأن الانسان لا يمكن أن يعيش دون نظام وقانون، يحكم سلوكياته بالإقدام على الفعل أو الإحجام عن الفعل، لا يستثنى من ذلك شيء، حتى شرب الماء الذي تحتاج إليه، تشربه أو لا تشربه، هناك موقف تشريعي من الشرب ومن عدمه، هل تشرب بنظام، يعني مباح لك أن تشرب أو ليس مباحا لك أن تشرب؟

وقد يكون هذا السؤال غير منطقي عند بعض الناس، يقول لي إن هذا أمر بديهي..! نعم بديهي، لأنك ثُقفت على أنك لا تحتاج إلى أن تسأل، لأن هذا من المباحات المعلومة، لكن، لو أن أحدا تديّن لله عز وجل، بالإسلام ولم يولد في بيئة اسلامية، وأخبر أن القرآن الكريم والسنة المطهرة والعقل يقضي بأن الله عز وجل، هو مالك الملك كله، له السموات والارض، المنطق ماذا يقول، العقلي والفطري والاخلاقي والشرعي؟ يقول: ليس لك أن تتصرف في ملك الغير إلّا بإذنه، وبالتالي، من الطبيعي أن يكون المسلم، يجب عليه أن يسعى للتعرف على ما يحل له ويحرم عليه.

لاحظوا، ماذا يقول الله عز وجل في القرآن الكريم؟

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}هذا جانب، يسألونك أو يستفتونك عن الكلالة، القرآن ماذا يجيب؟ {قل الله يفتيكم} القرآن ينبّه، إلى أن الاستفتاء الذي تقدمتم به الى الرسول، حتى الرسول صلى الله عليه وآله، لا يفتي من عنده مع جلالة قدره، وهو أفضل الخلق على الإطلاق، لكن الفتوى، أي الحكم على الشيء، ليس من شأن الرسول، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ناطق عن الله، مثل ما أن القرآن كتاب صامت، الرسول كتاب ناطق يبيّن ما جاء في القرآن الكريم {لِتُبَيِّنَ لَهُمُ} طبعا إذا تبيّن لنا أن هذا هو حكم الرسول، فغيره من باب أولى، الإمام أيضا، لا يأتي بشيء من عنده، فضلا عن الفقيه،

فضلا عن غير الفقيه، ليس لي ولا لك ولا لإحد من الناس أن يقول أن هذا حلال وهذا حرام، إلّا بإذن من الله عز وجل، وبعلم منا عما جاء عن الله عز وجل.

الجاهلية أحد مظاهر الجاهلية التي عِيب عليهم فعلها، هو مسألة التشريع، يحلّون هذا ويحرّمون هذا، ماذا يقول الله عز وجل في “سورة يونس”؟ {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}.

ما الذي فعله هؤلاء؟ رزقٌ ساقه الله عز وجل، إليهم، كالأنعام، جاء هؤلاء الجاهليون دون إذن من الله ولا علم، حتى القرآن وصف هذا الوضع الذي كانوا يعيشونه بأنه جاهلية، جاهلية يعني فيها شقان، جهل وجهالة، الجهل قلة العلم، والجهالة سوء السلوك، وعدم الانضباط الاخلاقي، لذلك قد يوصف الانسان الكبير في السن المتعلم إذا أخطأ، ماذا يقولون؟ جاهل، جاهل لا بمعنى أنه لا يعلم، لكن يعني طائش، يعني عنده جهالة.

فالجاهلية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} الله سبحانه وتعالى، أحدث بدينه قطيعة بين عالمين، بين مجتمعين، بين ثقافتين، الثقافة الجاهلية التي يحكمها أعراف وتقاليد واذواق والثقافة الدينية الاسلامية التي تقول إنك أنت أيها الانسان عبد لله، مفاهيمك تستقيها من الله، سلوكياتك ترجع فيها إلى الله، بل مشاعرك {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}الله حتى في مشاعرنا يتدخل {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} يعني أن المؤمن حينما يأمر أخاه المؤمن بالمعروف وينهاه عن المنكر، لأنه وليّه، أي قريب منه ولأنه يحبه بأمر من الله.

يعني أنت أيها المؤمن لست حرا تحب من تشاء، المودة القلبية وتبغض من تشاء، كلا لست حرا في ذلك، لماذا لست حرا؟ لأن الله أراد ان تكون على الجادة على الصراط المستقيم والصراط المستقيم عندك أو عند الله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فإذن، الهداية الى الصراط المستقيم تفرض علينا أن نتعرف على حكم الله، لأن لله عز وجل، حكما في كل شيء، وهذه قاعدة فقهية لا يختلف عليها فقيهان من فقهاء المسلمين، الكل، حتى أن “الإمام الصادق” عليه أفضل الصلاة والسلام، لما سأله أحدهم عن الحكم الشرعي استأذنه، وله الولاية عليه السلام، قال تأذن؟ فوضع إصبعه على فخذه ضغط على بإصبعه على فخذه، قال حتى هذا يعني الشريعة الاسلامية تنظم سلوكياتك بهذا المقدار، كيف تنام، إذا استيقظت ماذا تفعل؟ إذا أريد الدخول الى بيت الخلاء ماذا تفعل؟ إذا أردت ان تأكل ماذا تفعل؟ إذا أردت أن تقدم على عيادة المريض ماذا تفعل؟ تطيل أو تقصر من الوقت؟ كل هذه الآداب والسنن والأحكام، لأن الله عز وجل، هو العالم بالحسن والقبيح وهو العالم بالصواب والخطأ وهو العالم بالحق والباطل وبالتالي، وهو المالك وقبل هذا وبعده، فله وحده حق التشريع والآية ذكرناها.

التشريع ماذا يعني في لغة الفقهاء؟ يقولون الأحكام خمسة، الأشياء لا تخلو أما أن يكون فعلها واجبا أو فعلها محرما أو فعلها مباحا أو فعلها مستحبا أو فعلها مكروها، والعكس، ترك الأشياء أما أن يكون تركه محرما أو تركه مباحا أو تركه واجبا أو مستحبا او….تطبيق الاحكام في كل شيء، لا يخلو شيء من الأشياء من أن يصبغ ويصطبغ بواحد من هذه الأحكام.

ذكرنا فيما مضى، الفقيه إذن، ماذا يفعل؟

الفقه، حتى لا يتصور بعض الناس، يقول: ليس لنا حق أن نفكر؟ لا، نقول له شويّة،

تعبيرنا “إثقل” وأدرك المسألة قبل ما تشكل، قبل ما تتكلم، تعرّف، أولا، هل تعرف أن مسألة التشريع فقهية أو كلامية؟ لا، مسألة التشريع ليست فقهية، أصل مسألة التشريع مسألة اعتقادية، كلامية، يعني هل أن لله عز وجل، حكما أو ليس له حكما؟ ومقتضيات التوحيد ماذا تعني؟ لأن يقولون التشريع فرع ولاية الله عز وجل، على الكون، الولاية لك أو لله؟ {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} هذا في يوم القيامة، الله عز وجل {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}.

 

نرجع السؤال، لمن الملك اليوم في الدنيا؟ أيضا لله الواحد القهار، لكن هناك فارق، أحكام الله عز وجل نوعان:

أحكام تكوينية، مثل تكوين بدن الانسان الداخلي، هذا تكويني، أنت لا تتحكم، لا في لون الدم ولا في طولك ولا في عرضك.

الأطباء ماذا يفعلون؟ كل علم الطب، علم الطب لا يصنع قوانين في بدن الانسان، وإنما يستكشفها ويتعرّف على خصائص البدن الإنساني، ثم بمقدار ما يتعرّف على هذه القوانين الناظمة لهذا البدن، يعرف متى يكون الانسان سليما في بدنه ومتى يكون عليلا في بدنه، فيأمر بفعل هذا، للصحة، ويأمر بترك هذا، لأنه يسبب المرض، وكلما ازداد الاطباء علما ببدن الانسان، سهل عليهم أن يعيدوا تنظيم هذا البناء أو بدن هذا الانسان في الاتجاه الصحيح.

وخبرات الانسان تزداد، مثلا، في علم الرياضة، الرياضة البدنية، خبرتهم اليوم، أكثر من خبرتهم قبل خمسين، قبل مئة سنة، وإذا لاحظتم راجعوا صور أصحاب الأبدان الرياضية، كمال الاجسام، لماذا هي اليوم أفضل مما كانت في السابق؟ لأن خبراء الرياضة اليوم والأبدان والصحة اليوم اكتشفوا أشياء تؤثر على قدرة الانسان واستثمار القوانين الإلهية فيه، وهذا حكم تكويني، فاستطاعوا أن ينتقلوا به الى وضع لم يتمكنوا منه فيما مضى، هذا حكم الله التكويني، والكون نفس الشيء، حركة الشمس وحركة القمر وغيره، ذكرنا في ما مضى، في الاسبوع الماضي، الهلال ودخول الشهر وخروج الشهر، ليست مسألة تكوينية فقط، هي تكوينية من جانب، لكن لها بعد تشريعي، أحكام الله التشريعية.

مثلاً، الله سبحانه وتعالى لو أنه حكم عليك بأن، لنفترض أصحاب البشرة السوداء لهم حكم – فرض نظري – يعني لا فرق بين عربي ولا عجمي – لكن لو كان هناك حكم لأصحاب البشرة البيضاء، وأصحاب البشرة السوداء، هل في هناك إنسان أبيض أبيض؟ لا ما في إنسان أبيض، هذا تعبير عرفي أبيض، وإلا حتى أصحاب البشرة البيضاء ليس أبيضا مثل ما نسميه ورقة الورق أبيض، هذا برص، هذا تعبير عرفي، كذلك الأسود، حتى حالك السواد، هو أميل للبني الغامق إلى غير ذلك.

هناك أشياء يكلها الله عز وجل إلى العرف، مثل ما يقول الله عز وجل لو أنه {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} التهلكة في أي حدود؟ في بعض مصاديقها توكل إلى العرف، لم يشخص الله عز وجل، في كثير من الأحيان، لذلك، إذا استفتيت الفقيه، يقول لك إذا كان يضرك الماء، لا تستعمله في الغسل أو الوضوء، لكن الفقيه ليس من شأنه يقول لك هذه الحالة التي أنت فيها تضرك أو لا تضرك، أنت أعرف من غيرك، قد يعرفك الطبيب وقد يشخّص هذه الحالة أنت، أما الفقيه، لا شأن له، قد تكون قدرتك البدنية تتحمل هذا، فلا يسمى تهلكة، في حين أن الفقيه لا يحمل قدرتك البدنية حتى يتيسر له أن يحكم بهذا الحكم أو ذاك.

فإذن، التشريع فرع الولاية، الولاية لمن؟ لله عز وجل، الفرق بين الدنيا والآخرة أن الله عز وجل في عالم الدنيا ترك للناس هامشاً {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هذا لا يعني أنك تختار دينك، بحيث كما يروجه البعض، الله سبحانه وتعالى يقول تفسير قوله تعالى{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ويقول {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.

لو أن الله عز وجل يريد هذا الفهم المغلوط، لما أوجب على أحد لو ارتكب ما يوجب الحد أو التعزير أن يعاقب بالحد أو التعزير، لأنك قلت يا رب لا إكراه في الدين، أنا أريد أن أفعل هذا الشيء، فلماذا أعاقب؟ لأن الله عز وجل، إذا قبلتَ دينه وتدينت به، يعاقبك أو يأمر بمعاقبتك لو فعلت هذا الأمر ولا يعاقبك لو لم تطعه، لكن لو أن إنساناً أراد أن يعصي؟! الله سبحانه وتعالى، يترك له هامش الحرية أن يعصي، لكن يؤجل عقابه إلى يوم القيامة، وهناك خلط بين هذين الأمرين، فالملك لله عز وجل، في الآخرة وفي الدنيا، وله الولاية في الدنيا والآخرة على حد سواء.

كذلك أيضاً التشريع – كما يقول أهل المنطق – المناطقة عندهم قاعدة عقلائية وعقلية، الحكم فرع التصور، يعني لو أردت أن تحكم على شيء ما، بحكم ما، كأن تصف الشيء بأنه أبيض، كفيف البصر، الذي لم ير الشيء، هل يستطيع أن يقول هذا أبيض؟ لا يستطيع أن يقول، ولو أنه تكفل أو تصدى لوصف شيئا بالبياض وهو لم يره بعينيه، لضحك الناس عليه، إلّا أن يقول أنا أنقل لكم حكم فلان الذي رآه أنه أبيض أما أنا ككفيف لم أره.

في كل الحالات أنت إذا أردت أن تحكم على شيء بالخطأ أو الصواب، بالحق أو الباطل، بالضلال أو الهدى، بالحلال أو الحرام، يجب عليك أن تتصوره.

أنا وأنت، هل نعرف ماذا تعني الصلاة، في الظهر أربع ركعات؟ لا، ما نستطيع أن نعرف ولذلك نتعبد، الله سبحانه وتعالى، هو الذي يختار الوقت المناسب للصلاة، الكيفية المناسبة للصلاة، وأن يصفها بأنها عمود الدين، أو عماد الدين، كما جاء في الأخبار الشريفة، أما أنا وأنت، ليس لي إلّا أن أُسلّم بما جاء في قول الله وجل {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}.

 

لذلك، من يتكلمون بهذا الكلام بأن لهُ الحق أن يفتي، لهُ الحق أن يتكلم، هو في الحقيقة لابد أن يراجع، يبني، يعيد بناء ثقافته الدينية إلّا أن يقول أنا لا أتكلم بالقرآن الكريم ولا بالسنة المطهرة، أنا أتكلم بما عندي! إذا تتكلم بما عندك، لماذا تشغلنا بهمك الشخصي؟ نحن نريد أن نقول حكم الله ما هو؟ القرآن ماذا يقول؟ الرسول ماذا يقول؟ حكم الله ما هو؟ تأتيني بالآية، بالرواية، وغيرها من الأدلة.

 

لذلك، الله سبحانه وتعالى يميّز، يقول {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} الله سبحانه وتعالى، له علم، له واقع، وهناك علم بهذا الواقع، متى يتيسر لي أو لك أن نطلع على هذا العلم؟ إذا فتح الله عز وجل، بصائرنا وأبصارنا، لذلك، “ابن سينا” ماذا يقول؟ يقول الإنسان يسلب من العلم بمقدار ما يسلب من الحواس، يصاب سمعك بالصمم، ما تستطيع أن تحكم على الأشياء التي تحتاج إلى سمع، لا بد أن تقوم بعملية تعويض.

لذلك، لغة الإشارة، للذين لا يستطيعون أن يتكلموا، لأنه لا يسمع، يحتاج أن يرى، فلو أن هذا لا يسمع ولا يرى، ما ينفعه لا أن تكلمه بالكلام المسموع، ولا أن تشير بيديك بالإشارات المتعارفة بينهم، لأنه يحتاج إلى لغة أخرى، اللمس أو غير ذلك من الأدوات.

 

لاحظوا ماذا يقول إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ} أبيه يعني عمه كما جاء شرح المفسرون {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (*) وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} “إبراهيم” عاتب أباه آزر، اللغة تتحمل أن يوصف العم بالأب – إذا كان زوج الأم – أو التفصيل يذكرونه المفسرون لأن هناك موانع أن يكون أبو النبي “إبراهيم” لأنه جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسلسلة آبائه إلى “آدم” من الموحدين، لا يمكن أن يكونوا مشركين والتفصيل في محله – ما الذي وجد في أبيه آزر هذا؟ اتخذ الأصنام آلهة من دون الله، هذا ضلال، لماذا حكم “إبراهيم” بأن من يتخذ الأصنام آلهة في ضلال مبين؟ لأن “إبراهيم” أراد أن يبين لهم أنه ليس الأصنام لا تصلح أن تتخذ آلهة من دون الله، الشمس والقمر على عظمتهما وفوائدهما، لمّا كانا آفلين {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} المحبة للإله لا تسمح بأن يكون الإله آفلا، لأن الإله يجب أن يكون حياً قيوماً، الآفل إذا غاب عنك، لم يتمكن من السيطرة عليك والإشراف عليك، كيف يكون إلهاً؟ لذلك {ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُۥ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} وجود الله عز وجل، لا يحتمل أن يغيب ولو للحظة ولو لثانية، لا يمكن، وإلّا هذا العالم كيف يدار؟ فكيف بصنم، لا يضر، لا ينفع، لا يسمع، لا يبصر، هذا ضلال، بل ضلال مبين.

كذلك معرفة “إبراهيم” صلوات الله وسلامه عليه، الله سبحانه وتعالى، هو الذي مكّن “إبراهيم” لا أن يحيط بالملك – الملك يعني هذا العالم الذي نشاهده – بل إن الله عز وجل، أراد أن ينتقل بـ”إبراهيم” من العلم العادي إلى علم اليقين، ليكون من الموقنين، ما الذي فعل به؟ أراه ملكوت السماوات والأرض يعني واقع الوجه الآخر، لأن “إبراهيم” ماذا قال؟ في آية أخرى، قال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ} “إبراهيم” ما كان يشك ولا يرتاب في أن الله يحيي ويميت، لكنّ “إبراهيم” أراد أن يطمئن قلبه، بأن يرى كيفية الإحياء والإماتة.

 

الله سبحانه وتعالى مكّن “إبراهيم” بأن يفعل هو ذلك – وأمره بالفعل الذي تعرفونه – أن يأخذ أربعة من الطير ويصرهن إليه، ثم يفعل، إلى أن يدعوهن يأتينه سعيا، فشكلت هذه المخلوقات المطحونة والمعجونة بحيث زاد يقين “إبراهيم” صلوات الله وسلامه عليه، فرأى الواقع كما كان يرى الظاهر.

 

فمسألة التشريع ليست مسألة موكولة إلى أمثالنا، هذا واحد.

 

الأمر الثاني – كما ذكرنا – هو أن التشريع فرع للملكية والقدرة، ماذا يقول الله عز وجل؟ قال {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} الأمور كلها ترجع إلى الله.

إذا كان المهيمن والمسيطر هو الله سبحانه وتعالى، لا شأن لك – أنت العبد أيها المخلوق – أن تحكم بهذا أو بذاك! أنت اليوم تشترك في تطبيق، تطبيق إلكتروني وبرامج إلكترونية، يسألونك بعض الاسئلة، هذه الأسئلة تفرض عليك أن تتفاعل معهم ليكون السيطرة عندهم، تضع البريد الإلكتروني، تضع لك كلمة سر، لتكتشف أنك في الواقع منفعل ولست فاعلا، هذا في شيء صغير، فكيف بمسألة التشريع والتحليل والتحريم، كيف نقحم أنفسنا في عالم يختص بالله عز وجل، ولا نملك القدرة، لا العلمية ولا الكمالية ولا السلطنة، التي تسمح لنا أن نتصدى لمسألة تشريع، لأنها من شؤون الله عز وجل خاصة.

وللحديث تتمة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى