حديث الجمعة

حديث الجمعة : «الإيمان وضبط المشاعر» يوم الجمعة ٢١ جمادى الأول ١٤٤٤ هـ

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الإيمان وضبط المشاعر» يوم الجمعة ٢١ جمادى الأول ١٤٤٤ هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةً من لساني يفقه قولي، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

 

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة – 121]. منّ الله علينا وعليكم وعلى جميع البشرية بهذا الكتاب الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين. وقد وضع الله عز وجل في الكتاب الكريم وأودعه كل ما يحتاجه الناس فيما يرتبط بهدايتهم نحو التي هي أحسن قولاً وعملاً. انطلاقا من هذه الآية الكريمة وعدد من النصوص الشرعية سأتحدث عن «الإيمان وضبط المشاعر».

هل هذا العنوان مهم؟ مسألة التحكم في المشاعر أمر مهم؟ وما هي مدى علاقته بالإيمان؟ وهل يمكن أن نفكك بين الإيمان والمشاعر؟ الجواب: أن هذا الموضوع في أعلى درجات الأهمية ولا يمكن التفكيك بين الإيمان والمشاعر لأن هناك انعكاسا مباشراً للإيمان على المشاعر وهناك تعبير واضح من المشاعر عن الإيمان. إذا أردنا أن نتعرف على الناس من خلال المشاعر لكن لما كانت المشاعر أمراً خفياً،  نحن لا نرى مشاعر الناس وإنما نعرف منهم آثار مشاعرهم. تجده يصفر لونه تقول هو خائف، يحمر لونه تقول هو خجل، وهكذا.

هذه الصنوف من الترجمة الجسدية للمشاعر هي التي تكشف لنا المشاعر. لذلك مسألة المشاعر مسألة شخصية بين الإنسان ونفسه، بين الإنسان وربه. حتى لو أن الإنسان ابتسم في وجهك وقال إنه يحبك ليس بالضرورة يكون صادق في قوله إنه يحبك وأن مشاعره هذه صادقة تجاهك. قد -لا سمح الله- يكون على خلاف ذلك تماماً أو أنه يجامل في المبالغة في التعبير عن مشاعره. هذا الموضوع لماذا هو مهم؟ لأن المشاعر هي الحلقة الوسيطة بين المفاهيم التي تعتمر في ذهن الإنسان أي الصورة الذهنية لدى كل إنسان منا عن كل شيء، وبين السلوك نحن إنما نفعل الشيء وهذا سلوك، أو لا نفعله وهذا سلوك، بناء على الصورة التي تكونت في أذهاننا على أن هذا الشيء حسن فنفعله، قبيحاً فنتركه. الحلقة الوسيطة والجسر الرابط بين السلوك والمفاهيم هي هذه المشاعر. الإنسان ليس بمجرد أن يعرف أن هذا الشيء حسن يفعله، وإنما لا بد أن يرغب فيه ويميل إليه. أما إذا تكونت لديه صورة معاكسة ولّدت لديه العزوف عن الشيء حتى لو كان الشيء حسناً في ذاته، لا يمكن أن يتصرف الإنسان بناء على هذه الصورة السيئة بالإقدام على فعل حسن بالطريقة المعهودة.

القرآن ماذا يقول؟ الله -سبحانه وتعالى- يقول: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود – 28]. فإذاً، الكراهية إذا تولدت في الإنسان والكراهية مشاعر كما أن الحب مشاعر. إذا كره الإنسان شيئاً لا يقدم على فعله إلا أن يُجبر عليه ويُكره، نحن نتكلم في دائرة الأفعال الاختيارية. لاحظوا ماذا يقول الإمام الباقر -عليه أفضل الصلاة والسلام-. طبعاً المفاهيم والعلوم لها ضوابط قد نشير إليها، كذلك المشاعر لها ضوابط، والسلوك له ضوابط، حينما نأمر أنفسنا ويأمرنا الله -عز وجل-  بأن نتقي الله، نتقي الله في الغالب في السلوك لكن التقوى لا تقف عند حدود السلوك. حتى في مشاعرك يجب أن تكون متقياً لله: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ} [الشورى – 23] المودة أمر قلبي. الله -سبحانه وتعالى- يأمر رسوله بأن يطالب الناس فهذا ليس مطلباً من رسول الله، ليس هذا طلباً من رسول الله للأجرة، هذا طلب من الله أمر رسوله الكريم أن يطالب الناس به.

كيف يستطيع الإنسان أن يلزم نفسه بمودة القربى الذين أمر الله -عز وجل- بمحبتهم؟ يعني افتح عينيك، افتح ذهنك، افتح عقلك، لتتأمل الكمال المتوفر في هؤلاء الذين أمر الله -عز وجل- بمودتهم. فلو أن الإنسان انعكست لديه الصورة أو ما عاد يحب أهل البيت معناه أن الصورة اختلت عنده! العيب ليس في المُصوَّر العيب في الصورة وصاحب الصورة يجب عليه أن يصحح مفاهيمه. فإذاً هناك ضوابط يقول الإمام الباقر -عليه السلام- في الرواية مروية عنه: «إنما المؤمن» هذه أداة حصر يعني كمال الإيمان إذا أردنا مؤمناً حقيقياً هو هذا «إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق والذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق». المحور هنا ما هو؟ الرضا والسُخط يُترجم بالفعل وعدم الفعل. الإنسان إذا أحب، هل المؤمن يسترسل وراء مشاعره يحب ما يشاء؟ يبغض ما يشاء؟ يكره ما يشاء؟ يرضى عما يشاء؟ يسخط عما يشاء؟ الجواب كلا. المؤمن لديه خريطة من الله -سبحانه وتعالى- تصور له الحق والباطل، الحسن والقبيح، الخير والشر، وعلى ضوء هذه الصورة والخريطة أمرنا الله -عز وجل- بأن نفعل ولا نفعل. نفعل بنحو الوجوب تارة وبنحو الاستحباب أخرى، لا نفعل بنحو التحريم تارة وبنحو الكراهية تارة أخرى. وبين هذا وذاك الله -سبحانه وتعالى- يفرض علينا أن نصور أو نتحكم في مشاعرنا ونبنيها بناءً على هذه الصور. لذلك نحتاج إلى ماذا؟ نحتاج إلى العلم والتفقه الإنسان دون أن يحمل صورة صحيحة عن نفسه وعن الكون وعن الله -عز وجل- لا يستطيع أن يفعل الشيء الحسن «من عرف نفسه فقد عرف ربه». يعني الإنسان لو أدرك نفسه لها أكثر من تعبير. يقولون من عرف نفسه بالفقر عرف الله بالغنى، من عرف نفسه بالفناء عرف الله بالبقاء، من عرف نفسه بأن الفرصة محدودة لديه وأنه لا يملك من أمره شيئا. اتجه إلى الله -عز وجل-  الذي بيده كل شيء. {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف – 54].

الإنسان المؤمن سهلٌ عليه أن يتوكل على الله وأن يفوض أمره إلى الله وأن يحتمل ويصبر على المصائب والمآسي التي يمكن أن تحل به إما نتيجة قصور أو نتيجة تقصير أو نتيجة ابتلاء. لذلك تكون نفسه نفسٌ مطمئنة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر – 27 – 28] هذا نص.

نص آخر عن الإمام الصادق -عليه السلام- يقول فيه: «ثلاثة من علامات المؤمن العلم بالله ومن يحب ومن يكره» المؤمن الصادق في تطوير إيمانه بل الصادق في دعواه الإيمان لا يمكن إلا أن يسعى في معرفة الله -عز وجل- لأن الإنسان لا يحسن أن يفعل شيئاً على الوجه المطلوب إلا بقدر ما يعرف. شخص يريد أن يركب السيارة دون أن يتدرب على السيارة وقيادة السيارة لا يستطيع أن يركبها. يريد أن يلعب كُرة الناس يتفرجون على الكُرة. لماذا يستحسن الناس هذا اللاعب دون هذا اللاعب؟ لأنهم يعلمون أن هذه هي الطريقة الصائبة في اللعب. وتلك هي الطريقة غير الصائبة في اللعب. فإذاً العلم إذا كان في لعب الكرة وإذا كان في قيادة السيارة وإذا كان في الخبز والطهي والحدادة والنجارة وأصغر شيئاً في الحياة يتوقف على أن يكون الإنسان عالماً به وكلما ازداد علما سهل عليه أن يستثمر معلوماته لتحقيق مصالحه. كيف إذا زاد علمه بالله عز وجل؟ إذا علم عن الله عز وجل ما يجب أن يُعلم سهل عليه.

السيدة زينب -عليها أفضل الصلاة والسلام- لمّا خاطبها ذاك الطاغية وقال: «ما رأيت صنع الله بأخيك؟» ما أسرع ما قالت: «ما رأيت إلا جميلا». الإمام علي -عليه أفضل الصلاة والسلام- لما ضُرب تلك الضربة المشؤومة من ذلك العبد المشؤوم قال: «فزت ورب الكعبة».

في الغالب الناس إذا حل بهم مثل هذا المصاب يولول، يصرخ، لا يستطيع أن يتماسك. وهذا نشاهده من أنفسنا ومن الآخرين السبب هو الجهل الذي يسيطر على الإنسان يجعل الصورة لديه مختلطة. فإذاً الإمام الصادق -عليه السلام- يقول: «ثلاث من علامات المؤمن العلم بالله» والعلم مراتب {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر – 9]. لا ينبغي لأحد أن يستهين بمسألة العلم وبطبيعة الحال شُعب العلوم وحقول العلوم متعددة. الإمام يقول: «من علامات المؤمن العلم بالله» ليس العلم بالكمبيوتر والعلم بالجوال والعلم بالسيارة العلم بالسيارة وهذه قد يتيسر وهذا للكافر ولا يتيسر للمؤمن. هل نعد هذا متخلفاً كما يسعى بعضهم؟ يقول أنتم أيها المتدينون لم تصنعوا لنا آيفون! إيه ما يخالف الغير يصنع آيفون لكن أنا أرجو أن أصنع لي بيتاً في الجنة. وبين هذا وذاك مثل ما بين السماء والأرض! فرق كبير مع أنه لا تنافي بين أن يكون المؤمن ساعياً بل يجب أن يكون المؤمن ساعياً في بناء جنته وإصلاح حال دنياه، هذا أمر مطلوب. لكن يجب أن لا يكون بناء الدنيا على حساب الآخرة، تبنى الآخرة وتبنى الدنيا «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا». فالإمام- عليه السلام- يقول العلم بالله هذا محددا وعلامة.

العلامة الثانية ومن يحب ومن يكره. هنا يمكن أن نفسر هذا النص بتفسيرين لا تنافي بينهما. إما أن نقول بأنه من يحب يعني من يحب الله ومن يكره الله لأن الله عز وجل يحب أناساً {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة – 195] وفي المقابل لا يحب المفسدين. إذا كان الله عز وجل لا يحب الظالمين يعني يحب المقسطين أي المحسنين والعدول الذين يؤدون أعمالهم فإذاً الله- سبحانه وتعالى- له محبة وله كراهية له بغضاء. المؤمن ينظم محبته وكراهيته له على وفق ما أحب الله وكره. أو لا؟

التفسير الثاني هو أن المؤمن بناء على علمه بالله عز وجل ينظم محبته وكراهيته. فالشيء الذي يقربه إلى الله يحبه. الشيء الذي يبعده عن الله عز وجل يبغضه أشد البغض. هنا يتفاوت الناس في محبتهم وكراهيتهم للأفعال والذوات والأشياء بناء على علمهم بالله عز وجل. وبالتالي الخريطة الذهنية عند الرسول والأولياء الكبار والعظام تختلف عن الخريطة الذهنية الموجودة عند أواسط الناس فضلاً عن من هم دون ذلك. فإذاً هذان النصان مضافاً إلى الآية الكريمة يمكن أن نقول تحدد لنا محددات خمسة. حتى نعرف كيف يجب على المؤمن أن يتحكم في مشاعره؟ وما هي الطريقة التي يتحدد أو يستعين بها الإنسان على ضبط مشاعره وهذا أمر هام لا ينبغي أن يستهان به. الإنسان يغضب هل يحق لكل من غضب أن يتفوه بأي كلمة؟ إيمانك يمنعك، لا تستطيع كمؤمن أن تتصرف أي تصرف وتسترسل وراء مشاعرك كما يظنه بعض الناس. يقول أنا كنت في حالة غضب، نعم إذا كان هذا هو فعلك وكنت كلما غضبت صدر منك أي سلوك من السلوكيات في حالات الغضب لا تكون من المؤمنين. في حالات الرضا أيضاً لا يجوز للإنسان أن يسترسل وراء رضاه بحيث إذا رضي عن أحد لا يعنيه أن يفعل ذلك الأحد المرضي عنه الحسن والقبيح. كما يقال في المثل الشعبي «القرد في عين أمه غزال» لا عمى المؤمن مول لا يرى ولده قرداً ولا يراه غزالاً يراه محقاً ومبطلاً محسناً ومسيئاً. بعض الناس إذا دخل عليه ولده وقد أدمي وجهه يصدر منه كلمات من هذا الذي أبوه وأمه كذا الذي فعل بك؟ تمهل! قد يكون ولدك هذا هو الذي فعل بنفسه هذا! أو يكون هو الذي اعتدى على الآخرين رد فعل فيكون الذين ضربوه مصيبين فيما فعلوه به. لا ينبغي للإنسان، نعم من حقك أن تسأل، من حقك أن تقلق على هذا الولد لما أصابه لكن لا تتسرع في اتخاذ المواقف نتيجة انفعالاتك العانية.

نذكر المحددات الخمسة بشكل سريع، المحدد الأول بناء على هذه الآية والروايتين الكريمتين والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يروى عنه يقول: «حبك الشيء يعمي ويصم» فلننتبه مشاعرك التي تجعلك تحب لا يجوز للإنسان أن يسترسل وراءها إلا بعد أن يتيقن بأن هذا الذي يحبه تتوافق صورته كمحبوب مع الصورة الصحيحة التي تكونت لديه أنه مما يجب أن نحبه أو لا.

 

المحدد الأول: التأسيس الإيماني

الإيمان ليس حالة شعاراتية ليست شعار هي يكتفى من الإنسان. نعم، من الناحية الظاهرية كل من يقول «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، هذا من المؤمنين من المسلمين الذين يجب أن نرتب عليهم آثار المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم. لكن هذا لا يعني أن نعطيه شيك على بياض كما يقال بأن نزكي كل أفعاله! نعم، هو أحسن في نطقه بالشهادتين ونتعامل معه على أنه من المسلمين. لكن من الناحية الثانية، إذا وجدنا لديه تصرفات تتنافى وإسلامه وإيمانه يجب أن نفكك بين هذين المشهدين لا نخلط بين هذا وبين ذاك. الإمام الباقر -عليه السلام-  يقول في التأسيس الإيماني حتى لا يصير الإيمان قشرياً ظاهرياً «المؤمن أصلب من الجبل. يستقل من الجبل الجبل يستقل منه». يعني تقتلع حجارته «والمؤمن لا يستقل من دينه شيء. أغلى ما لدى المؤمن إيمانه» الذي إذا عرف أن هذا مما أحله الله فعله، وإذا كان هذا مما يحرمه الله يبيع يبيع الدنيا كلها ولا يرتكب ما حرم الله -عز وجل-.  لذلك لا يزني الزاني وهو مؤمن، لا يمكن لا يتصور أن المؤمن في حالة ارتكابه هذه الفاحشة أن يدعي أنه من المؤمنين، لا في تلك الحالة ليس من المؤمنين، ولو برر عمله لا يكون من المؤمنين. وقس على هذا كل نوع من أنواع الحرام وكثير من الناس يتلاعب الشيطان بهم فتتصور هو يرتكب المنكر فإذا خطب في المنكر برر وحول منكره إلى معروف والمعروف إلى منكر. أين هو الإيمان؟ هذه خطيرة.

 

المحدد الثاني: مراعاة الحق

إذا أسس المؤمن إيمانه على أساس متين لا يمكن إلا أن يراعي الحق والناس يتفاوتون في هذا. هناك من بلغ درجة العصمة وهم معروفون. دونهم من الناس لا يستطيعون أن يراعوا الحق مئة بالمئة. لكن يجب علينا أن نبذل جهدنا في أن نراعي الحق. النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي صاحبه النجيب أبا ذر: «ليكن لك في كل عمل نية» هذه الآداب التي أدبنا بها الشارع المقدس، يجب أن لا يستهين بها الناس. يقول ليس أمراً مهماً أنك إذا أردت أن تأكل تقول بسم الله، إذا انتهيت من الأكل أن تقول الحمد لله. بل على كل لقمة يستحب أن يسمي الإنسان وأن يحمد الله -عز وجل- إذا فرغ منها. هذه التصرفات صحيحة أنها صغيرة لكن هي في الحقيقة تنظم عملية الإيمان وتنحته نحتاُ، تبنيه بناء أساسياً لأن الإنسان إذا حرص على المستحب وأن يفعله وعلى المكروه ألا يفعله قوي إيمانه في فعل الواجب وفي ترك الحرام. أما إذا استهان بهذا! سهل عليه أن يستهين بذاك لأن من حام حول الحمى وقع فيه.

 

المحدد الثالث: تجنب الإثم

المؤمن إذا عرف أن هذا حق وراعاه وعرف أن هذا إثم لا يمكن إلا أن يراعيه فيتجنبه وإلا لا يكن مؤمناً حتى لا نحول الإيمان إلى حالة شعاراتية. يأتي أحدهم ويفهم حب أمير المؤمنين -عليه أفضل الصلاة والسلام- وهو من أوجب الواجبات فهماً خاطئاً ويقول حب علي لا تضر معه سيئة! نعم هذا صحيح في جانب، لكن متى يكون الإنسان محبا لعلي إذا راعى الحق؟ أما إذا ارتكب الباطل، علي لا يرضى بالباطل. فإذا أحب الإنسان الباطل وفعله انخدش إيمانه سلم محبته لعلي -عليه السلام- لأن علي صلوات الله وسلامه عليه يمثل الرسول والرسول يمثل الله ولا يمكن للمؤمن إلا أن يحب الله ورسوله وعلياً والأئمة فعل الحق لا بفعل الباطل ولا بتبريره.

 

المحدد الرابع: عدم الاسترسال وراء المشاعر

وهذا يحتاج إلى تمرين وضبط حتى يعود الإنسان نفسه على عدم التسرع. ولعل الله -سبحانه وتعالى- حينما بيّن في الكتاب الكريم أنه {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف – 54]. لعل هذا أحد الحكم، الله -سبحانه وتعالى-  يقول في القرآن {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس – 82] يحتاج ستة أيام يعني ستة أطوار ست مراحل، الله لا يحتاج إلى هذا لكن لعله يريد أن ينبه الناس إلى أن التنظيم والترتيب وفعل كل شيء يعني تقديم المتقدم وتأخير المتأخر وتوسيطه للمتوسط أمر حسن، هذا نوع من أنواع الترتيب.

 

المحدد الخامس والأخير: الانضباط العلمي

لا يستطيع الإنسان أن ينضبط عملياً إذا لم ينضبط علمياً ومن ثم نفهم ما جاء عن الإمام -عليه أفضل الصلاة والسلام-: «لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقهون في الدين لأوجعت ظهره بالسوط». الإمام لا يريد أن يعني يبين أهمية العلم فقط وإنما خطورة ترك العلم. الإنسان إذا لم يعرف الحلال والحرام والحق والباطل والخيرين والأشرار سيكون ممن ينفقون مع كل ناعق. الإمام علي -عليه السلام- يقول: «الناس ثلاثة فعالم رباني أو متعلم على سبيل نجاة أو همج رعاع» من هم الهمج الرعاع؟ الذين يُطبل لهم ويتحركون، الدعاية والإعلام والإعلانات والجو العام وحشر مع الناس عيد هذا هو المنطق الذي يتهكم في الهمج الرعاع. فإذا سألته ما هي فلسفتك وراء هذا الاهتمام بهذا الشيء؟ لا يملك فلسفة مرضية لله -عز وجل-. نعم، هو يستطيع أن يقول نضيع وقتاً! لكن هل الله -سبحانه وتعالى-  خلقنا في هذه الدنيا حتى نضيع وقتاً؟ يعني عندك من الوقت متسع تضيع وقت؟ ما عندك جنة ما أمامك -لا سمح الله- مخاطر؟! يحتاج أن تدفع بنفسك إلى تجنبها. هذا ما يحتاجه الإنسان إلى أن يعمل عليه إذا أراد مشاعر منضبطة وإيماناً مؤسساً.

 

نسأل الله -عز وجل-  أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً.

 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضى عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى