حديث الجمعة

حديث الجمعة : «الحكمة وصفاً للخالق والمخلوق – ١»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الحكمة وصفاً للخالق والمخلوق – ١» يوم الجمعة ٢ صفر ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

فإنه عز وجل، يقول {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}.

الحكمة في اللغة العربية مشتقة من مادة “الحاء والكاف والميم ح ك م” والتي تعني الإتقان وشد الشيء بعضه إلى بعض. والإنسان إنما يوصف بالحكمة، إذا كان قادراً على أن يضع كل شيء في موضعه.

الله سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم، في مواضع متعددة، منها الآية التي صدرنا بها الحديث، تؤكد أن الحكمة أمر أو وصف وهبي وليس وصفاً كسبياً، يعني ليس شيئاً تبذله أنت، تبذل جهداً من أجل أن تنال الحكمة، طبعاً قد يقول أحد نحن نذهب إلى المدرسة ونتعلم ونقرأ، تتكامل شخصياتنا، نحن قبل التعلم في حال وبعد التعلم في حال آخر، نكتسب خبرة، نكتسب تمرس، نتجنب كثيراً من الأخطاء، نحسن أشياء ما كنا نحسنها سابقاً، أليس هذا شكل من أشكال الحكمة؟

نقول: نعم، لكن الآية لا تتحدث عن هذا المستوى من الحكمة، هذا مستوى متدني جداً.

ما يريده الله عز وجل، من المؤمنين أن يكونوا في أعلى مراتب الحكمة، الحكمة التي تجعلهم يضمنون السعادة النهائية، تجعلهم من أهل الجنة ومن أصحاب الجنة، هذه الحكمة ليست شيئاً يستطيع الناس أن يكتسبوه أو يكسبوه بجهد أنفسهم وإنما لابد أن يتلقوه من الله سبحانه وتعالى، وهذا واحد من وجوه حاجتنا إلى النبوات وإلى الدين السماوي من الله عز وجل.

يقول الحق سبحانه وتعالى، عن ضرورة أن يكون الإنسان متديناً بدين الله عز وجل {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ} المؤمنين لهم سبيل، أو {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} الإسلام كيف نناله؟ كيف نكسبه؟

ليس شيئاً يستطيع الناس أن يجتمعوا، مهما اجتمع الناس كلهم، لا يستطيعون أن يتفقوا على تدوين دستور يغنيهم عن دين الله عز وجل.

لذلك، الله سبحانه وتعالى، يؤكد على أن له الخلق والأمر، أمر الناس يستطيع الناس أن يدبرون بعض شؤونهم فيما بينم، والله عز وجل، يؤدبنا على هذا، يقول: {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} هذا أمر الناس، لكن أمر الله -والجنة من شؤون الله، ليست من شؤون الناس- لا يستطيع الناس أن يتوافقوا فيما بينهم على أن الطريق إلى الجنة هو هذا، لا، الحق سبحانه وتعالى، حدد للجنة أبواباً وباباً، من لم يدخل الجنة من هذا الباب، لا يستطيع أن ينال الجنة، وبالتالي سيكون تصرفه تصرفاً عبثياً.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل، في سورة النساء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

الحكمة قبل أن يوصف بها العبد -وهي نعمة- لو أن الإنسان نال الحكمة من الله عز وجل، سيكون قد نال خيراً كثيراً، كما تؤكد الآية الشريفة، لكن الحكمة قبل ذلك وصف لله سبحانه وتعالى، والآية تؤكد في مواضع كثيرة، ومنها هذه الآية {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} لكن قد تسأل: الآية تقول {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} وكان في اللغة العربية تُستخدم للإخبار عن شيء مضى، هل يُتصور أن الله عز وجل، كان فيما مضى عليماً حكيماً والآن ليس كذلك؟ نعوذ بالله، لا يقول أحد من الناس كذلك.

لكن كان في اللغة العربية تارة تُستعمل للدلالة على شيء متحقق، يُلاحظ فيه الزمن فنقول كان فلان سميناً، كان فلان حياً، كان فلان في الحال الفلانية، فإذا تبدلت حالت صح أن نصفه بهذا، يعني إذا صار جاهلاً نقول كان عالماً، لكن فيما يتعلق بالله عزو جل، الله لا يحكمه لا مكان ولا زمان.

وبالتالي، لو استعملنا وصف أو أداة كان ووصفنا فيها الله عز وجل، مثل هذه {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} الله لا يحكمه الحاضر ولا الماضي ولا المستقبل، أهل النحو يقولون هذه منسلخة عن الزمان وتُستعمل في حق الله عز وجل، من باب التأكيد، أشبه ما تقول “إن الله عليم حكيم” لكن يُؤتى بهذه الصيغة لمسائل بلاغية تتعلق بالأسلوب العربي.

الله سبحانه وتعالى، يتصف بالحكمة، لكن الفرق بين طلبنا للحكمة ووصف الله عز وجل، نفسه بالحكمة هو الفرق بين أمرين:

أولاً – الحكمة في الإنسان مكتسبة، يعني لم تكن ثم كانت، الإنسان قبل أن يولد ليس حكيماً، أوائل ما يولد ليس حكيماً، يُعلَم يتعلم، يجتهد، يصبح حكيماً، ثم تأتيه الحكمة شيئأ فشيئاً.

فإذن، هناك إنسان موصوف وهناك صفة هي الحكمة، صفات الله عز وجل، فيما يتعلق بالحكمة هنا، فعل الله حكيم، لكن الله عز وجل، ذاته تقتضي العلم، ذاته تقتضي الحياة، ذاته تقتضي القدرة.

أوصاف الله نوعان:

أوصاف ذاتية، يعني وصف الله عز وجل، بالقدرة وبالعلم وبالحياة، لا تعني أن هناك أمرين صفة وموصوف، يقول أمير المؤمنين: (لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف) (كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه) كيف ننفي الصفات عنه والقرآن مليء بالصفات؟

يقول لا، ليس المقصود أن لا نصف الله بشيء، وإنما أن لا نصف الله بشيء طارئ عليه، الله لا يتغير، حاله لا يتغير، الله كله علم، ذاته العلم، نعم، في مقام التحليل نحن والدراسة والتعرف، نضع اعتبارات لا نستطيع أن نلاحظ العلم والقدرة في آن واحد، إما أن نلاحظ العلم فنتكلم عن العلم، أو نلاحظ القدرة، فنتكلم عن القدرة، قدراتنا محدودة.

لكن الله عز وجل، حينما يسمي نفسه (الله) الفرق بين الله وبين الوهاب هو أن (الوهاب) هو اسم لله عز وجل، يحكي جانباً من جوانب كماله، وهي “الوهابية” أو “القادرية” أو “العالِمية” أو غير ذلك من الأوصاف، لكن حينما نقول “الله” يعني يستجمع جميع صفات الجمال والجلال، كل كمالات الله عز وجل، موجودة في كلمة “الله”.

لذلك بعضهم يقول هذا هو الاسم الأعظم، طبعاً لا نعني الحروف، ليس الألف واللام واللام والهاء، لا، هذا تعبير عربي عن ذات الله عز وجل، المستجمعة لجميع صفات الكمال، جمالاً وجلالاً.

الله سبحانه وتعالى، حينما يقول {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} يصف نفسه سبحانه وتعالى، بالعلم والحكمة، بعد أن قال ماذا؟ خاطب الناس، ليس خطاباً للمؤمنين فقط، يخاطب الناس أن الأنبياء الذين بعثناهم إليكم، بالخصوص خاتمهم وسيدهم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} هذا الرسول الذي بعثناه إليكم، أولاً، هو لم يأتي بشيء من عنده، هو رسول {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} الرسول حامل أمانة، لذلك، هناك “رسالة” وهناك “مُرسِل” وهناك “مُرسَل” هذا رسول.

فإذن، هو أمين، جاء بشيء من الله سبحانه وتعالى، أرسله الله إليكم، جاءكم بماذا؟ بالحق، بالحق في مقابل الباطل، في مقابل الأوهام، في مقابل الاعتبارات، الناس قد يتوافقون فيما بينهم على أعراف، ينظمون بها شؤون حياتهم، لكن هذه الأعراف قد تكون مقبولة عند جماعات أخرى وقد لا تكون كذلك، الذين لا يقبلونها يسمونها باطل، الذين يقبلونها يسمونها حق.

الله سبحانه وتعالى، ما جاء به إلى الناس من خلال الرسل أو بواسطة الرسل، كله حق، لأن الله حق لا يصدر منه إلا الحق، فإذاً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} والحكمة حق.

بالحق من ماذا؟ من عنده؟ طبعاً النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسائر الأنبياء، نحن نشترط فيهم منتهى الكمال البشري، يجب أن يكونوا أفضل أهل زمانهم، إذا كان أفضل أهل زمانهم يعني أعلمهم أشجعهم أفضلهم من كل النواحي، أليس المفروض أنه حكيم وقادر على أن يأتي بشيء من عنده؟

نقول: لا، هذا الذي بعث الله عز وجل، الأنبياء به، ليس شيئاً يتأتى من الأنبياء أن يأتوا به من عندياتهم، لذلك نجد أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، لما شنوا حملة شعواء على القياس، كأداة يُستنبط بها الأحكام الشرعية، لماذا فعلوا ذلك؟

قالوا (إن دين الله لا يُصاب بالعقول) عقول البشر لا تستطيع أن تستوعب الحقائق كما هي ويضعوا لهذا حكم ولذاك حكم ولهذه الحالة حل ولتلك الحالة حل، نستطيع في حدود معينة، لكن متى ما تجاوز الأمر قدراتنا، لا نستطيع نحن أن نضع الحلول الشرعية، الحلول الشرعية تأتي من عند الله عز وجل.

فإذن {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ} وصف الله عز وجل، نفسه هنا بأن الرسول جاء بالحق من ربكم، فيه إشعار للناس حتى تطمئن نفوسهم، بأن النبي أولاً حامل لأمانة، تحت إشراف الله ورقابته، لا يتقوّل على الله عز وجل، بكثير ولا بقليل، أنتم أيها الناس لا ينبغي أن تستشعروا أن الأحكام الشرعية ثقيلة عليكم، حتى لو بدا أنها كذلك، لكن متى ما علمتم بأنها من ربكم، وصف الله عز وجل، نفسه بالرب يعني المتولي لتربيتكم، المربي ماذا يفعل؟ يربي يعني ينتقل بمن يتولى تربيته من الحال السيء إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن، هذا شأن المربي. لذلك، لو أن الإنسان إذا كُلف بتربية أحد ولم يُحسن تربيته، نقول أساء الفعل في الأداء التربوي، ما نجح في أداءه التربوي، الله سبحانه وتعالى، رب الناس على الإطلاق، بل رب العالمين، ولذلك الآية ماذا تقول؟ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

كل خير وصل إليك، إنما جاء من عند الله عز وجل، ولم يصل إليك فقط، بل لأن الله عز وجل، يربُك -أي يتولى تربيتك- ويربُ غيرك من الموجودات، هو رب العالمين، فإذن، هو من ربكم.

[إذن] ما هو المطلوب منا؟ الله سبحانه وتعالى، يقول {فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ} إذا كان هذا هو شأن الله وهذا هو شأن الرسول وهذا هو شأن المادة التي كلُف الرسول أن يوصلها إليكم، الموقف الحكيم ما هو؟ {فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ} الفوائد والمنافع من الإيمان بالله عز وجل، وبالحق الآتي من عنده، لا تعود مصلحته إلى الله عز وجل، فهو الغني الحميد، ولا تعود مصلحته حت إلى الأنبياء، لأن لهم الفضل علينا وليس لنا الفضل عليهم.

{فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ} طبعاً هذا فئة من الناس يوفقها الله عز وجل، وإن كانوا قلة عبر التاريخ {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} الفئة الأخرى تكفر، والكفر مستويات ومراتب، كما أن الإيمان مستويات ومراتب، هناك من يكفر بالله جملة وتفصيلاً، هناك من يؤمن بالله موجوداً، لكن لا يذعن بربوبيته، هناك من يدخل في دين الله عز وجل، لكن يقبل بعض الأحكام دون البعض، وهذا البعض قد يزيد في جماعة وقد ينقص في جماعة أخرى، الحكيم هو من يتبع ملة إبراهيم أسلمت وجهي للذي فطر السماوات والأرض والآية ماذا تقول؟

{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} يعني تعامل مع نفسه بسفه، رضي أن يكون سفيهاً، لأنه تخلى عن سبيل الرشد، واتبع سبيل الغي، هذه الفئة، فئة السفهاء، تقول الآية عنهم {وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.

هذا الموقف الذي يتخذه المتمرد على الله، أياً كان مستوى التمرد، هل يحسب أنه يستطيع أن يتحدى الله ويعاند الله ويقتطع من ملك الله عز وجل، شيء؟

الله سبحانه وتعالى، يقول إن ذهبت يميناً أو ذهبت شمالاً أمرك بيد الله، رزقك بيد الله، جئت إلى الدنيا بأمر الله وتخرج من الدنيا بأمر الله، ليس بأمرك، حتى هذا الذي يقدم على أن يقتل نفسه، صحيح أنه التقت إرادته مع مشيئة الله، لكن قد يعزم الإنسان على أن يقتل نفسه، لكن إذا لم يحن أجله، يسقط من شاهق، لكن أجله الذي لم يحن لا يجعله ميتا، قد يصاب بجروح وقد يسلم من كل هذا، لأن قرار الموت والحياة بيد الله عز وجل، هو يحيي ويميت.

فيقول {وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} يعني الله سبحانه وتعالى، حينما يصنف الناس إلى أن هناك من يؤمن وأن هناك من يكفر، ليس لا يعلمهم، يعلم من سيؤمن، يعلم من سيكفر، كم عدد هؤلاء وكم عدد هؤلاء؟ أين يتواجد هؤلاء وأين يتواجد أولئك؟ ما هي الدواعي والظروف التي جعلتهم يندفعون إلى الإيمان أو إلى الكفر نعوذ بالله؟ كل هذا تحت علم الله عز وجل، ثم إن مشيئته تعلقت أن يُترك لهم العنان لحكمة الله عز وجل.

الله سبحانه وتعالى، لأنه حكيم ترك للناس أن يختاروا، لأنه كان بإمكانه عز وجل، وهو القادر أن يجعل الناس كالملائكة، لا يعصون الله ما أمرهم، لكن هذا خلاف ما قرره هو عز وجل، من أصل خلقة البشر، وهناك أسئلة لا نستطيع أن نجيب عنها.

الحكمة، هل يمكن أن نذكر لها ركائز حتى ننتقل فيما بعد للتعرف على بعض تجليات حكمة الله عز وجل، حتى نتأسى به ونتحلى ببعض أخلاق الله عز وجل، في الحكمة؟ كيف يكون الإنسان حكيماً؟

نذكر ثلاثة أمور تعتبر كل واحدة منها ضلع أو ركيزة:

الأمر الأول: القصد المحمود.

الحكيم لا يُحكم في ميزان الله عز وجل، بأنه حكيم لأن ما صدر منه حكيم، بل لابد أن تُلاحظ هذه الأمور الثلاثة، أولاً قصده حميد، محمود، نيته حسنة {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ} يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الحديث المعروف (إنما الأعمال بالنيات) ويقول الله عز وجل {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.

القلب أمره مهم، بعض الناس يظن أن إذا أردنا أن نشيد بفلان من الناس، نقول “فعل كذا وفعل كذا” هذا أمر جيد، لكن ليس بالضرورة الفعل الجيد يحكي عن نية حسنة، قبل هذا يجب أن نتحقق من النية، الإنسان الحكيم مثل ما يحرص على عمله الجيد، يحرص على نيته الحميدة، نيته الحسنة، فإذاً القصد المحمود.

الضلع الثاني: الفعل الحسن.

لا يكفي أن يكون الإنسان نيته طيبة ويريد أن يعمل، الخوارج وأمثال الخوارج وأشباههم كثير عبر التاريخ، يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، هم يظنون ظنا و{الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} الله سبحانه وتعالى، بيّن لنا، لو أن الإنسان يقول كيف يكون الإنسان له نية حسنة؟ هناك برنامج مفصل من الله عز وجل، أُودع في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، يعلمك كيف تكون نيتك حسنة، وليس هذا بالأمر الهين، لكنه ليس بالأمر الصعب، هو هين لمن أراده، وعسير على من قصّر في حقه، إذا استعنت بالله عز وجل، سهل عليك أن تطوي هذا الطريق الطويل في لمحة.

“السحرة” في زمن فرعون لم يكن عندهم مشوار طويل من التعبّد والإيمان بالله، بل إلى قبل لقائهم لموسى عليه أفضل الصلاة والسلام، في يوم العيد الذي جمعهم فيه فرعون، كانوا مصنفين ضمن الكفار، لكن بلغ بهم اليقين والنية الصادقة، أن يقولوا لفرعون {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} كيف؟ نيتهم كانت حسنة، نعم كانوا يعيشون في بيئة منحرفة، تأثروا بها، لكن كانوا طلاب حق، لكن ليس كل إنسان يطلب الحق، إذا لم يكن في الطلب وساعياً، يعني يصدق في طلبه في إرادته الحق، ويكون جاداً في سعيه لطلب الحق، وهذا يحتاج إلى شغل، مثل ما أن الشجرة لا تنمو عفواً ولا تثمر عفواً وإنما تحتاج إلى رعاية، الإنسان يحتاج إلى رعاية أشد حتى يكون من أهل الحكمة.

لكن الزمن، الله سبحانه وتعالى، قد يطويه في فترة قصيرة جداً، بحيث لا يتصور الإنسان كيف انتقل فلان من ضفة الباطل إلى ضفة الحق، القرآن الكريم ساق لنا بعض النماذج وساق لنا بعض النماذج الأخرى، جماعة عاشوا في حضن الأنبياء، أبناء أنبياء، أبناء أئمة، ومع ذلك الله سبحانه وتعالى، يقرر لنا حقيقة لا تغيب عن بال الحكيم، يخرج الخبيث من الطيب ويًخرج الطيب من الخبيث، يمكن للإنسان أن يكون طيباً فيتحول إلى خبيث، أو خبيثاً يتحول إلى طيب، ولذلك قانونه، معادلاته، سننه، التي ينبغي، بل يجب علينا أن نتعرف عليها.

فإذن، ركيزتان: القصد المحمود والفعل الحسن.

الركيزة الثالث ولا تقل أهمية عنهما: الغاية النبيلة.

لعل الإنسان تكون نيته جيدة، دافعه للعمل أمر محمود، فعله أيضاً جيد، لكن غايته ليست غاية حسنة، والفرق بين الداعي والغاية هو الفرق بين البداية والنهاية، النية تسبق العمل، الغاية تكون المقصود من العمل ما هو، مقصودك من العمل ما هو؟ أن هناك جماعة يدخلون بصدق، لكن لا يخرجون بصدق، الله سبحانه وتعالى، يؤدبنا يقول {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}.

من المهم جداً أن يكون الإنسان نظيفاً ونزيهاً، حتى يكون حكيماً في هذه المراحل الثلاث، نيته حسنة، لا يعني الله عز وجل، وفي ميزان الله سبحانه وتعالى، لا يريد منا كثرة العمل بل يبلونا {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً} وحسن العمل ليس بالكثرة، قد يكون الإنسان مقلا في عمله، لكن عمله هذا إذا كان مقبولاً من الله عز وجل، لا يكون قليلاً، وهناك من يكثر عمله، لكن نيته وغايته ليست حسنة.

الله سبحانه وتعالى، لا يقبل أن يشاركه أحد، لذلك العمل، حتى العمل العبادي، إذا أُدي لغير الله عز وجل، أُدي رياءا، مهما كثر العمل وكبر، لا قيمة له، العبرة أن يكون دافعنا الله، غايتنا المنشودة منه، الله، ولكي يكون العمل حسناً، يجب أن يكون في النظام الذي رسمه الله سبحانه وتعالى، للناس.

بهذه الطريقة يوفق الإنسان إلى أن يؤتيه الله عز وجل، الحكمة التي هي منه، ليست من فعل البشر.

للحديث تتمة.

نسأل الله عز وجل، أن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى