حديث الجمعة

حديث الجمعة .. «السلوك بين التفلت والانضباط – ٣» .. سماحة السيد حسن النمر

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «السلوك بين التفلت والانضباط – ٣» يوم الجمعة ١٢ جمادى الآخر ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات،

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ربي اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

كان حديثنا عن السلوك بين الانضباط والتفلت، ولمّا كنا بين يدي ذكرى شهادة مولاتنا سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام، من المناسب أن نستلهم من كلامها بعض ما يرتبط بالمقام، بإعتبار أنها (صلوات الله وسلامه عليه) – بشهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) – إحدى ضوابط السلوك.

يعني لو أردنا أن نقول كيف يضبط سلوك الإنسان؟

الزهراء واحد من ضوابط السلوك؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم – والذي }مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{ – شهد للزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام بمجموعة من المقامات والأوصاف والمناقب والفضائل، تجعلها ميزاناً يُعرف به الحق والباطل، والمحق والمبطل، ويُعرف به سبيل الصواب من سبيل الخطأ.

لذلك فإن الإنسان كلما اشتدت محبته لها، ومعرفته بها، واتباعاً لها، صلوات الله وسلامه عليها، كان أقربَ إلى الحق، وأبعد من الباطل، وكان سلوكه في كل مناحي الحياة، أقرب إلى الانضباط وأبعد عن التفلت.

حكمة التشريع كيف نقرأها؟

لأننا حينما نتكلم عن السلوك ، وأنه يجب أن يضبط هذا السلوك ، فلا يمكن أن نقرأ هذا العنوان بتفاصيله بعيداً عن معرفتنا بالله عز وجل ، وما يتصف به سبحانه وتعالى ، وما يجب أن يُنفى عنه.

تعرفون – في علم العقائد وعلم الكلام – أن لله عز وجل نحوين من الصفات: صفات الجمال، وصفات الجلال، أو الصفات الثبوتية والصفات السلبية.

صفات الجمال ، والثبوت ، هي ما نثبت فيها لله عز وجل من الصفات التي تتناسب وكماله المطلق. من ذلك أن يوصف سبحانه وتعالى بالحكيم. جميع أفعال الله عز وجل تتصف بالحكمة لأنه حكيم سبحانه وتعالى.

فإذا أمر الله عز وجل عباده بأمر فإنما أمرنا بذلك لما تقتضيه الحكمة، وإذا نهانا عن شيء فلما تقتضيه الحكمة.

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكلف من الله عز وجل – كمن سبقه من الأنبياء – أن يعلموا الناس الحكمةَ، ويدعوهم إلى الحكمة.

فالنبي (صلوات الله وسلامه عليه) إذا أمر الناس بمحبة الزهراء فلأن في محبتها تمثلاً وتجسيداً للحكمة، وإذا نهى الناس عن أن يُغضِبوا فاطمة عليها أفضل الصلاة والسلام ، وأن غضبها غضبُه، وأن غضبَها غضبُ الله، بشهادة ما روي بين الفريقين بأسانيد صحيحة! يعني أنه وضَع بين أيدينا واحداً من كوابح السلوك وضوابطه؛ حتى نستقيم، من اللسان، في النظر نستقيم، في السمع نستقيم، في كل ما يصدر منا من السلوكيات نستقيم.

فالله سبحانه وتعالى يتصف بالحكمة، والقرآن الكريم مذكور فيه في مواضع متعددة، أن الله عز وجل هو }الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

وموصوف وحي الله عز وجل في الكتاب الكريم بأنه أيضاً هو الحكمة، آتاها الأنبياء والقرآن يقول: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ{.

والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إبراهيم (صلوات الله وسلامه عليه)، سأل الله عز وجل أن يبعث فيهم ، أي في ذريته ومن أسكنهم مكة ومن سيكونون ، من يعلمهم الكتاب والحكمة.

طبعاً العقلاء، كل العقلاء، ينشدون الحكمة.

والحكمة تعني أن يحسنَ الإنسانُ التصرفَ؛ بأن يضع كل شيء في موضعه.

لذلك لو أننا وجدنا شخصاً لا يُحسن التصرف، في أقواله وفي أفعاله، نقول هذا فعل سفهي! إذا تمادى في ذلك نقول فلان سفيه.

}وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ{ يعني استخفها.

الإنسان الذي يرى ما وصف الله عز وجل إبراهيمَ عليه، وما بينه من سلوكيات إبراهيم؛ من حيث ما يطلب، ومن حيث سيرته، يتجلى لنا أن إبراهيم في أعلى مراتب الحكمة.

من يترك الحكمة والحكيم؟

ليس إلا السفهاء!

لذلك ، نحتاج أن نقرأ سير الأنبياء، ونقرأ – في المقابل – سير الأشقياء! حتى نحتذي بالأنبياء والسعداء، ونتجنب الاشقياء.

لذلك القرآن الكريم ، الله سبحانه وتعالى أودع فيه قصصهم لأن في قصصهم عبرة.

الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام حينما نصف رسول الله بأنه حكيم، بالضرورة نصف الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) بالحكمة لأن النبي قال: “فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي”. يعني حكمُ الزهراء حكمُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يمكن التفكيكُ بينهما في شيء، إلا في النبوة. يعني النبي ذكر، نبي ، كلفه الله عز وجل بالنبوة والرسالة، الزهراء ليست كذلك ، لكن كلاهما حجة، كلاهما طاهر، كلاهما معصوم، كلاهما يجب محبته، كلاهما يُتأسى به، كلاهما يٌقتدى به، كلاهما يٌطاع ولا يٌعصى.

لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربط محبته بمحبة الزهراء، طاعته بطاعة الزهراء، وجعل معصية الزهراء معصيتها وإغضابَها، غَضبَه.

الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) روي عنها الكثير من الروايات، حتى جمعت في كتاب كبير مسند يصل إلى عشرين مجلد “سيرة حياة الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام”، والنبي (صلى الله عليه وآله): “كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا أربع”، يعني الكمال التام، وذكر منهن “خديجة بنت خويلد (صلوات الله وسلامه عليها)، وفاطمة بنت محمد”. وذلك لدورٍ كلّف الله به عز وجل، السيدة الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام يرتبط بي وبك. لأن الله حكيم فقد مهّد لنا ما يجعلنا من أهل الحكمة.

وواحد من هذه الاعمدة والأساطين: الزهراء عليها أفضل الصلاة والسلام. لأنها تضع النقاط على الحروف، حتى يُعرف من خلال كلامها، ومن خلال مشاعرها، ومن خلال سلوكياتها، من هو القريب من الله، وكيف يكون الإنسان كذلك، ومن هو البعيد عن الله؟ وما هي الطرق التي تجعل الإنسان بعيداً عن الله عز وجل.

في واحدة من خطبها تشرحُ فيها، فدك وشأن فدك، وتطالب فيها بحقها الذي سُلب منها (صلوات الله وسلامه عليها)، في هذه الخطبة وهي خطبة طويلة، لستُ في مقام الحديث عن جميع جوانب الخطبة، لكن آخذ منها ما يرتبط بعنوان حديثنا السلوك كيف نضبطه ولا يتفلت.

في هذه الفقرات من الخطبة الشريفة تبين الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) ما يسعى بعض الباحثين المعاصرين يسميه “علم المقاصد، مقاصد الشريعة”. يعني الله سبحانه وتعالى إذا كلفنا بالصوم هل هناك هدف من وراء تكليف الصوم؟ وأنت مغمض عينيك يجب أن تقول نعم هناك هدف، حتى لو لم تقرأ القرآن الكريم .

والسبب ؟

إيمانك المسبق بأن الله حكيم. يعني أن الله عز وجل لا يأمر بأمرٍ إلا ومن وراء ذلك الأمر هدف وحكمة تتناسب وذاته وكماله، وهناك فائدة تترتب من وراء هذا التشريع، لا ترتبط به لأنه غني في ذاته، وإنما ترتبط بمن كلفهم بهذا الأمر، أو نهاهم عن ذلك النهي.

تذكر في هذه المجموعة من الفقرات لِم َكلَّفنا الله عز وجل بسلسلة التشريعات.

وقد ذكرت ذلك لأن هناك انحرافاً بدأ في أوساط الأمة، كان يراد لهذه الأمة أن تأخذ من الإسلام رسمه واسمه، وتتخلى عن جوهره ومضمونه.

النبي (صلوات الله وسلامه عليه) لما حدد على لسانه الشريف في مواضع متعددة، حتى أن بعض المتتبعين ذكر أن رضا الزهراء رضا رسول الله، وغضب الزهراء غضب رسول الله. ثمانية عشر مفردة استعملها النبي الإيذاء، الحزن، الرضا، الغضب، ثمانية عشر مفردة.

لماذا هذا التركيز من رسول الله على ربط الناس بها (صلوات الله وسلامه عليها)؟

لأن الناس ليس بالضرورة يكفيهم أن يقال لهم إن هذا خطأ نظرياً وذاك صوابٌ نظرياً، وإنما يحتاجون أن يروا الخطأ مجسداً والصواب مجسداً.

الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) كما كان رسول الله قرآناً يمشي، كانت هي كذلك.

فلو أن أحداً أراد أن يعرف الباطل أين هو؟ فلنتلمس خطوات الزهراء. من غضبت عليه، تعرف حاله، من رضيت عنه، تعرف حاله.

الزهراء في هذه الخطبة بيّنت أن الله عز وجل إنما أمر بما أمر به لأن وراء كل تفصيل من تفاصيل الشريعة هدفاً وغرضاً، كما قلنا لأن الله حكيم لا يأمر إلا من وراء حكمة.

هذه الحكمة ترتبط بماذا؟

ترتبط بصناعة مجتمع مثالي، مجتمع نموذجي، يعطى فيه الحق لأهله، ولا يتعدى فيه حدود الله عز وجل، ولا يتجاوز فيه على كبير ولا على صغير، تحت أي عنوان من العناوين.

لاحظوا ماذا تقول (صلوات الله وسلامه عليها)، تذكر أربع مقدمات، تُمهد فيها لما تريد أن تتحدث عنه، فلسفة التشريع.

للأسف الوقت أقصر من أن يفصل الإنسانُ هذه الخطبةَ الشريفةَ، وهي من جلائل خطب الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام)، وأنقل ما أنقله عن كتاب “من لا يحضره الفقيه” للشيخ الصدوق. لأنه رواها في الفقيه، ورواها في كتاب “العلل”، وهناك مصادر أخرى.

تقول عليها أفضل الصلاة والسلام كفقرة أولى :

مقدمة: “لله فيكم عهد” تخاطب المسلمين، الله سبحانه وتعالى جعل عندكم عهداً، هذا العهد هو ميثاق الله حتى تعرفوا ما الذي يجب عليكم؟ ما هي حدودكم؟ وما هي حقوقكم؟ “لله فيكم عهد قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم” وكأنها تشير إلى الكتاب والعترة.

ثم تضيف المقدمة الثانية: “كتاب الله بينة بصائره“.

القرآن الكريم واضح لمن أراد أن يستوضحه لأن القرآن، وإن كان فيه متشابه، لكن فيه محكمات ، والمحكمات تأخذ بيد الإنسان ليرفع التشابه. طبعاً، دون أن يعني أن الناس يستطيعون – عامة الناس أمثالنا حتى وإن سمي الناسُ علماءَ – لا يستطيعون أن يسبروا أغوار القرآن كلها لأنه }فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ{.

من هم المطهرون؟

واحد من هؤلاء المطهرين الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) بشهادة القرآن.

“كتاب الله بينة بصائره، وآي – مجموع آية – منكشفة سرائره وبرهان متجلية ظواهره” حتى لا حتى لا يأتي أحد يقول لم يتضح لي الحق، لا، الحق واضح لكن “بان الصبح لذي عينين” كما يقول العرب.

الشخص الذي لا يريد أن يرى ما تستطيع! {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.

يعني الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام). خزيمة ذو الشهادتين لما سمي بذي الشهادتين؟ تداعى رسول الله مع شخص يهودي قال هذا لي والنبي يقول هذا لي، فذاك سأل عندك بينة يا محمد؟!

فالنبي صلى الله عليه وآله سأل: بينة؟ بينة؟

قال خزيمة: قال أنا اشهد لك يا رسول الله. قال كيف تشهد لي وأنت لم تر؟

قال نصدقك على أخبار السماء ولا نصدقك على أخبار الأرض.

مثلُ الزهراء لا تُسأل عن بينة إذا قالت أن هذا لي، لكن من يسأل الزهراء عن بينة كمن يسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن البينة ؟!

لأن رسول الله يقول: “فاطمة بضعة مني”.

ثم لمّا سُئلت البينة، لاحظوا الزهراء لما سُئلت البينة عما طالبت به، جاءت بالشهود!

قُبلت هؤلاء الشهود؟

رُدَّ هؤلاء الشهود!

يعني الزهراء ما كانت تعرف أن هؤلاء لا يصلحون للشهادة، لو ما كانوا يصلحون للشهادة!؟ لكن ما تستطيع أن تفرض على أحد لا يريده.

فإذاً، بعد المقدمة الثالثة: “مديم للبرية استماعه” البرية، الناس إذا أرادوا أن تدوم حياتهم، تستمر وتثبت استماع القرآن، استماعه – يعني الإنصات إليه، يعني العمل بمضامينه.

“وقائد إلى الرضوان أتباعه، مؤدياً إلى النجاة أشياعه”. إن اتبعنا القرآن وكنا من أتباعه وأشياعه فالجنة هي المستقبل. لكن لا أن نبقي على حروف القرآن دون أن نعمل بمضامينه.

ثم تقول في المقدمة الرابعة: “فيه تبيان حجج الله المنورة”. أولاً الأدلة والحجج القرآنية نيّرة واضحة ليس فيها غموض

“وَ مَحَارِمِهُ الْمَحْدُودَةِ وَفَضَائِلِهُ الْمَنْدُوبَةِ، وَجُمَلهُ الكافية، ورخصهُ الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، وبيّناته الخالية أو الجلية”. هذه إشارات منها (صلوات الله وسلامه عليها) إلى تفاصيل التشريعات والمعارف الإلهية من الله عز وجل.

أصول ذلك كله موجودة في القرآن الكريم لكن بمعونة من؟

بمعونة النبي (صلى الله عليه وآله)، بمعونة أمثال الزهراء (عليها أفضل الصلاة والسلام) الذي جعلها رسول الله، فيما أوصى به الأمة، واحداً من ركنين من أركان الأمن من الضلال إذا أرادت الأمة أن تأمن ذلك.

ثم تذكر (عليها أفضل الصلاة والسلام) عشرين بنداً تشريعياً في الدين، وما هو الهدف؟

طبعاً الهدف العام الكلي، هناك أهداف جزئية.

القرآن ماذا يقول؟

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ‌كَمَا ‌كُتِبَ ‌عَلَى ‌الَّذِينَ ‌مِنْ ‌قَبْلِكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183] ويقول ﴿ ‌إِنَّ ‌الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ ‌الْفَحْشَاءِ ‌وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45] . فإذاً الصلاة والصوم وبقية الفرائض، هناك غايات نبيلة أرادها الله عز وجل منها حتى لا تتحول العبادات إلى طقوس، شعائر مجوفة، وعادات بدل أن تكون عبادات تَجعل ، أو تكون بها جسراً ينتقل به الإنسان من الأرض إلى السماء إلى عالم الجنة.

عشرين بند تشريعي، قالت: “ففرض الله الإيمان تطهيرا من الشرك”.

المساحة التي غطتها (عليها أفضل الصلاة والسلام) تغطي ما يعرف في الفقه بالعبادات والمعاملات، والمستحبات والمكروهات، وما يرتبط بالعقائد. كل هذه المساحة ذكرتها في عبارات موجزة تحتاج إلى تفصيل طويل.

“ففرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك” الشرك ظلم عظيم، يظلم الإنسان نفسه، يتعدى حده لو وقع في وقع في الشرك بالله عز وجل. والشرك أيضاً له تفاصيل وهناك من يخلط الحابل بالنابل، ويسمي الإيمان شركاً، والشرك إيماناً! لأن هذا شأن الشيطان.

الشيطان أيضا يحاول أن يعبث بتشريعات الله عز وجل، فيجعل المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً.

وخلط المفاهيم هذه مسألة قديمة جداً جداً جداً. منذ فجر التاريخ الشيطان هذه مهمته، يعبث بعقول الناس ويزيف وعيَهم.

لذلك نحتاج إلى من يأخذ بأيدينا إلى الله مثلها (صلوات الله وسلامه عليها).

ومن ثم تجد أن هناك كثيرا من الناس، لماذا ترجعوننا إلى التاريخ؟

كيف يعني نرجع إلى التاريخ؟

لا لا تقفوا عند هذه المحطة التاريخية وكأننا نحن من أسسنا الرجوع إلى التاريخ! الله عز وجل هو أول من ذكر التاريخ وأصر عليه! الله لم يذكر لنا قصة ابني آدم؟ وقصة آدم؟ وقصة نوح؟ والأمم السابقة؟

لم ذكر الله عز وجل لنا هذا التاريخ؟

لأن الإنسان هو الإنسان، الأخطاء التي وقع فيها السابقون سيكررها اللاحقون بنفس الدواعي! نعم، قد تتغير شكل الملابس لكن جوهر هذا الإنسان ، ما يأخذ به إلى الهدى عينه ، وما يأخذ به إلى الباطل عينه.

ففرض الله الإيمان تطيراً للشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر” والكبر من أعظم ما يبتلى به الناس }أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا يخابون النبي يعني أنت من بيننا صرت نبي؟

﴿.. اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ ‌يَجْعَلُ ‌رِسَالَتَهُ ..﴾ [الأنعام: 124].

لو كان القرار بأيديكم لأخترتم أنتم الأنبياء، لكن الله عز وجل هو الذي يختار الأنبياء والأولياء الذين يجب طاعتهم وقال اطيعوا أولي الأمر. فتقول (عليها السلام): “والزكاة زيادة في الرزق، والصيام تبييناً للإخلاص، والحج تسلية [أو تثبيتاً] للدين، والعدل تسلية للقلوب، والطاعة – أي لمن يجب طاعته – نظام للملة، والإمامة لمن لَمّاً من الفرقة – جمع – والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على الإستيجاب –  يعني استيجاب رحمة الله عز وجل لها أسباب، حتى تستوجب رحمة الله هناك لها أسباب منها الصبر وتطبيقاته كثيرة – والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية عن السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقنً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تعييراً للبخسة – البخسة جمع مبخس الإنسان الذي يعبث بموازين الناس الإقتصادية – وقذف المحصنات حجباً عن اللعنة – يعني تحريم قذف المحصنات – وترك السرقة إيجاباً للعفة، وأكل أموال اليتامى إجارة من الظلم، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية، وحرم الله الشرك إخلاصاً للربوبية”.

رجعت إلى البند الأول، فكأن هذه التشريعات التي تحتاج كل واحدة منها إلى وقفات وليس إلى وقفة، الجامع بينها البعد عن الشرك ورمي أنفسنا في حظيرة الإيمان؛ لأن الإنسان إذا آمن بالله صار من أهل الحكمة، وإذا صار من أهل الحكمة صم أذنه عن سماع الباطل، وعن الاستجابة للمبطلين، وحفظ عينيه عن أن ينظر إلى الحرام. ويده عن أن يبطش بحقوق الناس وبالناس. ورجله أن تذهب به إلى الحرام، فيصبح حقا يمشي.

فقالت: وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته فيما أمركم الله به، وانتهوا عما نهاكم عنه” إلى آخر خطبتها.

 

نسأل الله عز وجل أن يجزي لنا ولكم العطاء والثواب بذكرى شهادتها (صلوات الله وسلامه عليها) وأن يوفقنا وإياكم إلى زيادة محبتها والمعرفة بها والإتباع لها. ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم زيارتها وشفاعتها.

اللهم صل على محمد وال محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى