حديث الجمعة

حديث الجمعة : «العطاء، ثقافة وسلوك»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «العطاء، ثقافة وسلوك» يوم الجمعة ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين‫،

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‫،

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله‫،

الحديث سيكون «العطاء، ثقافة وسلوك»

حينما نرجع الى القرآن الكريم وهو خطاب الله عز وجل، الوحياني الذي {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} وإلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وسنن المعصومين، نجد أن هناك مفاهيم يمكن أن نقسّم هذه المفاهيم الى نوعين أساسيين:

النوع الأول – نسميه بالأصول

والنوع الثاني نسميه بالفروع

مثل ما أن الشجرة لها أصل ويتفرع منها فروعه، والفروع مهما كانت مهمة، إنما تُبنى على الأصول، ولذلك حينما نربي أبناءنا ونثقفهم دينيا، نربيهم على أن للدين أصولا وفروعا.

الفروع المعتاد ذكره أنها عشرة، تبنى على الأصول التي هي خمسة، فالإنسان إذا آمن بأن الله سبحانه وتعالى واحد عادل وأن هناك نبوة وأن هناك إمامة ومعادا، يتفرع من هذه الأصول الخمسة، بقية الفروع الشرعية الفروع التي بعضها أخلاقي بعضها فقهي، ويترتب عليها سلسلة من الأحكام.

هذان النوعان -الأصول والفروع- يمكن أن -أيضا- نقسمها إلى قسم اعتقادي وقسم عملي أو قسم علمي وقسم عملي، يعني هناك أمور مطلوب منك أن تعلمها بذهنك وتعتقدها بقلبك، لكن على مستوى الممارسة الخارجية، ليس مطلوبا منك شيئا، حينما تعتقد بأن الله واحد، مطلوب أن تدرك هذا المفهوم وتعتقده بقلبك، لكن هل هناك شيء خارجي تسمّيه التوحيد؟ لا، هناك تبعات، هناك لوازم، ثمرات تترتب على هذا الاعتقاد.

يعني الانسان إذا اعتقد بوحدانية الله عز وجل، وأن له سبحانه وتعالى، وحده الأمر والنهي، يتفرع من ذلك {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} فلا يحكم على شيء بأنه حلال أو حرام، إلّا انطلاقا من اعتقاده بان الله واحد أحد، فإذن صار لها انعكاس.

فلو أن أحدا قال: أنا اعتقد بأن الله واحد، لكن لي حق التشريع، يعني هو جعل نفسه بمثابة الله عز وجل، جعل نفسه شريكا، يحلل ويحرّم، ولذلك، القرآن الكريم يقول{آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} على أولئك الفئة من الناس الذين يضعون أحكاما من عندهم.

طبعا أحيانا الانسان يصرح، بأنه لا يعتقد وأحيانا يقوم بذلك، بطريق ملتوي، بطريق ملتف، أما لأنه يخجل من أن يعلن هذا المعنى أو لا يستطيع أن يبرره أو لأي سبب من الأسباب الأخرى.

هناك أمر آخر أيضا يجب أن نلتفت إليه، هو أن الانسان إذا اعتقد بهذه الأصول -كما ذكرنا- ينبثق على هذا أن الله عز وجل، هو الآمر وأن العباد مأمورون، حق الأمر والنهي لله سبحانه وتعالى، ليس للناس.

لاحظوا، ماذا يقول الله عز وجل، يقول {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًا مُّبِينًا}.

الله سبحانه وتعالى إذا اعتقدت بألوهيته، هذا ليس مسألة ترفية نتفلسف فيها ونتبنى مبنى معينا، ثم إذا أردنا أن نعيش، نعيش بعيدا عن هذا المعتقد، الأمر ليس من هذا القبيل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}.

أمر ثالث نلتفت إليه، هو أن الأوامر الصادرة من الله عز وجل، ولا شك إن الله سبحانه وتعالى، أمر ونهى، من أول كتاب تحتفظ به الدنيا إلى آخر كتاب أنزله الله عز وجل، الى أنبيائه وقد تولى سبحانه وتعالى، حفظه وهو القرآن الكريم، حيث يقول عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} لا يشك أحد في أن الكتب السماوية تضمنت توجيهات عقائدية وأخلاقية، لكن الى جانب ذلك تضمنت أوامر ونواهي، حتى يكون سيرك أيها الانسان المتدين بدين الله عز وجل، ينتظم ضمن قانون، وليس هناك أحد في الدنيا إلّا وهو محكوم بشريعة، سواء كانت شريعة الله الخالق أو شريعة المخلوقين، ما هنا أحد الآن في الدنيا، لا في شرق الارض ولا في غربها، يقول “أنا حر” -نأتي إن شاء الله على ذكر بعنوان مستقل، بعض الناس يقول “انا حر” نشوف[نرى]، هذه إن شاء الله نجعل لها عنوانا، لعله في الاسبوع الآتي إذا أبقانا الله وإياكم- هل هناك اليوم واحد من مواطني أي دولة من الدول يقول: أنا لست ملزما بقانون..! يستحيل، كل المواطنين في جميع الدول محكومون بقوانين، لأن الانسان لو أراد أن يعيش بلا قانون ستتصادم مصالحه مع مصالح الآخرين.

ما الذي يتولى تنظيم هذه المصالح، بحيث نجمع بين المصلحتين، نقدم بعض المصالح على بعضها الآخر؟ القانون، القانون هو ما نسميه نحن كمتدينين نسمّيه “الشريعة” فالشريعة هي الأوامر والنواهي.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل، يعطينا قاعدة عامة، يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا…} من ضمن القوانين ما جعلناه عنوانا للخطبة “العطاء” مثل ما أن الله أمرنا بالعبادات، أمرنا بالعطاء، والعطاء مفهوم إسلامي أصيل {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} العطاء الله عز وجل، يقول {الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ} وأدبنا الى أن نكون من المعطين، يقول عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

القسم الأول من الآية يمكن أن نحمله على الصلاة المعروفة، لأنه الركوع عادة يكون في الصلاة السجود عادة يكون في الصلاة، ويلحق به سجود الشكر { وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ..} سواء في الصلاة أو في الصوم أو في الحج، كل عنوان العبادات، لكن العنوان {وافعلوا الخير} لم يسم لنا مفردات الخير، لكن أراد أن يعطينا قاعدة عامة.

أنت أيها الانسان تتصرف، تمارس ممارسات، الله سبحانه وتعالى، يقول اجعل تصرفاتك وممارساتك كلها، تحت عنوان الخير، الخير، المعروف، صنائع المعروف تقي السوء يعني ينبغي للإنسان ألّا يقدم على أمر إلّا بعد أن يطمئن ويستفسر أن هذا مصداق للخير أو مصداق ما يقابله مما نسميه شر، حتى لا يصير حشر مع الناس عيد..!

بعض الناس يريدون من كثير من الناس أن يتصرف وفقا لغرائزه، الحيوانات فقط تتحرك وفق الغرائز، ومع ذلك، حتى هذه الحيوانات الله سبحانه وتعالى، نظم غرائزها، الحيوانات إذا أرادت أن تتزاوج، هناك موسم للتزاوج، إذا قُضي غرضها من التزاوج، كفت عن التزاوج، تنتهي، خلاص، لأن الغرض هو حفظ التناسل فيما بينها، فقط أنت أيها الانسان جُعل لك هذا الباب مفتوحا، ثم أوكل إليك وفقا لأحكام الشريعة أن تنظمه، تارة تطلب الولد، تارة تطلب الإحصان والإعفاف، تارة تطلب إدخال السرور، الزوج على الزوجة والعكس، لكن هناك أطر، الله سبحانه وتعالى، قال نفذ أو استجب لغرائزك في المأكل والمشرب والمسكن والملبس والتجمل، افعل ما تحب، لكن وفقا لما جعله الله عز وجل، ضوابط، حتى لا تُترجم هذه الغرائز بطريقة غرائزية، يعني فقط لأن بدنك يريد، لا، بدنك يريد، لكن في ظل ما آتاك الله سبحانه وتعالى، إياه من العقل.

أيضا، في القرآن الكريم، يقول {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} أنت عامل، على كل حال عامل هذا العمل، أما أن يدخل ضمن الخير، كبر أم صغر، سيحاسبك الله عز وجل، عليه، إن كان خيرا أثابك وإن كان شرا -أبعدنا الله وإياكم عنه- حاسبك.

يقول النبي صلى الله عليه وآله (كل معروف صدقة) بعض الناس يتصور أن الصدقة هي أن تخرج شيئا من المال، قليلا أو كثيرا، من أجل تقديم المعونة للفقراء..!

لا، عنوان الصدقة في الاسلام عام، لذلك لو أن أحدا أراد أن يقول هذه الصدقة للفقير، يخصص، إذا أراد أن يعطيها لأحد ممن يتصدون لجمع الصدقات، يقول له هذه للفقير، وإلّا فعنوان الصدقة عنوان عام، تصرف في كل ما يرضي الله عز وجل، هذا عنوان الصدقة، لذلك، حينما ينبه الأخوة، يقولون “صدقة عامة”.

“صدقة عامة” يعني في كل سبل الخير، خدمة المسجد، المناسبات، الشعائر، تقديم العون للضعفاء والفقراء والمحتاجين، ضمن نشاطات “الجمعية” -جزاهم الله خير الجزاء- كل هذا يدخل تحته، لكن عنوان الصدقة، لاحظوا النبي ماذا يوسع؟ يقول (كل معروف صدقة).

لذلك، الآن بعد هذا هل نتصور أحدا، مؤمنا، يسمي نفسه مؤمنا، وينخرط ضمن المؤمنين، ثم يقول “أنا لست مطالبا بأن أفعل الخير، بأن أفعل المعروف؟!

لا، ليس مسموحا لك، إسلاميا، أخلاقيا، فقهيا، عقائديا، أن تكف عن فعل الخير، سواء كان هذا الخير لك أو للآخرين كما سيأتي.

أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حديث له يخاطب به “عليا” عليه أفضل الصلاة والسلام (عليك بصنائع الخير، فإنها تدفع مصارع السوء).

نعوذ بالله، أنْ يفاجئ الموت الانسان وهو على غير طاعة الله عز وجل.

أحد أسباب حفظ مصير الانسان، يعني أن يموت وهو على طاعة الله، أن يكثر من فعل المعروف، لأن الانسان إذا كان هاجسه في حياته فعل الخير وصنائع الخير والمعروف، هذا يدعو لك، من وصل إليه إحسانك يدعو لك، من سمع عن إحسانك يدعو لك، دعاء الآخرين لك يجعلك تحت مظلة، عناية الله عز وجل، ولطفه، هذا يكون سبب من أسباب ألا يموت الانسان ميتة السوء.

أما أولئك الذين يعيشون مع المعاصي والمنكرات، لا يدرون متى يفجأهم الموت، هل على ذكر الله عز وجل، أو -نعوذ بالله- على معصية الله أو -نعوذ بالله- على غفلة عن الله عز وجل، أما هذا الانسان الذي يعيش هاجس الطاعة وفعل الخير والمعروف لن يكون كذلك.

هناك بعض التطبيقات، ورد في الأحاديث الشريفة عنها، لاحظوا فيما يُروى عن “الإمام الصادق” عليه السلام يقول (إن من بقاء المسلمين وبقاء الاسلام أن تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق ويصنع المعروف..) أو (ويصنع فيها المعروف فإن من فناء الاسلام وفناء المسلمين أن تصير الأموال في أيدي من لا يعرف الحق ولا يصنع فيها المعروف).

النظرة القرآنية والفلسفة والرؤية القرآنية للمال ما هي؟ {اموالكم التي جعل الله لكم قياما} الكعبة، الله سبحانه وتعالى جعلها سببا للقيام أي النهضة، نهضة المسلمين تقربهم الى الله وكذلك المال.

لذلك، تجدون في زمن النبي صلى الله عليه وآله، حينما كان في “مكة” ماذا فعلت “قريش” لما أرادت أن تؤذي النبي؟ آذته بصنوف الأذى، حتى يكف هو عن الدعوة، ويكف الآخرون على أن يسلموا على يديه، من أواخر الوسائل التي قاموا بها، حصارهم له في “شعب أبي طالب” أرادوا أن يميتوهم جوعا، والناس يحبون أن يأكلوا ويعيشوا ويشربوا، فلو أجعته سيميل إلى غريزته، لأنه سيقوم أيضا بعملية تقديم وتأخير.

الله سبحانه وتعالى، نصر رسول الله صلى الله عليه وآله، في هذه المعركة وخرج منها فاتحا وغالبا “الامام الصادق” يشير إلى هذا المعنى.

الجانب الآخر المعاكس، هذا في الأمر، في المنهيات ماذا ورد؟

“الإمام أمير المؤمنين” صلوات الله وسلامه عليه، رُوي عنه أنه قال (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده) هناك خطوط حمراء، الاسلام لا يتسامح فيها. عندنا الذنوب كبائر وصغائر، وكلها منهي عنها، لكن حتى في هذه الصغائر والكبائر، هناك ما هو شديد الخطورة، وهناك ما هو أقل خطرا ويجمع هذا وذاك عنوان أنه “محرّم”

يمكن بعض الناس يسأل يقول: هل هذا حرام كبير ولا مو كبير؟ لا، إذا نظرت إلى أنك تعصي الله، ستكون كل المعاصي كبيرة، لن يكون هناك صغير وكبير، لكن بلحاظ معين، يذكرون، الكبيرة لها آثار فقهية معينة، الصغائر لها آثار فقهية معينة، من الناحية التربوية قد تختلف لكن في جوهرها، كلها ذنوب.

من هذه الذنوب التي حذر منها أشد التحذير مسألة الكذب.

الكذب هي أن يقوم الانسان بالإخبار عن الواقع بخلاف ما هو عليه، وليس الإخبار خطئا، قد يخطئ الانسان ويمكن يتوسعون العرب، بعض الأحيان يقولون عن الذي أخطأ بأنه كذب، لكن هذا استعمال نادر، الاستعمال الشائع هو أن الناس إذا وصفوا فلانا بأنه كذب، أي أنه تعمّد أن يخبر خلاف الواقع، يقول: سمعت فلانا يقول..! وهو لم يسمع فلانا، وليس من باب الاشتباه والخطأ، أحيانا يقولون غفلة، اشتباه، لكن أحيانا لا، يتعمّد الكذب وهذا ليس مستغربا، النبي صلى الله عليه وآله، كذبوا عليه، بل كثر الكذّابة عليه، في زمنه، فكيف بعد وفاته، صلوات الله وسلامه عليه..!

أمر رابع: إن مما أدبنا عليه الاسلام في هذا السياق -سياق العطاء- التعاون.

الله سبحانه وتعالى، دفع الناس بنحو الأمر وقال {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} الحياة الاجتماعية لا يعيش الناس فيها إلّا بأن يعين بعضهم بعضا، وإن كان لكل منهم مصلحته الخاصة، يفترض يفتح له مصلحة تجارية، عمل تجاري، نشاط تجاري، ويريد أن يتكسب من ورائه، مع ذلك، هذا من حقه حتى يعتاش، لكن هل تستطيع أنت أن تؤمِّن جميع احتياجاتك الطبية، الصحية، الاقتصادية الاجتماعية؟

هذا أمر مستحيل، فأنت لا تستغني عن الناس والناس لا يستغنون عنك وعن بعضهم البعض، الله سبحانه وتعالى، أراد أن ينظم لنا هذا العنوان “التعاون” بين الناس يجب أن يكون في إطار البر والتقوى، والبر والتقوى هو ما يقربك إلى الله، يعني الخير، يعني المعروف.

أخيرا هل يوفّق الى هذا كل أحد؟

الجواب: لا، كثير من الفرص تتاح لكثير من الناس، لكن لا يوفّق إليها إلّا القلة الذين يلحّون على الله عز وجل، دائما أن يفتح لهم بابا من الأبواب، حتى يعملوا فيها الخير، كل وفق قدراته ومهامه، حينما نقول فعل الخير، ليس بالضرورة التبرع المالي، لا، افترض الانسان المعدم، الفقير، لا يستطيع أن يتبرع ويتصدق ماليا، لكن، خلاص، يكف عن فعل الخير، أليس عنده لسان مؤدب، أليس عنده بشاشة وابتسامة؟ (إماطة الأذى من الطريق صدقة) (الكلمة الطيبة صدقة).

كف الأذى، تكون في بيتك، في جيرانك، لا تستطيع أن تفعل لهم الخير، جزاك الله ألف خير أن تكف الاذى عنهم، بعض الناس ردوده جارحة، كلماته جارحة، تصرفاتهم على آخرين غير حسنة، غليظ.

الله سبحانه وتعالى يصف النبي صلى الله عليه وآله، بقوله {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} النبي دعا الناس إلى الاسلام بأخلاقه أكثر من دعوته إياهم بأمور أخرى، حتى بالتعليم.

حتى أن الصحابة ينقلون في سيرتهم أنهم كانوا يأنسون بالأعرابي، يأتي الى المدينة يسأل النبي صلى الله عليه وآله، حتى يستفيدون، أنتم في محضر النبي لماذا لا تسألون؟ وبعضهم يفتخر، ينقل في التاريخ، أن الصحابة لم يسألوا رسول الله إلّا ثلاثة عشر سؤالا..! مروية عن “إبن عباس” هذه مو [ليست]مفخرة، عندكم رسول الله صلى الله عليه وآله، ليش [لماذا] لا تسألون؟!

أيا كان السبب، المهم أن الانسان يفجّر طاقاته التي آتاه الله سبحانه وتعالى إياها، في هذا السياق، في سياق العطاء، وإذا نظرنا، هذه ليس أحد منا إلّا وهو قادر على أن يفعل الخير، ليس القليل، الكثير الكثير.

ومن الخير حتى قبل أن أقرأ الرواية، لا تطالب الآخرين باستحقاقات اجتماعية، ما أنزل الله بها من سلطان، وتجعلها سببا من أسباب التخاصم، فلان ما زارني..!

زيارتك ليست واجبة، أنت لست بيت الله، قدّر ظرف هذا الانسان، لعل عنده التزامات، “فلان ما فعل لي الشيء الفلاني” وهو أمر عرفي، ليس أمرا لازما، لكن تجد بعض الناس يثقل كاهله وكواهل الآخرين بالتزامات ما أنزل الله بها من سلطان، بهذه الطريقة تضيع قدرات الناس، بدل ما توجّه التوجيه الجيد، نجدها مبعثرة، فلان على كاهله يعني التزامات كبيرة وأعباء كبيرة، وكان بالإمكان لو كان متفرغا لفعل آخر، لاستطاع أن يفعل الكثير.

“الإمام الصادق” عليه أفضل الصلاة والسلام، في رواية تُروى عنه يقول (رأيت المعروف كاسمه….) المعروف يعني الناس يعرفونه ويحبونه، والمنكر ينكره الناس ولا يعرفونه، لا يحبونه (وليس شيء أفضل من المعروف إلّا ثوابه، وذلك يراد منه….) يعني حينما نفعل المعروف نريد الثواب (وليس كل من يحب أن يصنع المعروف الى الناس يصنعه، وليس كل من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه، فاذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن….) يعني هناك أمران فيك، رغبتك، ميلك الداخلي وقدراتك المادية، سواء المادية المالية أو الجسدية وإذن الله عز وجل، لك.

الله لا يأذن لكل أحد أن يفعل الخير، وفعل الخير ليس بالضرورة يمكن واحد يبني له مدرسة، ما [لا] يصدق عليها فعل الخير، لأن الله عز وجل، يقول {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.

بعض أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام، رُفعت إليه أموال من “نيشابور” -نيشابور في اطراف ايران- من “نيشابور” إلى المدينة المنورة، أموال لا بأس بها، فقال (أين هو درهم بريرة؟) درهم، قال من هالمال كله، قال أعطوني هذا الدرهم، هذا لوجه الله، الباقي ليس لوجه الله، أموال، كان يمن المفترض “الإمام” يصرفها على الفقراء، لكن أراد أن ينبههم، ليس كل من فعل مظاهره الخير يكون قاصدا فعل الخير، قد يكون عنده أغراض اخرى

قال (فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب إليه) فإذن، فعل الخير، ثقافة العطاء أمر مطلوب، سلوك العطاء أيضا أمر مطلوب.

اختم حديثي بما تصدت له “جمعية سيهات” – والحقيقة، الخطبة هي في الأساس هي مطلب، هي مطلب ثقافي تربوي، لكن أردنا أن نوجّهه نحو هذا المشروع – تبنت مشروعا عنوانه “سواعد الرحمة”.

لا يخفى على أي منكم أن خدمات “الهلال الأحمر” اليوم ليست مقصورة على إطفاء الحرائق، هذه واحدة من المهام التي يقوم بها الناس، ولا يستغني أي مجتمع عن هذه الجهة التي تتولى هذا الفعل، سواء إطفاء الحرائق أو الإنقاذ، بمختلف صنوفه.

“مدينة سيهات” مدينة كبيرة، لكن للأسف الشديد، لأسباب وتعقيدات إدارية، ليس فيها خدمة الهلال الأحمر، وراجعوا – الأخوة القائمون على هذا النشاط – الجهات المعنية قالوا “عنك” فيها “النابية” فيها و”المحمدية” في الدمام فيها، فأنتم، من الناحية الإدارية لا يخصص لكم هذه الخدمة، فوجدوا أنفسهم – جزاهم الله خيرا – مضطرين إلى أن يتصدوا هم بتأمين جزء منه، وهو الأرض والمبنى، ثم بقية الخدمات تتكفل بها الجهات الرسمية المعنية.

فخصصت “الجمعية” هنا في “حي الجمعية” ملاصق للمجمع، أرضا بمساحة خمسمئة واثنين وسبعين متر -اذا لم تخن الذاكرة، يوزع إن شاء الله بروشور الأسبوع الآتي- وكلفة البناء المخصصة، إلى سبع مئة وخمسين ألف ريال، لخدمة الأهالي.

طبعا، لاحظوا السيارة أو لخدمة الهلال الأحمر، حتى تأتي من “النابية” أو من “عنك” أو من “الدمام” تحتاج عشرين دقيقة، ومع الزحمة قد تطول المسألة -فلا سمح الله- الحالة الحرجة قد تحصل وتحصل كارثة، لهذا السبب.

فلا تستغني البلد عن هذا النشاط وهو نشاط محمود ومندوب إليه، ووجه من وجوه البر والمعروف، يندب الناس إليه، لكن لن يتحمّله شخص واحد وإنما ينبغي أن يتحمّله الأهالي.

يعني “الجمعية” مشكورة، خصصت الأرض، الجهات الرسمية، قالوا نحن إذا خُصصت الأرض وأُمّن هذا المبنى، البقية -الخدمات- علينا، فهذا المبلغ سبع مئة وخمسين ألف ريال -ان شاء الله- الأهالي في ما بينهم، المساجد يتكفلون بها.

نحن في المسجد التزمنا بأن نساهم، هم قالوا بأن مساجد البلد، لو تكفل مرتادوها بثلاثة إلى خمسة بالمئة، من تكاليف المشروع، خلال أشهر وجيزة جدا، ينفذ المشروع، فسيكون له محطتان.

المحطة الأساسية عند “الجمعية” ومحطة فرعية، ستكون عند “نادي الخليج” حتى تؤمن البلد من أطرافها، فتكون سببا لنجاة المؤمنين ونجاة الأهالي في هذه المنطقة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم إلى فعل الخير، هذا المشروع وأمثاله من المشاريع.

إن شاء الله، الأسبوع الآتي يوزع هذا البروشور، يعني التعريف، حتى يكون سببا من أسباب مشاركة الآخرين، بإمكانكم مراجعة إدارة المسجد، والصدقات -إن شاء الله – إلى حين احنا [نحن] التزمنا في إدارة المسجد، أن نقدم مبلغا، باسمكم يعني منكم، أنتم، يعني سيقدم لـ”الجمعية” باسمكم أنتم، إن شاء الله يتجاوز مساهماتنا معكم، تتجاوز الخمسة بالمئة، أزيد -إن شاء الله- من هذا المقدار، بقية المساجد والأهالي، حتى نؤمّن هذا المرفق المهم جدا، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة لنا ولكم،

اللهم صل على محمد وال محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى