عاشوراء

سماحة السيد منير الخباز “الليلة الثامنة”: علي وفاطمة المثل الاسمى في العلاقة الزوجية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وأل محمد

(وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

الزوجية في الرؤى المتنوعة

ماهي الزوجية ؟

هناك عدد تحركات وعلوم وتوجد عدة مفاهيم، جون جراي يقول Hن علماء النفس يرون بناء الزوجية على ركنين، أن الرجل و المرأة يرونها متساوية في القيمة، و الركن الثاني أن نجاح الزواج قدرة كل واحد منهما على تفهم الآخر، بحيث يسخران الفروق بينهما للتوائم و الترابط، هذه الزوجية في علم النفس ماذا عن علم الاجتماع، علماء الاجتماع المحدثون يقولون لا مناص من الإذعان أن الزوجية اختلفت في العصر الحديث لتعدد الأنماط،، أن الزوجية في السابق كانت تحمل قوانين وحقوق وكانت تشكل ثقلاً على الزوجين، أم الزوجية الآن تعيش بالحرية أكثر، فالزوجين يقرران الأدوار والحقوق أو حتى الانفصال.

الزوجية في الحركة النسوية، بعض الحركة النسوية يرى أن الزواج سجن للمرأة و حبس لطاقتها، و بعض الحركات الراديكالية تطرفت و قالت فتح المجال للعلاقات المفتوحة و فصل الغريزة الجنسية عن الأمومة، ادى ذلك الى كوارث في الغرب، يقولون ٤٪؜ من الرجال قد يربون طفلاً لا ينتمون له، بل هناك مسلسل استمر ١٩ موسم تقوم المرأة بتجميع الرجال الذين عاشرتهم و يفحصوا الحمض النووي، بل إن إحداهن فحصت ١٨ رجلاً و لم يتطابق اي منهم مع ابنها.

ماذا تعني الزوجية في الفكر الديني ؟

من خلال ٣ آيات

  • (وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) مفردات الآية جميلة ومهمة، و من آياته، الزواج آية من آيات الله، (ومن آياته أن خلق لكم)، لمَ ؟ الزواج مظهر لفطرة الإنسان الذي يميل الى الحب و الرحمة و السكينة و الاطمئنان، هذه الميول كلها تتجسد و تتبرمج بالزواج، (خلق لكم) في تفسير الرازي يقول لكم يعني الانتفاع، أي أن الله خلق المرأة لتخدم الرجل، و لكن هذا غير صحيح، هذه اللام لام الاختصاص، كما نقول هذا المبلغ لهذه السيارة، لكم أي بينكم و بينهم علقة فطرية وهي الزوجية، (من أنفسكم) لمَ قال هكذا؟ بعضهم قال أنهم من جنس الإنسانية و لكن بعض المفسرين قال هذه اشارة الى عمق العلاقة الزوجية و عقب (لتسكنوا).
  • الآية الثانية، (هن لباس لكم و أنتم لباس لهن) حاجة الإنسان لهذا اللباس ؟ ستر العيوب، الزينة، يقيه من الحر، و يعطيه الدفء، المرأة زينة الرجل و المرأة زينة الرجل، المرأة تستر عيوب الرجل و كل منهما يمثل الحضن الدافئ للآخر
  • (وعاشروهن بالمعروف)

حقيقة الزوجية في الفكر الديني

  • يحتاج الرجل للعاطفة المتدفقة، جاء رجل للنبي (ص) إن لي امرأة إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموما قالت: ما يهمك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هما، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله ولك في كل يوم أجر سبعين شهيدا، حب المرأة للرجل كفيل بضمان الأسرة، عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ إن قول الرجل لزوجته أحبكِ لا يذهب من قلبها أبداً.
  • إيجاد الجو الجنسي الهادئ، ليست العملية الجنسية بين الرجل و المرأة عملية جراحية ولا المرأة مجرد دمية عند الرجل، لابد من تحفيز جمالي من المرأة لأن هذا يدعو كل منهما الى العفاف، الحسن بن جهم رأى الكاظم (ع يختضب، وقال إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة، ثم قال: أيسرك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهو ذاك، يحتاج أن يتهيأ الرجل للمرأة والمرأة تتهيأ للرجل، المطلوب من كل من الطرفين الاعداد و التهيئة لكي يكون جوًّا مثمر.
  • المشاركة في المسؤولية، كثير من الرجل يرمي كل شيء على المرأة، الشراكة بين الطرفين في إدارة أمور المنزل، لاحظوا علي و فاطمة، ضمن علي لفاطمة أن يحتطب و يستقي و يكنس البيت، و ضمنت فاطمة لعلي أن تطحن و تعجن و تخبز، و تقاضى فاطمة و علي عليهما السلام عند النَّبي مُحَمَّد ﷺ، قضى على فاطمة ما خلف الباب و على علي ما خارج البيت.
  • الشعور بالرضا، أن يشعر كل واحد منكما بالرضا عن الآخر، دخل النَّبي مُحَمَّد ﷺ على علي و فاطمة بعد يوم من زواجهما فسأل عليا: كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على طاعة الله، وسأل فاطمة فقالت: خير بعل.

مشروع الزواج السعيد

يرتكز على عدة ركائز

  • المودة القلبية في رتبة سابقة، تزوج من يميل قلبك إليها، عن ابن أبي يعفور، عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت إني أردت أن أتزوج امرأة وإن أبوي أراد غيرها، قال: تزوج الذي هويت ودع التي هوى أبواك..
  • المعرفة التفصيلية بكل من الطرفين، الرجل يعرف المرأة و المرأة تعرف الرجل تفصيلاً، بالطرق المشروعة، اولاً ما هي مفاهيمه عن الحياة الأسرية، ثانياً ما هي قدرته على احتواء مشاعر المرأة و تذويب الاختلافات، و نفس الصفة هل موجودة عند المرأة، و ثالثاً الثقافة الدينية، و رابعاً أن يكون لديه وازعاً دينياً امام العلاقات و التبرج و هكذا، ورد عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وورد عنه أيضاً إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة، العزيزة، وعن الصادق (ع) ما معناه أن أفضل نسائكم الطيبة الريح الطيبة الطبيخ التي إذا انفقت انفقت بمعروف واذا امسكت امسكت بمعروف.
  • الحب و التقدير، جون جراي لديه كتاب الرجل في المريخ و النساء في الزهرة، من أكثر الكتب تأثيراً في الربع الأخير من القرن العشرين، قرأه الكثير و أصلح العديد من العوائل، بعد ذلك تغيرت الأحوال و جاءت ضبابية، ثم كتب كتاب ما بعد المريخ و الزهرة.

البند الأول يذكر خمس صفات فروق بين الرجل والمرأة

  • الحالة المزاجية للرجل هي أنه لا يبالي كثيراً، أما المرأة مثل الموج و ذلك بسبب التغيرات الجسدية.
  • الرجل يتواصل مع المرأة لهدف، بينما المرأة تعتبر التواصل بينها و بين الرجل هدفاً.
  • المرأة تريد أن يفهم الرجل قبل أن تتكلم، و هذا أحياناً يخلق مشاكل.
  • الرجل يسعد بالعلاقة الحميمة بينه و بين زوجته، أما المرأة تسعد بالعلاقة الرومانسية تسعد بالإيحاءات و العواطف.
  • لابد من تبادل المشاعر في آن واحد، و ليس كل منهما ينتظر الآخر، لا أن ينتظر كل واحد من الآخر ابداء التقدير.

البند الثاني

يقول جون جراي أن إبراهم ماسلو رسم خارطة للحاجات وقسم الحاجات لأولية و ثانوية، المرأة الآن تركز على الحاجات الثانوية، قبل ٤٠ عام كانت تنظر له أنه يوفر الدعم المادي و الامن أي حاجات أولية، الآن تنظر للإشباع العاطفي فهي لم تعد محتاجة مادّياً و لم يعد الرجل ينظر لها بالدور المنزلي، بل حاجة اشباع عاطفي، كل من الطرفين يحتاج الى الحب و التقدير، و لكن الأسلوب يختلف:

  • المرأة لا تريد فقط أن يوفر لها مالاً، و لكنها تريد من يتفهم مشاعرها و يصغي إليها و يشاركها في مشاريعها، و يسأل عن التحديات التي تواجهها هذا الذي تعتبره أسلوب معبر عن الحب و التقدير.
  • الرجل ينتظر من المرأة التقدير أكثر من العكس، حاجة المرأة للتقدير كالحاجة للتحلية بعد الوجبة، أما الحاجة للتقدير عند الرجل هي الوجبة الأساسية، هي تنتظر أن تبدي أعجابها به، فذلك يعزز فيه الثقة بالنفس.

المشروع الأكمل في زواج علي وفاطمة

حين ننظر الى المجتمعات التي تعيش الاحتراق الطائفي نشكر الله على النعمة الذي نعيش فيه، ليس بين الشيعة و السنة سوى التفاهم الأخوي و التعاون و التكامل كما قال د.محمد العيسى، الشيعي ينظر الى السني انه مكمل منه و العكس يشتركان في بناء وطن واحد، المواطنة الحقيقية الصادقة هي التي تعني أن يشترك الجميع في بناء أوطانهم، و ذلك ما نلمسه قبل أن يتكلم د.محمد عيسى، نرى أن الروح الطائفية تضاءلت، و بمرور الوقت نرى أن الروح ترسخت، المواطنة الصادقة التي تعني الوئام و أن مجال العمل للكفاءة سواءً كانت سنية او شيعية، الكفاءة هي المناط بلا انتماءات قبلية او عرقية، الإمام ابو علي الخنيزي و الإمام كاشف الغطاء، لاحظوا قول مراجعنا العظام السنة ليسوا أخواننا بل أنفسنا.

المشروع الأكمل في زواج علي و فاطمة

لهذا الزواج عدة معالم

  • المعلم الإنساني، أن يشعر أن كل واحد من الآخر أنه كفءٌ له، إذا شعر احدهم ان زوجه دونه فهذا يخلق مشكلة.
  • المعلم الكمالي، خذوا زينتكم عند كل مسجد، (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ما الفرق بين الزينتين ؟ هناك زينة حقيقية و أخرى ظاهرية، الظاهرية هو اللبس الجميل و السيارة الفخمة، أما الحقيقية …، الزواج بنظرهم بناءٌ للحضارة، كما أخرج علي و فاطمة عمالقة أفذاذ، ما هو أثاث فاطمة و مهر فاطمة ؟ حصير هجري، قعب للبن، قربة للاستقاء، خشبة لتعلق الملابس عليها، ورمل ناعم للبيت، وفراشان، و لما قدم علي (ع) هذا الاثاث لفاطمة قال بارك اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف.
  • المعلم التربوي، كانا قدوةً لجميع الأجيال.
  • المعلم العاطفي ( وهي تفول له عند مماتها، يا ابن العم هل عهدتني خائنة أو كاذبة منذ أن عاشرتني ؟ قال معاذ الله أنت أبر وأتقى من أن أوبخك) وهو قد ورد عنه (ع) (فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.)
  • المعلم الروحي، (العقل ما عبد به الرحمن) أن تستثمر عالم المادة لبناء الروح في مجال القيم، التركيز على بناء الروح، عن علي (ع) أنه قال لرجل من بنى سعد الا أحدثك عنى وعن فاطمة انها كانت عندي وكانت من أحب أهله إليه وانها استقت بالقربة حتى اثر في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يدها وكسحت البيت حتى غبرت ثيابها وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرما أنت فيه من هذا العمل فاتت النبي صلى الله عليه وآله فوجدت عنده حداثا فاستحت وانصرفت قال فعلم النبي صلى الله عليه وآله انها جاءت لحاجة قال فغدا علينا ونحت في لفاعنا فقال السلام عليكم يا أهل اللفاع فسكتنا واستحيينا لمكاننا ثم قال السلام عليكم فسكتنا ثم قال السلام عليكم فخشينا إن لم نرد عليه ان ينصرف وقد كان يفعل ذلك يسلم ثلاثا فان اذن له وإلا انصرف فقلت وعليك السلام يا رسول الله ادخل فلم يعد ان جلس عند رؤوسنا فقال يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد قال فخشيت إن لم نجبه ان يقوم قال فأخرجت رأسي فقلت انا والله أخبرك يا رسول الله انها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها وجرت بالرحا حتى مجلت يداها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فقلت لها لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك حرما أنت فيه من هذا العمل قال أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم إذا أخذتما منامكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين قال فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها فقالت رضيت عن الله ورسوله ورضيت عن الله ورسوله ورضيت عن الله ورسوله.

و الحمد لله رب العالمين

تقرير/ حسن هاني آل سيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى