عاشوراء

سماحة السيد منير الخباز “الليلة السادسة”: الزهراء عليها السلام رمز الانسان الكامل

الزهراء (ع) رمز الإنسان الكامل

الليلة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)

الحديث في محاور ثلاثة:

ملامح الإنسان الكامل
من هو الإنسان ؟
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) نفهم من هذه الآية أن الإنسان هو الخلق الآخر و لكن ذيل الآية (فتبارك الله أحسن الخالقين) يرشدنا إلى أن خلقة الإنسان هي أحسن الخلقات و إلا لماذا يقول (فتبارك الله أحسن الخالقين)، هذا باعتبار أن جوهر الإنسانية يمتلك أربعة عناصر ليست موجودة في بقية المخلوقات و هي العقل و الإرادة و الشعور و الفطرة الصافية النقية، التي عبر عنها بقوله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، و شرحها في قوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)، أي أن الخلق البشرية تتميز عن باقي المخلوقات أنها حين تسويتها تعرفت على الفجور و التقوى.

ما هو الهدف من وجود الإنسان ؟
الهدف من وجود الإنسان هو الوصول إلى مقام الخلافة وهو أن يكون خليفة لله في الأرض، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ) آدم كان رمزاً لخلافة الله في الأرض لا بشخصه بل بما هو إنسان، كل إنسان قد تجسد في آدم في تلك اللحظة ليكون محققاً لمقام الخلافة، (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) و لكن ما معنى الخلافة ؟
● الخلافة الحسية، هي التي تتقوم بغياب المستخلف وحضور الخليفة، و لكن كيف أكون خليفة الله (وهو على كل شيء شهيد)، (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)، وفي الدعاء الذي ورد عن أمير المؤمنين (ع)(اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك) لأنه تعالى على كل شيء شهيد.
● الخلافة هنا هي الخلافة الواقعية، هي بمعنى أن الإنسان مرآة لله عز وجل في إدارة الكون (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً) الأمانة هي خلافة الله في الأرض، و خلافة الله في إدارة الكون تلزم ببناء حضارة و لكن لا كحضارة الرأسمالية المشوبة بالحروب و القتل، بل هي الحضارة التي تقوم على ثلاث أسس:
○ العدالة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)
○ الشهادة (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)
○ الأخوة(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)

ما هو الطريق لتحقيق هذا الهدف ؟
1. التعلم، لا يمكن لشعب أن يتقدم ما لم يحمل علماً و معارف، لا يصح من أي شعب الفخر بالماضي و حاضره متخلف، لا يكون الفخر حقيقياً إلا إذا كان الحاضر على نسق الماضي، إذا حمل علماً و تفوقاً و تميزاً حق له الفخر، (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).
2. اتحاد العقل العملي والعقل النظري، العقل النظري هي القوة المسؤولة عن التحليل و الاستنتاج، و أما العقل العملي فهي القوة المسؤولة عن السلوك، المعبر عنها في القرآن الكريم بالنفس اللوامة، (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا).
3. بين هاتين القوتين حجاب، أحياناً يعمل الإنسان ما يؤمن به أو يعمل ما لا يؤمن به و قد يؤمن بأشياء و لا يعمل بها، سواء كان لخوف أو شهوة أو غيره، يدعو الإنسان في شهر شعبان لإزالة هذا الحاجب، (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك) ما معنى خرق البصر حجاب النور؟ لكي يخرق بصرك حجاب النور لا بد أن يتحد العقل العملي و النظري، كيف نخرق هذا الحجاب بين القوتين؟ إذا ارتفع الحجاب صار الإنسان مطمئن، و إذا بقي الحجاب عاش القلق، ما دام القلق موجود فإن الحجاب موجود ( إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) الاطمئنان بزوال الحجاب، الطريق هو توظيف العلم بواسطة العقل لتحقيق تقوى القلب، في القرآن يستعمل العلم و يستعمل العقل و لكن ليس المراد منهما ما نفهمه، العلم في القرآن (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) عطف العلم على القنوت في الليل، اعتبر القانتين هم العالمين، أن تحول المادة العلمية إلى مادة روحية، هذا هو العلم بحسب اصطلاح القرآن، لا ميز بينك و بين الكمبيوتر إذاً إذا لم تكون تحول المعلومات إلى مادة قلبية، (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، أما العقل في القرآن هو عبارة عن التدبر في الكون و الوجود، قراءة طريقية و ليس قراءة مادية كالفيزيائي الذي شغله حل المعادلات، بل كالذي يقرأ الوجود أنه مظهر الله (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ) و ملته هي التي بينت في الآية (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)، إذا وظف هذه المعلومات وصل إلى القلب و القلب السليم (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، سيكون عقله مقرون بقدرته و قدرته وعقله مقرونة بالحكمة.

ما هي مظاهر خلافة الله في الأرض
● الوصول إلى مقام الإنسانية الأسمى، هو مقام آدم الذي هو مقام التعلّم و التعليم، هذه ميزة إنسانية سامية، الملائكة اعترضوا، لكن ما هي ميزة هذا الموجود عن الملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ).
● التميز، كن متميز في شخصيتك الطبية أو المهنية أو العلمية، لا تكن تكراراً إلى غيرك، ليس المهم أن تصل إلى أي مقام بل المهم أن تكون متميزاً في موقعك، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، ورد عن الكاظم (ع) من تساوى يوماه فهو مغبون، العيش في روتين قاتل بلا تميز و لا تطور فهذا عيش في خسران، (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) أي على المرء أن يتعلم و لا يكتفي بوظيفة أو منصب و شهادة علمية معينة.
● الإمداد الغيبي، (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)، هل يمكن أن يكلم الله الإنسان وإن لم يكن نبياً ؟ نعم (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) هذه مريم قد كلمت، لأن الوحي التشريعي هو الذي يختص به الأنبياء و الرسل، أما الوحي الإنبائي فهو لكون المرء متسام روحياً، زوجة ابراهيم سارة كُلّمت أيضاً (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ).

الاعتقاد بالمقامات و الكرامات الغيبية ليس اعتقاد بالخرافة
ورد في مقامات السيد الزهراء سلام الله عليها أنها محدثة، السلام عليك أيتها المحدثة عليمة، و أورد الشيخ الصدوق عليه الرحمة أن الملائكة كانت تكلمها كما كانت تخاطب مريم، و قد يقول احدهم أن هذه مجرد خرافات و أساطير، و لكن هذه الكلام غير لوجوه عدة:
● الوجه الأول، مرت ملامح الانسان الكامل في المحور السابق، الذي ضمن له القرآن الكريم أن يكون مكلّماً كما كانت مريم و سارة، الانسان الكامل إذا سار على توحيد العقل العملي والعقل النظري و يكون محلاً لحديث الملائكة معه.
● الوجه الثاني، نحن لا نتحدث الآن مع من لا يؤمن بالله، إذا تحدثنا مع شخص يؤمن بالله، فإن من أسسه أن يؤمن بالخلق والأمر أي عالم الشهادة وعالم الغيب، عالم الخلق هو الذي نعيشه، هذا العالم المادي الظاهري هو عالم الملك و يحيطه عالم الملكوت، هذه القضية الأولى، و القضية الثانية هي أن عالم الأمر و عالم الغيب مهيمن على عالم الشهادة و عالم الخلق، فإذا كان الإنسان مادياً فلن يؤمن إلا بهذا العالم، أما إذا كان يؤمن بالعالمين فحتماً سيؤمن بتصرف ذاك العالم. مثال ذلك نشأة الإنسان (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، كيف تحولت المادة المنوية الصماء العمياء خلال ١٢ أسبوع إلى عقل و إرادة و مشاعر؟ لولا تصرف عالم الأمر بعالم الخلق لما أمكن ذلك، و لكن قد يقول أحدهم أنا نريد مثال على تصرف عالم الغيب في عالم الشهادة غير طبيعي و ليس كهذا المثال الذي يعد طبيعياً، نقرأ قوله تعالى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ) كيف يحصل كل هذا من دون تدخل ؟ هناك نقطة يطرحها من لا يريد أن يعتقد عقله بالكرامات، سيقول هذه القصص المذكورة في القرآن إنما ذكرها القرآن مجاراة لثقافة زمانه وإلا فإن القرآن لا يعتقد بها، فالأمة العربية تعرف هذه القصص من العهدين التوراة والإنجيل، إنما ذكرها مجارةً لثقافة أهل زمانه، و الجواب عن ذلك أن التفكيك في حجية ظواهر الآيات غير منطقي، مثلاً قوله (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ) فلا شك أن واقعة بدر وقعت، (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) ولا شك أن فتح مكة قد وقع (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) تقول كل هذه الاخبار صحيحة ووقعت، لكن الاخبار التي يتحدث فيها عن تدخل الغيب في حادثة مريم تقول لا هذه مجاراة ؟ لا مبرر منطقي للحكم على بعض الظواهر، و تجاوز كل تلك الأخبار، ما تقول في قصة ولادة عيسى ؟ أليست حقيقة دينية ؟ (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )، افترض تجاوزنا عيسى، ما تقول في قوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) و هذا اخبار عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ أنه أسري به في ليلة، أليست هذه كرامة غيبية ؟ شبهة يطرحها من حصر الامور في الماديات، لم يكن هناك وجود للمسجد الاقصى في زمن النَّبي مُحَمَّد ﷺ، إنما بناه عبدالملك بن مروان، بعد أن اختلف مع عبدالله الزبير و لم يستطع الدخول إلى مكة، و بنا على الصخرة قبةً و جعلها مسجد، ولكن انتبه للمغالطة في هذا الكلام، المسجد الأقصى ليس هو مسجد الصخرة، المسجد هو مكان العبادة، المسجد الأقصى هو بيت المقدس و ليس هذا المسجد ذو القبة النحاسية، بيت المقدس فيه قبر مريم و إسحاق والعديد من الأنبياء، و ليس المقصود بالمسجد الأقصى بنيان مكتوب عليه المسجد، و انما هو مكان للعبادة، القرآن يقول (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) هذا المكان الذي تعبد فيه الأنبياء و مريم، و الآية (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) كانت تدخلاً غيبياً.

حديث الإنسان مع الله، ليست امراً خارق للعادة، بل هو حديث من عالم الأمر إلى عالم الخلق، كما أنه يتحدث مع الإنسان بالرؤى الصادقة، فإن الرؤى الصادقة التي يراها العديد من الناس و يرون الأحداث قبل وقوعها ما هو إلا حديث من عالم الأمر إلى عالم الخلق، كذلك يتحدث مع مريم و السيد الزهراء سلام الله عليهما.

معالم الكمال في شخصية الزهراء عليها السلام
المعلم الأول
الزهراء مصدر للعطاء، فنحن نشهد لها العطاء العلمي في الخطبة الفدكية، الأحاديث الواردة كافية لتظهر سمو الزهراء (ع)، مضافاً لذلك أنها ضمن الخمسة الأشباح (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) و آية (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) لها مقامات تميزت بها، هي مظهر للأسماء الحسنى لله، ورد عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني، (كما في صحيح البخاري)، رضا الله يدور مدار رضاها، لو لم تكن حجة من حجج الله فلا يمكن أن يكون رضا الله رضاها، فهذا تعبير عن عصمتها و بلوغها مقام مظهرية الأسماء الحسنى، أي هي مظهر لعلمه و حكمته و قدرته، و في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ” ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ” قال: نحن والله الأسماء الحسنى.

المقام الثاني
الزهراء وعاء أم الكتاب، و من مقاماتها كما تعرفون مصحف فاطمة، للقرآن الكريم وجودان مادي و غيبي، الغيبي هو المعبر عنه في أم الكتاب أو الكتاب المكنون، من يصل إلى القرآن وهو في اللوح المحفوظ أو في أم الكتاب أي في ذلك المقام سيتعرف على تأويل القرآن، من يصل للقرآن في ذلك المقام يفهم (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)، القادر على كشف الرموز و الشفرات، القرآن يجيب من يستطيع الوصول (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) و المس ليس اللمس بل هو النيل، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) القرآن يفسر بعضه بعضاً، و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم، وقيل أن مصحف فاطمة ليس بقرأن إنما هو تأويل للقرآن.

المقام الثالث
السيادة، (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) يقول المفسرون أن هذا الاصطفاء المذكور في الآية يدل على العموم الأفرادي و ليس الأزماني، و القرينة على ذلك قوله تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) بل أمة النبي محمد (ص) أفضل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، مريم أفضل جميع النساء إلى زمانها، ولكن ما بعد زمانها؟ مريم سيدة نساء عالمها)، مريم اصطفيت على نساء العالمين و لكن فاطمة صارت سيدة نساء العالمين لكونها مجمع المناقب و الكمالات.

المقام الرابع
أنها شريكة النَّبي مُحَمَّد ﷺ في رسالته و دعوته، هناك عنوان اسمه عنوان العناية الملكوتية، حين نقرا الآيات المتعلقة بموسى (ع) ( قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) و قال في مريم (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وهكذا كانت فاطمة، ولدت فاطمة من شجرة الجنة، و كانت تحدث أمها و هي في بطن أمها تؤنس أمها، و بشر الله نبيه بها (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) و الكوثر هو الخير الكثير، و قال النَّبي مُحَمَّد ﷺ (فاطمة أم ابيها) لمَ ؟ تشمه و تمسح عنه العرق و تضمه و تشمه، وتخفف عليه كل أعباء النبوة و الرسالة، لذلك اعتبرها شريكة له في الرسالة، و عندما تحداه نصارى نجران أخرجها و بعلها و ابنيها ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) لكي تتحدى أحد في الدين تخرج أناساً هم حجج الله في خلقه، و لم يخرج النبي محمد (ص) ولا واحدة من نسائه، و لم يخرج احداً من اصحابه و إنما أخرج عليًّا.

لم تزالي في نذور الأمهاتْ *** جوهرَ اليُمْنِ وسرَّ البركاتْ

واسمك الخالد في أفواهنا *** لم نزل نحرسهُ بالقُبُلاتْ

كلّما نُودِيَ: يا فاطمةٌ *** هَرْوَلَتْ أرواحنا بالصلواتْ

يا فتاة الوحي، يا أم الهدى *** يا هدى الأم، ويا وحيَ الفتاةْ

أوقفَتْتني دارك العظمى على *** طيفها وسط زُقاقِ الذكرياتْ

لم تكن داراً كما نعرفها *** إنما عاصمةً للمعجزاتْ

حدثينا عن لياليك بها *** ودعينا من أحاديث الرواةْ

يا ترى كنتِ تديرين الرحى *** أم تديرين بيمناك الحياةْ

هل غزلتِ الصوفَ في مغزلِهِ *** أم غزلْتِ الحب بين الكائناتْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى