عاشوراء

سماحة السيد منير الخباز “الليلة السابعة”: مؤسسة الأسرة والشخصية الناجحة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وأل محمد

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)

حقيقة الأسرة بالمنظور الاجتماعي

بحسب علم الإجتماع الأسرة مجموعة تربطها علاقة زوجية و الدم أو التبني لينتجوا ثقافة مشتركة، قد تكون متقومة باثنين، أو واحد و الآخر متوفي، أو خال و أبناء أخت.

هل الأسرة مؤسسة طبيعية أم تاريخية ؟

إذا اتفق الذكر و الأنثى و قامت المرأة بدوة الأمومة و الأب بدور الأبوة هل هذا اختلاف طبيعي ؟

النظرية الدينية تقول هذا ناشئ عن اختلاف في الاستعداد الطبيعي، و ليس مستنداً على موروث تاريخي، و لنا دليلين:

  • الزوجية الانسانية مصداق من مصاديق الزوجية التكوينية (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، كما أنتم في كل شيء زوجان في بني الإنسان (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، شعور الذكر و الأنثى بأنهما زوجين يجعلهما ينقادا طبيعياً لتشكيل الأسرة، فيشكلناها لتلبية الميول بشكل آمن. و هذا بالإضافة أن الأنثى تملك طاقة للأمومة و الذكر طاقة للأبوة.
  • الدليل الثاني، إذا استقرأت التاريخ لما وجدت زمناً بلا أسرة، هذا الدليل أن الجنس البشري أدرك الإنسان منذ أول يوم أن توالد النسل البشري بطريقة آمنة هي الأسرة، و نؤكد بطريق آمن و ليس بطرق غير مشروعة.

النظرية التاريخية في المقابل  ترى أن الأسرى مؤسسة تعاقدية نشأت عن خلفية تاريخية، و ليست أمراً طبيعياً كما تعتقد النظرية الدينية،  و ننقدها نحن بملاحظات:

ماذا نقصد بالطبيعة ؟ ليس مجتمع الإنسان كمجتمع النحلة، إذ فرض على الذكر والأنثى أعمال معينة قسراً، أما بالنسبة للإنسان ليست هذه عملية قسرية فقد يموت دون أن ينشئ أسرة، و لكنها طبيعية بمعنى أنهم لو اجتمعا فإن كل واحد منهم سيأخذ دوره الصحيح، الرجل يملك طاقة لتوفير المادة والأمان للأسرة، والمرأة تملك طاقة لدور الأمومة، علم الاجتماع الذي يعد نقدياً قد نقد كل شيء إلا الأسرة التي يجدها طريق آمن لتوالد النسل البشري.

هل الرجل صاحب القيادة ؟

آراء ثلاثة:

  • الرأي الديني، (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) و في الآية تعبير دقيق، يستحق التأمل، أولاً عندما قال قوامون ولم يقل أولياء رغم أنه استخدمها في محل آخر (فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ)، كلمة الولاية تشعر بالسلطة المحضة، بينما كلمة القوامة تشعر بالمسؤولية، فإن الرجل مسؤول عن رعاية مصالح الأسرة وإن كان ذلك يتضمن سلطة، في زيارة أهل البيت (السلام عليكم أيها القوامون بالبرية بالقسط)، الكلمة الثانية لم يقل الرجل أفضل من المرأة وإنما قال بما فضل الله بعضهم على بعض، إذا كان الرجل مؤهلاً لدوره كان أفضل في هذه الجهة، و المرأة بما أن مؤهلة لدور الأمومة افضل من جهة الأمومة.
  • الرأي الديموقراطي، تخضع للنقاش و الاتفاق فلا قيادة للرجل و المرأة، هذه الأسرة ستكون فاشلة، في علم القانون يقال لابد من قيادة و إلا فإن المجتمع يفشل، لابد من قيادة تحسم الأمر و تستخدم حق الڤيتو.
  • التعاقد، بعد أن تعاقدا على الزواج يتفقان أين تكون القيادة، و الدين في الحقيقة لا يمنع من هذا، لكنه يقول لو تركت بالطبع الأولي منصب القوامة سيكون للرجل وليس للمرأة، و إلا باختيارهم الانجاب من عدمه او توزيع النفقة.

الدور الإيجابي للأسرة

عدة وظائف تقوم بها الأسرة:

  • الأسرة منشأ تشكيل الهوية، الأسرة هي المركز النفسي الأساس الذي يرتبط به الإنسان، في علم النفس يقال إن للإنسان حاجة للانتماء و الأسرة هي التي تشبع هذه الحاجة، بالأسرة يتشكل انتماء الإنسان، ادغار مورغن يقول أن الأسرة هي التي تلبي حاجته للانتماء.
  • يشكل الإنسان شخصيته بالأسرة، الأسرة هي الناقل الأول للعادات و المعارف و التقاليد، و سلامة المجتمع بسلامة الأسرة، فإذا كانت الاسرة سليمة فالمجتمع سليم.
  • تعزيز التعاون، الأسرة ترغم كل شخص أن يصبر على غيره، و هذا يعزز اكتساب الخبرات المتبادلة وهو مصداق للتعاون من خلال المجتمع، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
  • تحصيل شحنة الاطمئنان، كل إنسان لديه قلق، يحتاج الى طاقة من الاطمئنان، فإذا كانت متقاربة فهي أفضل منبع لتحصيل الاطمئنان، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً).

مقومات الشخصية الناجحة

كيف يصبح الإنسان شخصية ناجحة ؟

الشخصية عبارة عن اتصاف الإنسان بمجموعة من القيم، بولتوج لديه كتاب كيف ينجح الأطفال، يذكر أن سلجمان وهو عالم نفس  تعاون مع بيترسون عالم النفس الشهير وأصدروا كتاب الدليل الإحصائي و التشخيصي للأمراض النفسية ، ذكروا في هذا الكتاب ٢٤ سمة من شخصية الإنسان، تارة يكون لها منطلق فاعلي كما لو كان لك شجاعة أو حكمة أو نزاهة و لكن المنطلق الآخر الانفعالي هو ما إذا كان عندك حب وتقدير لجهود الآخرين و أخرى منظلقها الذكاء الاجتماعي، الذكاء الاجتماعي معناه قدرة التواصل مع الناس و التكيف معهم، وننوه أنه حين نذكر آراء العلماء الغربيين فهذا لا يعني أن هذه قواعد محكمة لا تختلف و لا تتخلف، و لكنها مبنية على استقراءات و هي علمية و تقريبية للواقع (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).

مقومات الشخصية

  • استقرار الجو الأسري، فيليبا بيري كتبت كتاب اسمه الكتاب الذي تتمنى لو قرأه أبواك، تقول فيه ليس المهم بناء عائلة و لكن المهم أن تكون العلاقة بين الأسرة هادئة، و لابد أن يكون بينهما إحترام و إن كانا منفصلين، إذا كان، لأنه إن لم يكن مستقراً سيشعر الطفل بالنقص، لأنه ينتمي إلى كليهما، ولكن الواقع أن لا يوجد بيت لا يختلف الأب و الأم و لكن كيف ندير الاختلافات من خلال الأسرة ؟
    • عدم تجاهل الاختلاف، لأن تجاهل الاختلافات يزيد الفجوة و يطفئ الشحن العاطفية، ليست إدارة الاختلاف أن تجمع نقاط أنتَ و أنتَ كما هو الملعب، الهدف معالجة الاختلاف و ليس كسب الاصوات.
    • مراعاة مشاعر الآخر، لابد أثناء الاختلاف مراعاة المشاعر، انتَ انتَ تعتبر كلمة هجوم و لذع و تؤجج الاختلاف، قل (انا غير راضي عن هذا الذي حصل) لا تقل أنت.
    • تعزيز المودّة، تحتاج الى روافد تعطيها مدد، جون جوتمان أسس مختبر في واشنطن ١٩٨٦ في مختبر الحب، ذكر أساليب لتعزيز المودة بين الصديقين و الزوجين:
      • الاستجابة للتواصل، تشترك معي في قراءة كتاب في غداء أو في عشاء.
      • الثناء على الطرف الآخر، توقف عن الذم و اللوم لأنها تنهي المودة، انتقل الى الأسلوب الإيجابي
      • احترم رأي الآخر، أنت لست معصوماً وهي ليست معصومة، فتح مجال لقبول الرأي الآخر، ولايوجد أفضل صورة للوئام أفضل من الذي بين علي و فاطمة، وقد ورد عنهما ( وهي تفول له عند مماتها، يا ابن العم هل عهدتني خائنة أو كاذبة منذ أن عاشرتني ؟ قال معاذ الله أنت أبر وأتقى من أن أوبخك) وهو قد ورد عنه (ع) (فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.)
    • التفاؤل، المتفائل دائماً يأخذ التفسير القصير، بينما المتشائم يأخذ الطريق الطويل، مثلاً يفشل في الامتحان يقول أنا غبي أي سيبقى هكذا و لكن لو قال أنا لم أستعد، أو يخطب امرأة فينفصلان يقول ماحد يحبني، ورد عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ (تفاءلوا بالخير تجدوه) (سهل أمركم فقد جاء سهيل حين أقبل سهيل بن عمر) أي حتى بالاسم يتفاءل، التفاؤل هي مهارة يعلم نفسه عليها لكن ليس بحد الإفراط، عن الإمام علي (ع) (العاقل يعتمد على عمله و الجاهل يعتمد على أمله)
    • الإرادة و التحكم في الذات، البطولة مقياسها التحكم بالذات و ليس النسب و لا الثروة و الحجم، ليس من يطوي طريقاً بطلاً إنما من يتقي الله بطلاً، بعض الناس مدمن على التدخين تقول له مضر، يقول أعلم ولكن لا أستطيع الترك، جاء رجل للإمام الصادق (ع) يقول إني مبتلى بأكل الطين قال له الإمام (ع) (إنما هي عزمة من عزمات الرجال)، ولكن كيف نربي قوة الإرادة في أطفالنا، ورد في الرواية أن عليك بتكفيل الطفل بعض المهام ورد عن النبي (ص* (ولا يرهقه ولا يخرق به) أي حاول أن تكلفه بأعمال لكي يعتمد على نفسه، اعدد لنفسك الطعام أو رتب سريرك، ولا يخرق به أي لا تلذعه بالعيوب و لا تستعمل معه أسلوب الإعابة و التذكير بالخطأ، إذاً تعامل بين هاتين الركيزتين، (الحلم والأناة ينتجهما علو الهمة).
    • التحفيز، كل القيم تحتاج إلى عنصرين، مبادرة و مثابرة، مثلاً تقول لطفلك تعلم الصلاة، يحتاج الأمر إلى مبادرة و مثابرة، لكن وجود هذين العنصرين يحتاج إلى مرغبات أيضاً، اشرح له فوائد الصلاة حتى يتمرن على الصلاة، ورد عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ أنه سمع أعرابي يصلي فأجازه النبي (ص) ثم قال أنت من بني من ؟ قال من بني عامر بن صعصعة، قال أتدري لم أجزتك ؟ قال للرحم، قال النبي (ص) “إن للرحم حقاً، و لكني أجزتك لحسن دعائك لربك.”
    • يقظة الضمير، جزء من التخصصات في علم النفس اسمه علم الشخصية، أي كيف تدرس سمات الشخصية وهناك سمات خمس (العصابية و القبول و الانفتاح و يقظة الضمير …) يقظة الضمير أي الإحساس بالمسؤولية الذي يعبر عنه القرآن (وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها) و يترتب عليه أن يحقق الطفل التفوق في دراسته، و أن يكون منظم و يكون زوجاً صالحاً مستقبلاً، ولا يتجاوز على حق أحد، في النصوص الشريفة عليها تركيز كبير على الضمير عن النَّبي مُحَمَّد ﷺ (حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا و زنوها قبل ان توزنوا) جندب عندما يمدح أمير المؤمنين (ع) كان يقول (كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، و يقلب كفيه على ما مضى).
    • البعد عن الترف، سونيا لوثر، أسست دراسة قارنت بين ذوي الدخل المحدود من الأطفال و العوائل الثرية -وإن كنا لا نصف جميع الأثرياء بهذه الصفة- وجدت في الدراسة أن الاكتئاب أكثر في أهل العوائل الثرية وكذلك المخدرات و التدخين، كل ذلك بسبب الترف، حبن تربي الطفل على الحماية الكاملة فإن هذا ترف، علم طفلك ان يقوم ببعض الحرمان، عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن أبي نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متكئ على ذراع الأب، قال: فما كلمه أبي (عليه السلام) مقتا له حتى فارق الدنيا.
    • التعلق بالجمال، الجمال المعنوي، جمال الصدق و الأمانة ووفاء العهد، نربي أطفالنا على جمال الصدق و سائر القيم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) نعوّد أبناءنا في تذوق الصلاة، إذا لم يتعلم الطفل منذ الصغر متى يتعلم الصلاة ؟ الصلاة تضفي على نفسه الطمأنينة، الصلاة قربان كل تقي، وقد ورد عن الصادق (ع)(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع).

كل مقومات الاسرة الناجحة و الشخصية يكتسبها المرء من أسرة فاطمة و علي سلام الله عليهما، (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، هذه الأسرة كلهم ماتوا شهداء، و الصفة الثانية رفض الظلم و مواجهة الطغيان، هذه الاسرة علمت الأمة.

 

و الحمد لله رب العالمين

تقرير/ حسن هاني آل سيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى