أخبار المسجد

«السيد النمر» : مادمنا في رحاب الإمام الحسين فلنطلق العنان الى معرفة الله وطاعته

تطرق سماحة العلامة السيد حسن النمر الموسوي إمام مسجد الحمزة بن عبدالمطلب (ع) في حديث الجمعة عن ثلاثة محطات لمعرفة أهل كل زمان بإمامهم والذي يجب عليهم طاعته.

و اوصى بالتقوى والتي تعني أن يتخلى الإنسانُ عما يضرُه، وأن يتحلى بما ينفعُهُ.
ولا يوفق إلى هذا إلا مَن توفر على مجموعةِ شروطٍ ذاتيةٍ وموضوعيةٍ، وأسبابٍ قريبةٍ وبعيدةٍ.

واوضح ان ما دمنا في رحابِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) واستذكارِ مصابِهِ المفجعِ، فلنعطف عنانَ الحديثِ إلى بعضِ ما روي عنه في هذا البابِ، وسيتبينُ لنا كيف تجرأ أولئك الأشقياءُ على ارتكابِ جريمةٍ شنعاءٍ بمستوى قتلِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) وخيرةِ أهلِ الأرضِ في زمانِهِ، وليعينَنا ذلك على تجنبِ السبيلِ التي توغلوا فيها، فاقترفوا ما اقترفوا؛ لنحذرَ من خطواتِها الأولى فيها.
روى الشيخُ الصدوقُ في علله، واللفظُ له، والشيخُ الكراجكيُّ في فوائدِهِ، بسندِيهما، عن سلمةَ بنِ عطاءٍ، عن أبي عبدِ اللهِ الصادقِ (عليه السلام)، أنه قال:
“خرج الحسينُ بنُ عليٍّ (عليه السلام) على أصحابِهِ، فقال: أيها الناسُ! إن اللهَ جلَّ ذكرُهُ ما خلَق العبادَ إلا ليعرفوه،‏ فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادتِهِ عن عبادةِ مَن سواه.
فقال له رجلٌ: يا ابنَ رسولِ اللهِ! بأبي أنت وأمي فما معرفةُ اللهِ؟
قال: معرفةُ أهلِ كلِّ زمانٍ إمامَهم الذي يجب عليهم طاعتُهُ”.

و تناول ضمن محطاتٍ ثلاثٍ:

المحطة الأولى: معرفةُ اللهِ غايةُ الخلقِ
إن مما لا شكَّ فيه أن اللهَ تعالى كاملٌ في ذاتِهِ، حكيمٌ في فعلِهِ.
وقد بيَّن الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) في هذه الحديثِ الشريفِ ما يؤكد كمالَ اللهِ تعالى وحكمتَهُ، ضمن بيانِهِ مجموعَ غاياتٍ ووسائلَ يأخذ بعضُها بعنقِ بعضٍ؛ لتنتهيَ بالإنسانِ إلى تحقيقِ الغايةِ المنصوصِ عليها في الكتابِ الكريمِ من خلقِ الإنسانِ، وذلك في قولِ اللهِ تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
والعبادة تعني: خضوعَ العبدِ للمعبودِ نفسيّاً، وطاعتَهُ عمليّاً.
والسؤالُ: كيف يعبد الناسُ ربّهم عزَّ وجلَّ؟
الجواب: لا بد من التمييزِ بين عنوانين:

الأول: العبادة
والتي تعني تطبيقَ أوامرِ اللهِ، وتجنبَ نواهيه، وهذه الأوامرُ والنواهي تُعرف من علمِ الفقهِ حيث يستنبط الفقهاءُ ذوو الكفاءةِ الاجتهاديةِ مصاديقَها من الكتابِ والسنةِ ضمنَ عناوينِ (الواجب، والحرام، والمستحب، والمكروه، والمباح).
فليس من فعلٍ من أفعالِ الناسِ إلا وهو محكومٌ – بالعنوانِ الأوليِّ – بواحدٍ من هذه الأحكامِ.
فالصلواتُ اليوميةُ – وهي الفرائضُ الخمسةُ – مثلاً واجبةٌ، وأما نوافلُها فمستحبةٌ، وصومُ شهرِ رمضانَ وغيرُهُ مستحبٌّ، أما صومُ العيدين فمحرمٌ، وحجُّ البيتِ الحرامِ واجبٌ مرةً في العمرِ على المستطيعِ، وعلى غيرِهِ مستحبٌّ، وسترُ العورةِ على الرجلِ واجبٌ، ومثلُهُ الحجابُ على المرأةِ، وكشفُ العورةِ حرامٌ، وكذا تخلي المرأةِ عن الحجابِ، وغَسلُ الأيدي عند الأكلِ مستحبٌّ، وتركُهُ مكروه، وشربُ الخمرِ حرامٌ، وتركُهُ واجبُ، وقِس على هذا ما هو مسطورٌ في مدوناتِ الفقهِ، الذي تقرر فيه، وعند أهلِهِ، أن لكلِّ واقعةٍ حكماً.
فالعبادةُ هي سلوكُ الإنسانِ – بجوارحِهِ، وجوانحِهِ – وفقاً للتشريعِ الإلهيِّ. لا فرقَ في ذلك بين ما يكون بين الإنسانِ وبين ربِّهِ، وهو ما يسمى بالعباداتِ، كالصلاةِ والصومِ، وما بينه وبين الخلقِ، مما يَعقل أو لا يَعقل، وما يحب وما يكره، وهو ما يسمى بالمعاملاتِ، كالبيعِ والنكاحِ، والمزارعةِ، وما بينهما وهو ما يسمى بالأحكامِ، كالقضاءِ والإرثِ والحدودِ.

الثاني: العبودية
وهذه تعني اعتقادَ الإنسانِ أنه مخلوقٌ ومملوك للهِ الذي هو خالقُهُ، ومالكُهُ ومولاه، وأن للهِ تعالى عليه حقَّ الأمرِ والنهيِ.
وروحُ الانقيادِ، هذه، لا تتحقق بدونِ معرفةِ الإنسانِ نفسَهُ بالمخلوقيةِ، ومعرفتِهِ ربَّهُ بالخالقيةِ، وبدونِ اعتقادِهِ بذلك.
والعبوديةُ شرطٌ رئيسٌ في العبادةِ، فمَن لا يعتقد بعبوديتِهِ للهِ عزَّ وجلَّ لا يعرف ربَّهُ، ومَن لا يعرف اللهَ بالربوبيةِ لا يقر له بالربوبيةِ.
ومن هنا، يتقدم علمُ الاعتقادِ على علمِ الفقهِ تقدماً طبعيّاً؛ فإنه يشكل الأرضيةَ له، وعليه يُشيَّد بناءُ العبوديةِ والعبادةِ.
لهذا قال الإمامُ الحسين (عليه السلام) – في صدرِ روايةِ البحثِ – “أيها الناسُ! إن اللهَ جلَّ ذكرُهُ ما خلَق العبادَ إلا ليعرفوه،‏ فإذا عرفوه عبدوه” فقد كشف الإمامُ (عليه السلام) في هذه الفقرةِ عن خلفيةِ ما جاء في قولِهِ تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾، فالعبادةُ هي الغايةُ الأصليةُ، والمعرفةُ هي الطريقُ إليها، وبهذا صارت المعرفةُ غايةً كالعبادةِ، بل إنها تتقدم عليها تقدمَ الشرطِ على المشروطِ، وتقدمَ السببِ على النتيجةِ.
فلا يتصور من الجاهلِ باللهِ – تماماً – أن يعبدَهُ.
ومن ثم، صح أن نقولَ إن مَن لا معرفةَ له لا عبوديةَ فيه، ولا عبادةَ منه.

المحطة الثانية: عبادُ اللهِ متحررون عن عبادةِ غيرِهِ
إن العبادةَ – كما قدمنا – تعني الخضوعَ والطاعةَ.
وعليه، فإن من اللازمِ أن يُتنبهَ إلى أن معنى العبادةِ سيتسع ليشملَ كلَّ سلوكٍ للإنسانِ، وأن عناوينَ المعبودِ ستتعدد لتشملَ كلَّ مخضوعٍ له.
يشهد لذلك ما رواه الشيخُ القميُّ، بسندِهِ عن أبي بصيرٍ – في ذيلِ قولِهِ تعالى من سورةِ مريم {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 81، 82]- أن الإمامَ الصادقَ (عليه السلام) قال في تفسيرِها “أي يكونون – هؤلاء الذين اتخذوهم آلهةً من دون اللهِ – عليهم ضدّاً يومَ القيامةِ، ويتبرءون منهم ومن عبادتِهم إلى يومِ القيامةِ.
ثم قال:
ليست العبادةُ هي السجودَ ولا الركوعَ وإنما هي طاعةُ الرجالِ، مَن أطاع مخلوقاً في معصيةِ الخالقِ فقد عبده‏”.
لذلك، فإن عبَّادَ اللهِ تعالى حقّاً، وموحدوه حقيقةً، هم المتحررون من عبادةِ غيرِهِ، وأما مَن سواهم فهم يعبدون غيرَ اللهِ من حيث يشعرون أو لا يشعرون!
لهذا قال الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) – في الفقرةِ التاليةِ من حديثِهِ الشريفِ – “فإذا عبدوه استغنوا بعبادتِهِ عن عبادةِ مَن سواه”.
فنحن – إذن – بين يدي أمرين على درجةٍ عاليةٍ من الأهميةِ والمصيريةِ هما المعرفةُ والعبادةُ.
لهذا، فإن من غيرِ المستغربِ – أيها المؤمنون والمؤمنون – أن ينبريَ أحدُ الحاضرين ليسألَ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام) قائلاً “يا ابنَ رسولِ اللهِ! بأبي أنت وأمي فما معرفةُ اللهِ؟”.
وهذا سؤالٌ منطقيٌّ!
فبماذا أجابه الإمامُ (عليه السلام)؟
أجابه بقولِهِ “معرفةُ أهلِ كلِّ زمانٍ إمامَهم الذي يجب عليهم طاعتُهُ”.
وقد تسأل، وتقول: ما وجهُ الربطِ بين السؤالِ والجوابِ، فالسائلُ أراد معرفةَ اللهِ، والإمامُ أجابه بأنه معرفةُ الإمامِ الذي تجب طاعتُهُ؟
الجواب: إن الإمامَ (عليه السلام) إنما أجاب بذلك لأنه أعاد السائلَ إلى البعدِ العمليِّ لمعرفةِ اللهِ ولعبادتِهِ، أعني إلى الطاعةِ.
فما قيمةُ الزعمِ بمعرفةِ اللهِ إذا لم تنتج عبادتَهُ؟!
وما قيمةُ عبادةِ اللهِ إذا عُبِد معه غيرُهُ؟!
وما قيمةُ الادعاءِ بعبادةِ اللهِ إذا لم يُطع؟!
وما معنى طاعةِ اللهِ إذا أطيع معه غيرُهُ؟!
إن جوابَ الإمامِ (عليه السلام) يرجع بالسائلِ إلى النقطةِ الجوهريةِ في معرفةِ اللهِ، وهي حصرُ العبادةِ فيه، وحصرُ الطاعةِ له، وهذا يتوقف على ما حدده اللهُ تعالى من مساراتٍ، وهي منحصرةٌ في طاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ وأولي الأمرِ من بعدِهِ. قال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16]، وقال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [التغابن: 12]، وقال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
فهي طاعاتٌ مترتبةٌ، فالطاعةُ للهِ أولاً، ومن بعدِهِ لرسولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن بعده لوليِّ الأمرِ (عليه السلام).

فما أراده الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) هي بيانُ المطاعِ الذي بطاعتِهِ يُطاع اللهُ، وبمعصيتِهِ يُعصَى اللهُ، وهو الإمامُ المنصوبُ من اللهِ.
وهذا ينسجمُ تماماً مع ما بينه رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما وراه الفريقانِ، وجعله سبباً للأمنِ من الضلالِ.
فقد أخرج أحمدُ بنُ حنبلٍ، وغيرُهُ، واللفظُ لأحمدَ، بسندِهِ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أن رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال “إني تاركٌ فيكم الثقلين، أحدُهما أكبرُ من الآخَرِ: كتابُ اللهِ، حبلٌ ممدودٌ من السماءِ إلى الأرضِ، وعترتي أهلَ بيتي. وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ”.
وأخرج الطبرانيُّ، بسندِهِ عن زيدٍ بنِ أرقمَ، قال:
“قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه [وآله] وسلم): إني لكم فرطٌ، وإنكم واردون عليَّ الحوضَ، عرضُهُ ما بين صنعاءَ إلى بُصرى، فيه عددُ الكواكبِ من قِدحانِ الذهبِ والفضةِ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟
فقام رجلٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ! وما الثقلان؟
فقال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه [وآله] وسلم): الأكبرُ كتابُ اللهِ، سببٌ طرفُهُ بيدِ اللهِ، وطرفُهُ بأيديكم. فتمسَّكوا به لن تُزالوا، ولن تَضلُّوا، والأصغرُ عترتي. وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ، وسألتُ لهما ذاك ربي، فلا تُقدَّموهما فتهلكوا، ولا تُعلِّموهما؛ فإنهما أعلمُ منكم”.
وإن من هذه العترةِ، بل من سادتِها، إمامُنا الحسينُ بنُ عليٍّ (عليه السلام)، الذين يمثلون الثقلَ الثانيَ اللذين تركهما رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمتِهِ، فهو (عليه السلام) يعد ثانيَ القرآنِ، ليشكلا – معاً – حبلَ اللهِ المتينَ الواجبَ الاعتصامُ به، كما قال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ..} [آل عمران: 103].
فإحياؤنا لذكرى استشهادِهِ يأتي في سياقِ العملِ بوصيةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ حرصاً منا على الأمنِ من الضلالِ، وسعياً منا لتجنبِ الزللِ، واجتهاداً منا في الاعتصامِ بحبلِ اللهِ المتينِ، واستنكاراً لجريمةٍ موصوفةٍ في حقِّ مَن عصم اللهُ تعالى دمَهُ، وأوجب حرمتَهُ، ومواساةً منا لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال اللهُ تعالى في حقِّهِ { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8، 9].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى