حديث الجمعة

«الإمام الرضا (ع) والأمن الفكري- ٢»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الإمام الرضا (ع) والأمن الفكري (٢)» يوم الجمعة ١٥ ذوالقعدة ١٤٤٢هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

وإن ما نرجوه من التقوى، كما أمرنا الله عز وجل، كثيرا وكثير، يرتبط بعضه بالدنيا وأكثره ويرتبط بالآخرة، فالدنيا ليست إلّا ممرا لمقر، ومن ثم فإن على الانسان ألا يستهلك جهوده كلها من أجل الدنيا فقط، وإنما يجب أن يجعل دنياه هذه ويهتم بها، لكن من أجل آخرته {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

وقفنا عند قول الله عز وجل، في “سورة الأنفال” {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وانطلقنا منها الى الحديث عن “الإمام الرضا والأمن الفكري”.

هل نحن بحاجة إلى “الأمن الفكري”؟ قدّمنا أن هذا أمر مهم، ليس فيما يتعلق بالتفكير، بل نحن نبحث عن الأمن الفكري حتى على مستوى اللسان.

الذين يتحدثون بأي لغة من اللغات، هناك نظام يضبط حديثهم وأسلوب التحدث فيما بينهم، فلو أن إنسانا عاش في مجتمع ما، يتكلم بلغه ما، بل أضيق من ذلك، بلهجه ما، فخرج واحد منهم يتكلم بغير لغتهم أو بغير لهجتهم، فإن الذين لا يحسنون تلك اللغة أو لا يتقنون تلك اللهجة أو لا يحبونها، ينظرون إليه نظر استغراب وتوجّس، والسبب هو أنهم يجدون ان لغتهم هي التي تسير على وفق هذا النظام، فلو أن الإنسان تحدث في هذه اللغة أو في هذه اللهجة على غير النظام المرسوم، يحكمون عليه بأنه قد غلط وأخطأ.

 هذا على مستوى اللغة، في العربية مثلا، المطلوب هو أن يكون الانسان عارفا بالصرف وعارفا بالنحو، في اللغة الفصحى، لكن هذا القانون حتى في اللغة العامية.

في اللغة العامية، نحن لا نجمع بين الحروف بطريقه عشوائية، ولذلك، لو أن أحداً قدم أو أخر في تركيب الكلمة، زاد حرفا أو نقص حرفا، على غير نظام المعهود، يقال له أخطأ، أخطأ في تجميع الحروف، ثم إذا جمع كلمة الى كلمة أخرى على غير النظام المعهود، يقال أخطأ، لكن في الأول في البعد الصرفي، في الثاني في البعد النحوي.

وكذلك في الجانب الفني الذي يسمى بعلم البلاغة، يدرس ما هو الاسلوب الافضل في التخاطب ما بين الناس، وقد جعل الله عز وجل، بلاغة القرآن وجها من وجوه إعجازه، حتى أنه تحدى الناس أن يأتوا بمثل القرآن، ثم تنزّل إلى أن تحدّاهم بالإتيان بعشر سور، ثم تنزّل الى أن يتحدّاهم بسورة واحدة ولا يزال هذا العرض مفتوحا، لا يستطيع الناس لا أن يأتوا بالقرآن ولا بعشر سور ولا بسورة واحد، ليس بحجم “سورة البقرة” بل حتى بحجم “سورة الكوثر” وهي أقصر سورة في القرآن الكريم، الله سبحانه وتعالى يقدم هذا العرض، ولاحظوا أن هذا العرض مفتوح، كثير من الملاحدة وأعداء الاسلام يهرجون و يشوشون ولايزال العرض بسيط، إئتوا لنا بسورة مثل “سورة الكوثر” لا يستطيعون أن يأتوا، بل يشاغبون هنا وهناك، لأنهم يدركون أنهم عاجزون، والسبب هو أن الله عز وجل، بنى هذا القرآن الكريم على وفق نظام دقيق لا يتقنه إلّا الله عز وجل.

مثلما أن عالم التكوين هذا، مبنيٌ على وفق نظام، تجد شخصا يعيش في أدنى الأرض، من عنصر آخر وآخر في غرب الأرض، لكن الله عز وجل خلق بدن هذا مثل بدن هذا، لا يجتمعان في أب قريب ولا في نسل قريب ولا في نسب مشترك فيما بينهم، يلتقون في “آدم” قبل آلاف من السنين، لكن النظام الذي يحكم بدن هذا هو النظام الذي يحكم بدن ذاك، تُجرّب لقاحات وتدرس في شرق الأرض فيلقحونها الذين في هم في غرب الأرض، لا فرق بين هذا البشر وذاك البشر، تنظر إلى هذا الانسان تقول إنه مخلوق لله، تنظر الى مخلوق آخر من البشر، تقول خالق هذا هو نفس خالق ذاك، والسبب هو هذا النظام الفكري.

ولذلك، علماء الكلام علماء العقائد يعتبرون أن قانون النظم الحاكم في العالم هو من أدل الأدلة على وجود الله عز وجل، حيث يقول سبحانه {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} هذا النظام لا يمكن اختراقه.

هل المطلوب منا نحن، في مقام التفكير حتى نقبل فكرة أو نرفض فكرة، إذا أردنا أن نقبل أو نرفض، يفترض بالإنسان إذا أراد أن يكون آمنا من الناحية الفكرية، حتى لا يشتط، حتى لا يلتبس عليه الأمر، أن يكون لديه نظام يحكمه؟

طبعا النظام الذين نحكمه، تارة يُدرك من قبلنا، مثل العلوم الطبيعية، في العلوم الطبيعية والمادية ماذا نفعل؟ نحن نذهب عبر الدراسة والاستقراء والاختبارات، نستكشف خصائص هذا المعدن، خصائص الكائن الحي فنتعرّف على القانون الحاكم عليه، لكن فيما يتعلق بالشرائع والمعارف الدينية المرتبطة بالغيب السابق والغيب اللاحق، بعالم الغيب وعالم الشهادة، بما نراه وما لا نراه، هذا أمر لا يتيسر لأمثالنا أن ندرسه في المختبر ولا تملك عقولنا أن ندركه.

كيف أسرى الله عز وجل، بنبيه من “مكة” الى “بيت المقدس” ثم عرج به صلوات الله وسلامه عليه من “بيت المقدس” الى السماء؟ هذا أمر نعجز نحن عن التفكير فيه، لكن كلما تقدم بنا الزمن وتطورت العلوم، صار الاستيحاش أقل، يعني الآن الناس حينما يسمعون قضية “الإسراء والمعراج” درجه الاستيحاش والاستغراب عندهم ليس مثل أولئك الذين خاطبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأن هناك شيئا اسمه “الاسراء” وهناك شيئا اسمه “المعراج” واكتفوا منه أن يحدثهم بخصائص “بيت المقدس” والرحلة وبعض القوافل التي كانت تعبر وينتظرونها، هذا المقدار كان يكفيهم.

 لكن اليوم، أنت تتكلم هنا ويسمعك من في شرق الأرض وغربها، كيف يسمعونك؟ لا نعرف، نحن لا نعرف النظام، لكن تعرفنا على خصائصه، أن الانسان إذا قام بالإجراء الفلاني والإجراء الفلاني، يستطيع أن يتكلم فيسمعه من في شرق الارض ومن في غربها.

 قدرة الانسان الفكرية، على استكشاف قانون الله عزوجل، تجعله يعيش حالة من الأمن، ولذلك بما أشاد الله عزوجل بالمؤمنين، من خصائصهم قال {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}

لأن المؤمن أفقه واسع جدا، لا يقف عند حدود يقول إإتني بالدليل، ثم إذا جئت به بالدليل، قال أريد أن أراه، وكأنه يرى الألم..!

أنا إذا قلت لك، وذهبت الى الطبيب وقلت له أعيش ألم، الطبيب يسألك أين هو الألم؟! يقول لك أين تشكون من الألم، ثم يدرس الأعراض، فيتعرف يسعى في التعرف على من خلال ما تقوله أنت عن الألم هولا يراه، لا يشعر به، لكن أنت تخبره، لأنه يدرك أن هناك شيئا اسمه الألم، مَن الذي يخبر عن هذا الألم؟ المتألم، ليس من حق الطبيب ولأنه راشد، هو لا يقول لك أرني الألم، لأنه يعرف أن الموجودات فيها ما يُرى وفيها ما لا يُرى، فيها ما يُسمع وفيها ما لا يُسمع، فيها ما نحسه وفيها ما لا نحسه، وبهذه الطريقة يكون أكثر نضجا.

ومن ثم، تجد مثلا، كثيرا من الناس يخوضون في الحديث في أشياء لا يحسنون التحدث فيها وكلما اشتد جهلهم بالشيء كلما زاد خوضهم فيه، لكن إذا ذهبت إلى عالم متخصص في هذا الأمر وتقول له ما هو حكمك في هذه المسألة التي قرأناها في الصحف؟ قال ما نشر في الصحف لا أستطيع أنا أن أحكم عليه.

مثلا، يوم أمس، نُشر أن هناك امرأة، فيها ثلاث قلوب، عندنا طبيب قلب يحتاج نجلس معه، هل يمكن للإنسان أن يكون عنده ثلاث قلوب؟ لعل هذا الطبيب المحترم لو سألته، يقول لك: هذا الخبر المعروض في الجريدة لا يسمح لي أن أحكم على هذا الخبر بأنه صحيح أو ليس بصحيح، يحتاج أن أعرف تفاصيل المسألة، هل كل هذه القلوب تعمل، فعالة، أو لا، هذه القلوب، قلب فعّال وهناك أعضاء أخرى تشبه القلب في شكلها، هذا أمر يُجع فيه إلى أهل الاختصاص، لكن حينما تجد الناس يتكلمون، يقول لك لا.

في القرآن، ماذا يقول الله عز وجل، يقول {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}

كثير من الناس كانوا يظنون أن هناك من له قلبان، إذا كان الانسان شديد الباس وكان هناك رجل شجاع، يقال أن ذاك الرجل الشجاع كان له قلبان وأحيانا في التعبير العرفي يقولون”فلان بوقلبين” يعني عنده قدرة على أن يهتم في هذا الاتجاه وهذا الاتجاه أو شجاع، هل الآية في هذا الصدد أو لا؟ لا، الآية تريد أن تقول {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} يعني لا يمكن للإنسان أن يجمع بين ميلين متضادين، أما أن تحب الله أو تحب عدو الله، أما أن تدّعي أنك تحب الله وفي الوقت نفسه تحب عدو الله، هذا يعني أنك لم تعرف الله ولم تعرف عدو الله ولم تعرف المحبة هنا ولم تعرف المحبة هنا، هذا ما كانت الآية بصدده، لكن البسطاء من الناس قد يظنون هذا الظن.

لما نزل قول الله عز وجل، عن الأكل والشرب {حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمُ الخَيطُ الأبيضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} وضع واحد من الصحابة خيطا أبيضا وخيطا أسودا تحت مخدته، فكان كلما اقترب الفجر، أخرج هذين الخيطين الصغيرين حتى يميّز بين هذا الخيط الأبيض من الأسود، النبي لما عروض عليه الحال ابتسم، صلوات الله وسلامه عليه، قال ليس هذا هو المقصود، المقصود الخيط الأبيض يعني في الأفق الذي يُتبيّن من خلاله أن الصبح طلع أو لم يطلع الصبح، فأحيانا الانسان يتعلق بأمر قشري فيختل نظام التفكير عنده، والنماذج على هذا كثيرة.

قلنا إن صمام الأمان اثنان، فيما يتعلق بالمعارف الشرعية: –

صمام الأمان الأول: القران.

الكريم عز وجل يقول {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ولذلك فإن من يستبعد القرآن عن حياته لا يستقيم تفكيره ولا يحصل له “الأمان الفكري” من الناحية الدينية، لكن هناك شيء آخر، القران ينص عليه وهي سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حينما يقول الله عز وجل، عن النبي {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}

هل يتكلم عن القرآن أو عن سنّة النبي؟ أقوال النبي صلى الله عليه وآله هي وحي يوحى، لأن أمر القرآن واضح، ثم أن القرآن بيّن أن دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو أنه {يُعَلِّمُهُم الْكِتابَ} كيف يعلم النبيُ المسلمين الكتابَ؟ يعني يفتح مدرسة؟ هل نقل في التاريخ إن النبي فتح صفا دراسيا، ثم أخذ يعلم الصحابة هكذا إقرأوا “سورة البقرة” هكذا إقرأوا “سورة آل عمران” هكذا إقرأوا “سورة الفاتحة”؟!

لم يقل في سيرة النبي أن هذا هو دوره، بل قد يأتي إليه الرجل المهاجر فيدفع به الى واحد من أصحابه فيعلمه القرآن، تعليم النبي للقرآن ليس تعليم النطق والحروف والتجويد، ليس هذا، تعليم القرآن هو بيانه، تأويل، كشفه، لأن القرآن الكريم، يعطي لنا خطوطا عريضة، الله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم عن المؤمنين أنهم {يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} لكن كيف هي الصلاة؟ النبي صلى الله عليه وآله، هو من علم الناس عمليا، كيف يصلون، حتى نقل عنه قوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) هذا هو دور النبي.

ثم السؤال الآخر، النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كلفه الله عزوجل بتعليم القرآن، حتى يستقيم للناس تفكيرهم، فيكونون في حالة أمان فكري.

كيف يكونون في أمان فكري؟ إذا أمر الله عز وجل، الناسَ أن يطيعوا الله والرسول وأولي الأمر، ماذا يجب على الناس أن يدركوا؟ إذا صدر أمر من الله، يجب أن يُطاع، إذا صدر أمر من الرسول يجب أن يُطاع، إذا صدر أمر من أولي الأمر الذين عينهم الله يجب أن يطاعوا، هل من حق أحد من المسلمين، في زمن النبي أو بعد النبي، يجيْ يسأل النبي ” هل هذا من الله أو من عندك”؟! هذا يعني أنه لم يتعلم القرآن الكريم، لم يفقه، لأن الله يقول في القرآن الكريم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} أصلا الرسول إنما عُيّن في أوساط الناس من أجل أن يكون سفيرا بين الله وبين الناس، وقائدا إذا أمر أُطيع وإذا نهى أطيع، أما أن يُسأل في كل مرة “هل هذا من عندك أو من عند الله؟!” فلو كان من عند رسول الله، ألا يجب أن يُطاع؟ يجب أن يطاع.

النبي صلى الله عليه وآله، شخصيته ذابت ذوبانا تاما في هذا الدين، بحيث صار يمثل القرآن مجسدا، يقول فيكون كلامه مطابقا لأقوال الله عز وجل، يفعل، يطابق ما يفعل ما أراد الله عز وجل، من الناس أن يفعلوه، وهكذا، وعلى هذا الأساس، أُسست قواعد في علم أصول الفقه، تدرس فيه شخصية النبي، هذا في مدرسه “أهل البيت”.

لذلك، نحن لا نتعامل مع النبي كمجتهد، يقول “والله النبي اجتهد..!” لا، لا، النبي لا يجتهد، النبي على بيّنة من الله، غيرنا من المذاهب قد يقولون بأن النبي يجتهد، وبالتالي إذا قالوا اجتهد، يعني يفتح لهم باب الاجتهاد في مقابل اجتهاد النبي، النبي رجل يجتهد، يصيب ويخطئ، هم أيضا يجتهدون، يصيبون ويخطئون، وإذا اخطأوا أيضا لهم أجر بعد، حتى إذا أخطأوا وخالفوا رسول الله، قرروا أن لهم أجرا، حتى في هذا الخطأ، وهذا أمر فتح على الأمة بابا شنيعا من الأخطاء، كبيرا من الأخطاء، لذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جاء من عند الله عز وجل، بكتاب فيه تبيان كل شيء.

لاحظوا، “الإمام الرضا” ماذا يقول في الحديث لما رُفع إليه أن أناسا يتكلمون عن الإمامة، فصاروا يخوضون في الإمامة، “الإمامة الإلهية” ليست الإمامة يعني إمارة الناس الدنيوية، السياسية، لا، ففي خبر جاء ضمن الحديث الطويل، قال (إن الله عز وجل، لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء..).

طبعا “تبيان كل شيء” بعض الناس يقول ليس تبيانا لكل شيء يعني حتى “لقاح الكورونا” نروح نبحث في القرآن الكريم، دعك من هذا، أقل التقدير المتيقن “تبيان كل شيء” فيما يتعلق بشأن الدين، فيما يتعلق بشأن الهداية، أما أن يقول أحد إن رسول الله قال، فأنا أبتكر، أخترع لكم طريقة تهديكم إلى الله، قد تساوي في المكانة والكفاءة والانجاز الأهلية ما قاله رسول الله..! هذا أمر مرفوض.

قال ..(بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كُمَلا فقال عز وجل {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ})

هذا في المبدأ، ثم يأتي دور “أهل البيت” عليهم أفضل الصلاة والسلام، الذين أودع الله عز وجل، عندهم علم رسول الله، فلنقرأ في الرواية التي يرويها “الشيخ الطوسي” رحمه الله في “الآمالي” وقد ذكرنا في الاسبوع الماضي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، خاطبه أصحابه أن (فيكم من يقاتل على تأول القرآن كما قاتلت على تنزيله) يعني أنه هو الأمين من الله ومن الرسول على علم القرآن، ليس علما بشيء من القرآن وإنما يعلم القرآن كله {عِنْدَه عِلمُ الكتاب}.

في الرواية ورد عن “الإمام الصادق” عليه أفضل الصلاة والسلام، عن آبائه عن علي عليهم السلام (قال سلوني عن كتاب الله عز وجل فوالله…) يقسم الإمام عليه السلام (فوالله ما نزلت آية منه في ليل ولا نهار ولا مسير ولا مقام إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها).

فإذن، أمير المؤمنين حينما قاتل من قاتلهم على التأويل، لم يكن بتأويل من عنده، حتى يقال وافقناك أو ما وافقناك أو أننا نعتزل القتال معك لأننا لا ندري من أصاب، كلكم رضي الله عنكم…!

الأمر ليس من هذا القبيل، لذلك اتفقت الأمة، الآن يتفقون كلهم، على أن من خرج على “علي” عليه السلام هو من البغاة، يعني ما أصاب الحق، الذي أصاب الحق الإمامُ الشرعي كان أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام.

فقال (…وعلمني تأويلها فقام بن الكواء…) هذا واحد من المنافقين والدجالين والملبسين(فقال  يا امير المؤمنين…) كأنه أراد أن يأخذ إشكال (يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه…) صحيح أن أمير المؤمنين كان يلازم النبي مثل الظل للشخص، لكن في بعض الأيام كان يتغيب عنه، مثل الحادثة التي تغيب فيها، لما كلّفه رسول الله بأن يكون خليفة عنه ونائبا عنه في “المدينة” في “معركه تبوك” والتي اشتكي أمير المؤمنين لما تحرك المنافقون بالإشاعات المغرضة قال (أنت مني بمنزله هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي) غاب فيها، ألم ينزل وحيٌ على رسول الله في هذه الفترة، فتره ذهابه إلى تبوك وعودته.

فقال عليه السلام، يجيب “ابن الكواء” قال (كان يحفظ عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتى أقدم عليه فيُقرأنيه وهو يقول يا على أنزل الله عليّ بعدك كذا وكذا وتأويله كذا وكذا فيعلمني تنزيله وتأويله) انتهت الرواية، يرويها “الشيخ الطوسي” رحمه الله في “الآمالي”.

ورد عنه في تأويل قوله عز وجل {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، لأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه أحاط بالقرآن كما أحاط أمير المؤمنين، “ابن مسعود” مثلا، والذي يعتبر من أبرز المفسرين من الصحابة، في ترجمته يُذكر هذا المعنى، يقول يفتخر كان على الصحابة “أقرأني رسول الله سبعين (٧٠) سورة من فمه الشريف” سبعين (٧٠) سورة يعني ليس كل القرآن، هو ما كان يزعم بأنه كان يحيط بالقرآن كله، لكن “أمير المؤمنين” صلوات الله وسلامه عليه كان يدّعي هذا ولا يتهمه أحد في هذه الدعوى، بل يسلم له الجميع، حتى قيل فيه ما قيل من الشهادات له، أنه ” لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن”. بهذا يتحقق الأمن الفكري وللحديث تتمة، نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى