حديث الجمعة

حديث الجمعة : «الأنا المتضخمة .. والحكيمة» يوم الجمعة ١٧ ذوالقعدة ١٤٤٣هجري

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الأنا المتضخمة .. والحكيمة» يوم الجمعة ١٧ ذوالقعدة ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله،

موضوع حديثنا سيكون عن الأنا المتضخمة والحكيمة، وهذا موضوع حساس ومتشعب وشائك، غير أنه شائق في الوقت نفسه لأنه يرتبط بحياة كل فرد منا، إذا أراد أن يكون حكيماً أو يكون سفيها، وأحد تطبيقات السفاهة في الإنسان هو أن تتضخم ذاته وينتفخ ويشعر بالعُجب والزهو والتيه على غير حق، ومن ثم فإن من أهم آداب الشريعة الإسلامية التحلي بمكارم الأخلاق.

وقد يظن كثير من الناس أن الأخلاقيات والدروس الأخلاقية والتربية الأخلاقية، هي شيء كمالي، للإنسان أن يتحلى به ويهتم به وله ألا يفعل، وفي ذلك خطأ فادح، فإن حياة الإنسان لا تستقيم إلا بمقدار ما تتكامل أخلاقه، وكما أن الله عز وجل يقول {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فإن من أهم مجال ومظاهر ومجالات التقوى هي مسألة التخلق، والأخلاق ليس بالضرورة هي أن ننظم علاقتنا فقط بالآخرين، بل تنظيم علاقة الإنسان بنفسه.

بين يدي الحديث، يقول الله عز وجل {يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} ما عُبد الله بخير من العقل.

 

والعقل نوعان: عقل نظري وعقل عملي.

العقل النظري هو ما ندرك به الأشياء على ما هي عليه، مثل الرياضيات والهندسة والفلسفة وكثير من الحقول يُطلب فيها معرفة الأشياء على ما هي عليه.

أما العقل العملي، فهو تنظيم السلوك كما يقتضيه العقل، والعقل إنما سمي عقلا من العقال، والعقل هو الضبط، والبعير إذا أريد ربطه، حتى لا يتحرك، يعقل، يعني بعد أن تطوى قدمه رجله، ساقه إلى فخذه، تربط بهذا الحبل يقولون: اعقل الجمل، يعني اربطه حتى لا يفر.

الإنسان أيضا فيه قوى متخالفة، قوى غضبية، قوى شهوية، قوى سبعية، هذه القوى الموجودة فيه إذا تركت دون تنظيم، حياة الإنسان تكون سلسلة من الفوضى، لذلك، نحتاج الحكمة.

والحكمة من أين نأخذها؟ الله سبحانه وتعالى يقول الحكمة وهبية وليست كسبية، يعني ليست شيئا يدرس في المدرسة، نعم، المدرسون والمعلمون والكتب تعطينا بعض المفاتيح، لكن، ليس كل من علِمَ عمِل، ما أكثر الناس الذين يعلمون بأن هذا خطأ ويفعلونه، وأن هذا صواب ولا يفعلونه، فالعلم شيء والعمل شيء.

أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يقول: “لا يرى الجاهل إلا مفرطا ومفرّطا”. الجاهل أعم من أن يكون فاقد المعرفة أو غير المنضبط سلوكياً، يعني السفيه، حتى لو كان يحفظ الكثير من المعلومات ويصنف من أهل العلم، لكن لا يترجم علمه في عمله، يعمل على خلاف ما يعلمه، وكثير من الناس يفعل هذا: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} هل هؤلاء الكثرة من الناس، الذين أشارت إليهم الآية وكثير من الآيات التي تذم الكثرة، هل أن هؤلاء المذمومين لا يعلمون؟

الجواب: القرآن لا يقول هذا، القرآن يؤكد في أكثر من موضع، بل في كثير من المواضع، أن الذين يحادّون الله ويعادونه يملكون من العلم شيئا كثيرا، لكنه علم باطل أو إذا كان حقا فأنهم لا يعلمون به.

“إبليس” عبد الله آلاف السنين، “إبليس” عاصر أول نبي وآخر نبي، ويعرف جميع ما بلّغ الأنبياء أممهم، بالتالي، هو يحيط بكل ما ينبغي العلم به، لكن روح التكبر فيه، هذه الأنا المتضخمة التي تحدى الله عز وجل فيها فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} يشير إلى “آدم” {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فهو أراد أن يضع قواعد، في مقابل قواعد الله عز وجل، فتضخمت ذاته وخرج من دائرة الحكمة إلى دائرة السفه، قبل ذلك، كان يفترض أن يكون حكيماً، مَن يكون في الملأ الأعلى، مَن يصاحب الملائكة، هذا هو أفضل العوالم.

لما امتحن الله عز وجل، الملائكة وقال {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً * قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} بماذا أجابهم الله عز وجل؟ {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يقول أنتم أيها الملائكة، مع أنهم أفضل خلق الله عز وجل، من حيث المجموع، هم يتعاملون بالظاهر، كان معهم “إبليس” كانوا يظنون أن “إبليس” حاله حالهم، الله سبحانه وتعالى قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

لما تمرد “إبليس” قال ألم أقل لكم {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} أيضاً في جهة ابليس، وفي أنفسهم، كانوا يعتقدون أن الملائكة أفضل كرامة عند الله عز وجل، وتقوى وقربا من الإنسان، تبيّن لهم إن الله عز وجل، قد يخلق خلقا آخر، حتى لو ظنوا هم أنهم أفضل منه، لكنه في الواقع هو أفضل منهم.

 

هناك أربع قواعد أجعلها مدخلا، لنكمل الحديث في الأسبوع الآتي إن شاء الله.

 

أولاً – القاعدة الأولى: حب الذات.

حتى لا يأتي أحد يقول يعني هل يراد منا حينما نذم ونعيب النفس ونتكلم عن الأنا المتضخمة، يعني أن ننبذ نفوسنا ونمقتها كما جاء في الحديث؟ وسنشير إليه، هذا فهم قاصر، لا نقول فهم مغلوط، هو فهم قاصر، يعني نُظر إلى جانب وأغفلت جوانب أخرى، نحن نتحدث في الأنا المتضخمة عن الجانب السلبي، عن الجانب القبيح، وليس عن الجانب الحسن.

فإذن، القاعدة الأولى، حب الذات، حب الأنا، ليس أمراً معيباً في الشرائع الدينية وفي دين الله عز وجل، لأنها أم الغرائز.

الفقه كله يدور حول أمرين أساسيين: الفعل والترك.

فرض الله عز وجل علينا سلسلة من الأعمال يجب أن نقوم بها، ونهانا عن أن نعمل سلسلة من الأعمال، سمى هذه الواجبات، وما هو دون منها المستحبات، وسمى تلك المنهيات والمحرمات ودونها المكروهات.

العمل بالواجبات والمستحبات يرتقي بك درجات عند الله عز وجل، العمل بالمحرمات والمكروهات يقلل من نصيبك الخيّر عند الله عز وجل.

ما الذي يدفعك إلى العمل واجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات؟

حب الذات، لأنك بالعمل بالواجبات والمستحبات تطلب خيراً لمصلحة نفسك، وتطلب دفع الشر عن نفسك في ترك المحرمات والمكروهات، أيضاً هذا حب الذات.

لذلك، الله سبحانه وتعالى، ينبهنا إلى أن هناك جنة وهناك نار يحثنا ويحضنا، بشكل أكيد على طلب الجنة، وينهانا ويحذرنا من أن نسلك السبيل الذي يؤدي بنا إلى النار. ما الذي يحركه فينا، حتى نطلب الجنة ونفر من النار؟ حب الذات، فلو عدم الإنسان أن يحب نفسه، لم يندفع إلى فعل هذا ولا إلى ترك هذا.

فإذن، حب الذات ليس أمراً معيباً، لكنه يحتاج إلى تنظيم، لنجعل حب الذات في حجمه الطبيعي، حتى لا تنتفخ الذات ويصل الإنسان إلى مستوى أن يقف أمام الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمام الله، أمام كتابه الكريم، أمام السنة المطهرة، طبعاً هو قد يقول بهذا الكلام، كما يفعله الكفرة والفاسقون المجاهرون، لكن، قد يدغدغ المؤمن أيضاً، من حيث لا يشعر أن هذا الحكم ليس حكماً مناسباً، هو من حيث لا يشعر، وقع في تضخم في ذاته، فيعتقد بأنه يملك من العلم ما لا يملكه الله عز وجل، مع أنه يعلم، هو لا يقول أن هذا حكم ليس ثابتا، يقول هذا الحكم ليس مناسبا لزماننا! كيف ليس مناسبا لزمانك؟! يعني الله سبحانه وتعالى، حينما قرر حكماً وجعله غير مقيد بالزمان السابق واللاحق، صرت أنت أيها الإنسان أعلم من الله سبحانه وتعالى، لتحدد الحكم المناسب والحكم غير المناسب والتوقيت المناسب والتوقيت غير المناسب؟! هذا أمر يكشف عن تضخم في الأنا غير محمودة.

 

أول خطوات التعلم: الإقرار بالجهل.

الذي لا يقر بأنه يجهل شيئاً لا يندفع للتعلم ولا للدراسة ولا لحضور أي محضر علمي أبداً، لأن الإنسان إنما يحضر في محضر العلم، لطلب شيء يفقده، فإذا كان لا يفقد هذا الشيء الذي يراد تسويقه في هذا المجلس أو ذاك، لا يجد أساساً.

لعل أحداً يقول: ألا نجد العلماء يحضرون المساجد تحت منابر أشخاص، وهم يرون العلماء أنهم أفضل من هذا الخطيب؟!

نعم، هو يحضر، ليس بالضرورة لطلب المعلومة التي يعرفها أكثر من هذا الخطيب، وإنما هو يطلب ثوابا، هذا المجلس الذي عقد، لا يتوفر عليه العالم هذا الثواب إلا إذا حضر مثل هذا المجلس، فهو يحضر لا ليستفيد علميا وإنما ليطلب ثواباً لن يجده في منزله.

حث المشرع الإسلامي على حضور الناس إلى المساجد لأن الناس لا يمكن أن يحصلوا على ثواب المسجد إذا صلى صلاته في بيته، الصلاة في البيت أقل ثواباً من الصلاة في المسجد، وقس على هذا كل ما يندبنا إليه الشارع المقدس.

 

القاعدة الثانية: وجوب حفظ النفس.

مجموعة كثيرة من الأحكام الشرعية، تفرض علينا أن نحفظ أنفسنا، يجب عليك أن تأكل ولا تمتنع من الأكل إلى الدرجة التي توقع نفسك في الضرر أو الهلاك، هذا نابع من ذاتك، لأنك تحب نفسك، والله خلق فينا حب الذات، بل ألزمنا في هذه القاعدة أن نحافظ على أنفسنا، فنأكل بمقدار ما نحتاج، نشرب بمقدار ما نحتاج، نحافظ على هذه النفس بتأمين حاجاتها المادية، كالمأكل والمشرب والمسكن، والمعنوية، فإن الإنسان بقدر ما يحتاج إلى لباسه الظاهري، يحتاج إلى التقوى {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} لأنه لا خير في الإنسان أن يستر بدنه أمام الناس، حتى لا ينظروا إلى سوءته وعورته، لكنه يرتكب المعاصي، فتتكشف سوأته وعورته أمام الله عز وجل، والكرام الكاتبين، هذي قراءة مغلوطة، هذه تدل على أن هذا الإنسان ليس حكيما ولم يلتفت إلى ما يجب الالتفات إليه.

 

القاعدة الثالثة: وجوب معرفة النفس.

ورد عندنا في رواية متداولة ومشهورة، يكثر ذكرها المربون الأخلاقيون: (من عرف نفسَه فقد عرف ربَّه) مفتاح كل خير أن يعرف الإنسان نفسه، فإن الإنسان إذا عرف نفسه بالفقر، عرف الله بالغنى، وإذا عرف نفسه بالجاهل، عرف الله بالعلم، وإذا عرف نفسه بالذل، عرف الله بالعزة، وإذا عرف نفسه بالاحتياج، عرف الله بالغنى، وهكذا.

الله سبحانه وتعالى، يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} الأسماء الحسنى ليست ألفاظا، يعني ليس هو ما نكتبه الرزاق فالله هذا كلمة ألف لام راء زاء ألف قاف، هذا اسم الله، هذا لا، هذا تعبير عن اسم الله، اسم الله هو حقيقته، هو ذاته، بأن الرزق منه، بأن العلم يتجلى فيه، سواء كانت أسماء ترتبط بصفات الذات أو بصفات الفعل، كل خير من الله {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} فإذا عرف الإنسان أن الخير كله من الله، يطلبه بأي طريق؟ يطلبه أولاً من الله، وبالطريق الذي يرتضيه الله سبحانه وتعالى.

لذلك، في القرآن الكريم، ماذا يقول؟ يقول: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {جَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} القتال ليس مطلوباً بالمطلق، يكون مطلوباً إذا كان في سبيل الله، والجهاد إنما يكون مطلوباً إذا كان في سبيل الله، وبالتالي، فإن المقاتل المتشرع لا يرتكب جرماً لا يرضاه الله عز وجل، لا يمثل، لا يعتدي، لا يتجاوز الحدود الشرعية، وإلّا خرج قتاله عن كونه في سبيل الله.

وقس على هذا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، تجد بعض الناس يتصدى لإصلاح شأن من الشؤون ويخرج معه في ممارسته تلك عن الضوابط الشرعية، قال أنا آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر!، لكن هل هذا الأسلوب الذي اعتمدته غير المشروع، يجعل فعلك أمراً بالمعروف ونهيا عن المنكر؟ هل هذا هو سبيل الله الذي أمرك به؟ الله سبحانه وتعالى، كما حدد لك الفعل والغاية، حدد لك الأدوات والنية التي يفترض أن تحكم عملك.

وجوب معرفة النفس ليس أمراً نحتاج إلى أن نستدل عليه بآية أو رواية، هذا فطري، هذا عقلي، عرفي، شرعي، كل الأدلة متوفرة عليه.

 

القاعدة الأخيرة، في المقدمة في هذا الباب: هي أن المخاطر التي تواجه الإنسان التي توقعه في التضخم في الأنا، فإذا تضخمت أناه، لا يحسن المعالجة.

البيوت تتفجر في الداخل، لأن الزوج تتضخم الأنا عنده، فيكون مستبداً على زوجته، الأنا تتضخم عند الزوجة، فتتمرد على زوجها، يخرج هذا وتخرج هي كل واحد منهما يخرج عن الانضباط، لأن ذاته تضخمت، أما لو كانا حكيمين، عرف كل واحد منهما حده ولم يتعدى حدود الله عز وجل، حتى لو وقع بينهما سوء فهم، سوء تفاهم، اختلاف، سيحلانه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولا تتفجر بالتالي، البيوت.

ولعلنا نتعرض – إن شاء الله – في حينه إلى هذه الظاهرة السيئة والقبيحة، كثرة الطلاقات.

الاختيار السيئ يؤدي بهم إلى نتائج سيئة، لما طلقتَ؟ قال تبين لي أني لا أعرفها! هل كنت حكيما في اختيارك لها، أو تعجلت في اختيارك لهذه البنت؟ أو أنتِ وافقتِ على شخص لم يملك الصفات والسمات المطلوبة؟ هذا أخطأ وهذه أخطأت، وتنتهي النتيجة بشكل متسرع، في حين أن آبائنا الذين كانوا يصنفون ضمن الأميين، لا يملكون من المعرفة ما نملك، لا يحيطون بما لا نحيط من المعلومات، تكبر سن كل واحد منهما وفي البيت مشاكل، لكن لا يقدمون على هذه الخطوة القبيحة، الأب عنده حس المسؤولية والأم عندها حس المسؤولية – يعني كزوجين – ولا تتفجر البيوت، يعيشان، يتعايشان بطريقة حكيمة، لكن -للأسف الشديد- إذا افتقدنا ما كان يملكه أولئك من حكمة، حتى لو زادت العلوم والمعارف لا تنفعنا شيئا.

 

المخاطر نوعان: مخاطر تأتيك من داخلك ومخاطر تأتيك من خارجك.

ولذلك، صار الجهاد عندنا في الإسلام نوعان، جهاد أصغر هو قتال العدو، وقتال في هذه مرحلة قتال الشيطان، الشيطان وأدواته عدو خارجي، لكن أيضاً هناك عدو داخلي (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) النفس إذا لم نربها، والإنسان غير العارف بنفسه، لا يحسن تربية نفسه، هو يغفل عن أن عدوك لن يستطيع التأثير عليك، إلّا إذا كمن لك واكتشف ثغرة لم تتنبه لها أنت، كيف يحامي الانسان على نفسه؟ يسد الثغرات في نفسه، يعرف أن لديه قصوراً في العلم يتفقه ويتعلم، حتى لا يأتي العدو الخارجي، سواء كان الشيطان أو كان الأبالسة الإنسانيين، لا يستطيعون التسلل الى نفسه، إذا عرف منهم الفسق والفجور والكفر والانحراف، حتى إذا سمع معلومة بدت له أنها حسنة، لكن أنت تعرفه هذا لا ينتمي إلى ما تنتمي إليه من منظومة قيم، وبالتالي، يجب أن تغربل ما يأتيك من المعلومات إذا سمعتها.

لماذا لا نتعجل نحن إذا ذهبنا إلى البقالات، لا نتسرع في شراء السلعة؟ نفحص هذه السلعة من أين جلبت، تاريخ الصلاحية، وهذا شيء تريد أن تأكله، الإمام الباقر (عليه أفضل الصلاة والسلام) يفسر قول الله عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} يقول (إلى علمه من أين يأخذه) أو (ممن يأخذه).

لا ينبغي للإنسان أن يجعل نفسه ساحة مفتوحة، يغذيها كل من هب ودب، بالمفاهيم وما يمكن أن يسمى بالعلم، قد تكون المعلومة في ظاهرها صحيحة، لكنها تنطوي على الكثير من الدخل والدغل والخطأ والاشتباه والتظليل، والعدو لا يسوق بضاعته بشكل تبدو أنها تخدم العدو، وإنما يسوقها حتى تبدو أنها تنفع الصديق ذاك الطرف الآخر.

لذلك، ينبغي للإنسان ألا تتضخم ذاته وأن يكون حكيماً في التعامل معها، حتى يحسن التعامل مع كل هذه المخاطر الداخلية والخارجية، وللحديث تتمة.

اسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى