مقالات

صلاة الجماعة، مكاسب للدنيا والآخرة

قد يغفل الانسان عن ترتيب أولويات سلوكه وممارساته الاجتماعية والعبادية، استنادا إلى مفاهيم خاطئة أو تكاسل عن حصاد مكاسب مضمونة.
ولأن العبادات في التشريع الاسلامي متعددة ومتنوعة، إلّا أن عمود وأساس هذه العبادات هي “الصلاة” فقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله (الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها) وكذلك في وصية أمير المؤمنين عليه السلام (الله الله بالصلاة، فإنها عمود دينكم) لذا كان من اللازم على كل عاقل مسلم أن تكون هذه الفريضة محورا ومركزا لاهتماماته وتفكيره قبل أي شيء آخر.
وبما أن لهذه الفريضة متعلقات ومقدمات ومستحبات ومكروهات، وردت في نصوص “ثابتة ومتواترة ومعتبرة” تساعد المصلي للخروج بأفضل نتائج يمكن الحصول عليها نتيجة أدائه لها جماعة أو مفردا،
فإن أول الثمار “الاجتماعية” لهذه الصلاة هي “الهوية” التي تحدد شخصية المصلي في محيطه الاجتماعي لإبراز ملامحه الظاهرة والباطنة، والتي على أساسها سيتم تحديد قواعد تعامل هذا المحيط بالمصلي نفسه، ولا يخفى أهمية وقيمة “الهوية” للإنسان في مساره ووجوده.
ومما يلفت النظر هو التأكيد على حضور صلاة “الجماعة” في تلك النصوص الشرعية “المؤكدة” بل والتحذير من التخلّف “دون عذر” عن ذلك، وهنا تندفع شبهة ومغالطة يكررها بعض الجهلاء ومضمونها “إن العبادة أمر بين العبد وربه” وهي كلمة حق يراد بها باطلا، لأن هذه المقولة متعلقة بالإخلاص في العبادة، وهنا علينا التفكيك بين الإخلاص في أداء العبادة وبين أثر العبادة في حياة الفرد وصلاحية المجتمع والغاية من تشريع الله سبحانه لها، فهو القائل {إِنَّ اللهَ غَنيٌّ عَنْ العَالَمين}..!
فإذا كانت العبادة مجرد علاقة بين العبد وربه، فلماذا تم تشريع بعض العبادات الجماعية مثل حضور صلاة الجماعة، وهي مما لا يمكن أدائه إلّا بشكل جماعي والتأكيد عليها، مما لا مجال للتنكر له.؟!
من هنا نستحضر “الهوية” كأحد العناصر المهمة، التي يمثل حضور صلاة الجماعة البوابة، بل المدخل الصحيح لاكتساب تكامل “الهوية” لشخصية الانسان المؤمن، ومن هنا يسهل فهم القيمة الحقيقة لبنية المجتمع الواحد الذي ورد في النص الشريف أنه (إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الأعضاء بالسهر والحمى).
وبغض النظر عن فارق الأجر العظيم بين ثواب الصلاة جماعة والصلاة فرادى ، فهناك مكاسب اجتماعية عظيمة لحضور الجماعة، تستحق أن ينظر لها المؤمن الباحث عن المكاسب بنظرة فاحصة وموضوعية.
ولا تخلو النصوص الشريفة الواردة من “التحذير” عن التخلّف عن صلاة الجماعة “دون عذر” ولا تخلو من الحث المشدد على المشاركة بإقامتها، ما يعني أن هناك أهمية كبيرة لا يستهان بها ربما تخفى بعض فوائدها وآثارها، هذا إذا نظرنا إلى الفوائد والمكاسب والمنافع الظاهرة التي تعود على الفرد أولا منها وتبادل المنافع بين الفرد والمجتمع من خلالها، وأقلها هو المساهمة في إبراز هوية المجتمع الذي ينتمي له الفرد مقابل المنافع والحصانة التي ينتفع بها هذا الفرد، من خلال اعتباره عضوا في هذا الجسد، وهذا يعني أن هناك مسؤولية يتحملها الأفراد بحق المجتمع الذين ينتمون له.
أما التفاوت بين أجر وثواب وفضل صلاة الجماعة على الصلاة الفردية، فمما تزاحمت النصوص الشريفة به في متون المؤلفات والمصادر الحديثية، وكذلك التحذير من “التخلف دون عذر” لما فيه من سلبيات اجتماعية كثيرة ومحاذير شرعية أيضا على الشخص نفسه بسبب ذلك التخلّف.

السيد أحمد النمر الصائغ
٢٦ جمادى الثاني ١٤٤٣ هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى