عاشوراء

سماحة السيد منير الخباز “الليلة العاشرة”: الزهراء والحسين وجهان لثورة العدالة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

(قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)

محاور ثلاثة

التحشيد العاطفي لمصيبة الحسين (ع)

ظاهرة المأتم ليست ظاهرة وليدة منذ عصر البوييهيين كما يظن بعض الباحثين بل منذ عصر النَّبي مُحَمَّد ﷺ فقد ذكر الشيخ الأميني صاحب كتاب الغدير في كتابه سيرتنا و سنتنا، ذكر أن النبي أقام ١٨ مجلساً على الحسين بعضها في بيت أم سلمة و أخرى في بيت عائشة و أخرى في بيت فاطمة، وحين ولد الحسين (ع) دمعت عينا النبي (ص) وسأله لم قال له جبرائيل أخبره أن ابنه يقتل في أرض من العراق يقتله قوم من أمتي ، ذكر ابن سعد و ابن الحجر العيثمي و العسقلاني و تاريخ ابن لعساكر في تاريخ دمشق و ابن سعد في طبقاته و أحمد بن حنبل و الحاكم اوردوا ٣٠٠ رواية أن النَّبي مُحَمَّد ﷺ أقام مأتماً على الحسين منذ ولادته، أما الروايات التي تحدثت عن التحشيد العاطفي عن قضية الحسين عند الشيعة بلغت التواتر، من الروايات الصحيحة  هي الرواية التي وردت عن الرضا (ع) -مامضمونه-(إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون) و منها أيضاً -ما مضمونه- (قال لي أبو عبد الله (ع): يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين، فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى، قال: فو الله ما زلت أنشده وهو يبكي، حتى سمعت البكاء من الدار، قال: فقال لي: يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي (ع) فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة)، هذه الروايات على نوعين ما دل على الثواب الكثير عن الرضا (ع) (من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ) وورد عن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) وأما القسم الثاني من الروايات هو الذي يظهر القيمة الروحية للبكاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله، المطلوب من كل هذه الروايات التفاعل الروحي مع قضية الحسين، حتى النفس اعتبره الإمام تسبيحاً، كل هذه الألوان.

الرؤية التحليلية للتحشيد العاطفي

الرؤية التحليلية لهذا الثواب، هل يعقل أن تكون الدمعة سبباً لغفران الذنوب كلها، و أن يكون كما ذكر في هذه الروايات أن يكون مع الأئمة في يوم القيامة، فقام بعض الباحثين بنسبة هذه الروايات إلى الغلاة،  ولكن هذا ليس صحيح، المنطق العلمي يفرض علينا الرؤية التحليلية، فإن بعض الباحثين كذب هذه الروايات، و نبين الرؤية التحليلية:

  • الاتجاه التعبدي وهو الذي سلكه كثير من الفقهاء، و أن النَّبي مُحَمَّد ﷺ أمرنا بالتمسك بالثقلين، فنحن لا ندرك حكمة التعبد و لكن نعمل به.
  • الشيعة الامامية في ظروف الدولة العباسية كانوا يعيشون خوفاً فلم يكن أمامهم طريق للتعبير بالولاء لأهل البيت (ع) سوى بهذه الطقوس، و هذا هو الاتجاه التاريخي.
  • الاتجاه النفسي، البكاء يحتاج إليه كل إنسان، فهو محتاج الى البوح و التنفيس كما يحتاج الى الحب يحتاج الى البوح و التنفيس فهو يخفف الم الروح، الحاجة للبكاء حاجة انسانية، جاءت هذه الروايات، والآيات تؤكد على البكاء ليحصل الاتزان.
  • الاتجاه الروحي، عن زين العابدين (ع) (بكى على أبيه ٣٤ سنة و كلما وضع إليه الأكل و الشراب إلا وقال كيف أشرب و قد ذبح الحسين (ع)) وهو على منهج أمه الزهراء التي بقيت تبكي النَّبي مُحَمَّد ﷺ حتى أزعج أهل المدينة. أحد موالي الإمام زين العابدين (ع) رأى الإمام يبكي الحسين (ع) في سجوده في ظلام الليل فقال له -ما مضمونه- (لقد كان ليعقوب ١٢ ولداً و لما غيب الله واحداً منهم بكى حتى ابيضت عيناه، وأنا رأيت أبي و أخي و عمومتي مجزرين) هذا اشارة إلى الآية (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ)، البكاء شكوى الى الله، (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وإذا كان دعاء فهو عبادة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
  • الاتجاه القيمي، البكاء على الحسين يعني التفاعل مع الحسين، يعني استذكار هذه القيم، التضحية و التفاني و الإيثار و هذا طريق لاستذكار القيم.

فلسفة الشعائر الحسينية

لماذا هذه الشعائر و الطقوس ؟ لماذا نمارسها مع الحسين و حادثة الحسين (ع)

بعد آفاق تتجلى:

  • الأفق الولائي، (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) و المودة ليست المحبة بل إبرازها، و هذه المشاركة في المجالس هي إبراز المحبة،
  • الأفق الديني، ألا يستحق الحسين أن يقفوا معه في كل سنة ؟ لماذا خرج الحسين (ع) ؟ (ما خرجت أشراً و لا بطراً) مسيرة الحسين مسيرة الإصلاح، الموقف الديني من كل المسلمين الوقوف مع مسير الحسين، و خذا تطبيق لنداء القرآن الكريم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) إلا حمزة ليست له بواكي فبكى جميع أهل المدينة تخليداً لحمزة، و حبن قتل جعفر بكت عليه فاطمة.
  • الأفق الإعلامي، كل من يملك فكراً يحتاج الإعلام، يرسخ الفكر في نفوس الناس، و يجعل الفكر ثابت على الميدان، الزهراء عندما تحدثت عن الحج (تشييداً للدين)، إن الصفا والمروة من شعائر الله، الحج بسعيه و طوافه ورمبه ظاهرة إعلامية ترسخ مبادئ الإسلام في قلوب الناس، و يرى للإسلام حضوراً شامخاً عند المسلمين، كذلك أهل البيت أرادوا لكربلاء. و ربطوا كل هذه الشعائر من فن ورسم وأدب، إنما أرادوا أن يبقى صوت الحسين مدوّياً.
  • الأفق السياسي، كان لهم أفق سياسي وراء هذه الطقوس، خطط له أهل البيت سلام الله عليهم، الهدف من هذه الطقوس وحدة الكلمة، الوان و مذاهب وقبائل، تتوحد كلمتهم في الاذان والحج، كذلك أرادوا أن تكون ذكرى عاشوراء، مضافاً الى ان هذه الطقوس كلها دمعة او صرخة أو موكب او الزحف الى قبر الحسين هو مظاهرة احتجاجية في تلك الجريمة النكراء، الزحف نحو قبر الحسين اكبر مظاهرة احتجاجية، منع منها المتوكل و غيره و لكن بقي هذا الأثر شامخاً.

و الحمد لله رب العالمين

تقرير/ حسن هاني آل سيف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى