عاشوراء

سماحة السيد منير الخباز “الليلة الخامسة”: التراث الفكري في الخطبة الفاطمية

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد

(هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)

من أفضل و أروع الخطب عن أهل البيت (ع)، هي المعبرعنها بالخطبة الفدكية الواردة عن السيدة الزهراء سلام الله عليها.
حديثنا في ثلاث محاور: فلسفة الدين في الخطبة، المضامين التأصيلية، و مقاصد الشريعة.

فلسفة الدين
ماهو الدين ؟ ماهي الشريعة؟ ما هي فلسفة الدين ؟ ما هي أبعاد فلسفة الدين ؟
الدين هو الفكر الذي يجيب على أربعة اسئلة فطرية و يجيب عليها الدين (من أين جئت، وإلى أين أنتهي، وما هو طريقي، و ماهو الهدف من وجودي)، جميع الأديان السماوية تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة:
● من أين جئت ؟ ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)
● و إلى أين سأنتهي ؟ ( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( 15 )ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ( 16 )ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)
● ما هو الطريق الذي أنا أسير فيه ؟ (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) والرابط بين المبدأ و المنتهى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
● ما هو الهدف من وجودي ؟ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 2 ) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)

الشربعة تختلف، و ليست كالدين تجمع الشرائع كلها، (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ) (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) ما هي الشريعة ؟ تتضمن الشريعة أربعة أركان وهي:
● العقيدة، كالتوحيد و النبوة والعدل والإمامة والمعاد
● القانون خاص كان أو عام
● الحقوق، التي هي تقنين رابطة بين شخصين، فمثلاً لو قلنا أن النفقة تجب على الزوج فهي بلحاظ الزوج قانون، و بلحاظ الزوجة حق، نفقة الزوجة دين في ذمة الرجل، فلو مات أخذ ذلك من تركته.
● الأخلاق، القيم و المثل التي تبني الشخصية الكمالي، العدل و التواضع و كظم الغيط، فالأخلاق ليس لها قوانين جزائية و لكن للقانون لائحة جزائية، أي إذا خالف القانون لها عقاب كذا، فالتكبر ليس له عقاب جزائي.

ما هي فلسفة الدين ؟
فرق بين علم الفلسفة و الفلسفة، علم الفلسفة يعنى بالوجود بما هو وجود، و لكن الفلسفة هي قراءة تحليلية للأشياء، كما لو سئلنا ما هي فلسفة اللغة ؟ من أين جاءت اللغة و ما هي أهداف اللغة ؟ و الدين بنفس الطريقة، ما هو منشؤه وماهي آثاره على المجتمع، هذه كلها تسميها فلسفة الدين.

ما هي أبعاد فلسفة الدين ؟
● البعد التاريخي، متى بدأ الدين على الأرض ؟ نأتي لعلم الحفريات و يثبت لنا آثار الطقوس، و العلم يثبت الدين من أول الإنسان منذ ظهور الإنسان على الأرض، و الصلاة مثلاً كما في قوله تعالى على لسان النبي عيسى (ع) (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) فكانت في شريعة عيسى أيضاً، الزكاة ايضاً كانت في جميع الشرائع، ومثال آخر على ذلك أن الفقهاء المسلمين يقولون دية القتل الخطأ ١٠٠ ناقة حمراء، و لكن من سن ذلك ؟ عبدالمطلب جد النَّبي مُحَمَّد ﷺ و أمضى النبي هذا القانون.
● البعد التكاملي، ما هي العلاقة بين القوانين والحقوق والأخلاق ؟ دراسة هذه الروابط تسمى علاقة تكاملية، مثلاً قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) هذا يعد قانوناً، وفي جانب آخر يتحدث عن الأخلاق (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)، و في العلاقة الزوجية كذلك (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) ثم يأتي بالأخلاق (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) هذا مزج بين الأخلاق و القانون ليبين لنا أن الدين أسرة مترابطة بين هذه الأبعاد.
● البعد الاجتماعي، الدين كثير من أحكامه له لمسات اجتماعية، الخمس و صلاة الجماعة و تشييع الجنازة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و لكن كيف يؤثر هذا البعد ؟ لو قتل رجل عمداً و أسقط الولي الحق، بعض الفقهاء لا يسقط تمام الحق لأنه قد بقي الحق الاجتماعي و هذا بفرض الدين، بل حتى لو شهر سلاح يعتبر ذلك جريمة اجتماعية برأي بعض الفقهاء.
● البعد التحليلي، هناك مظاهر أربعة للبعد التحليلي للدين، السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) يذكر هذه المفاهيم الاربعة في اقتصادنا:
○ مقاصد الدين (أهدافه) كما أن الدين يجيب على الأسئلة الأربعة المذكورة سابقاً، مقصد الدين تحقيق الربط بين الدنيا و الآخرة، و لذلك القرآن يشير إلى هذه الرابطة (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا)( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)
○ مقاصد الشريعة هي الأهداف العليا التي نظرت إليه الشريعة، وهي تنظيم العلاقات الثلاث، علاقة الإنسان مع الله و علاقته مع الطبيعة و علاقته مع المجتمع، العلاقة مع السماء التي هي العنصر الروحي (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)، و العلاقة الثانية العلاقة مع الطبيعة أي لابد أن يكون لك دور حيوي في إحياء الأرض و الحضارة (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) و العلاقة الثالثة العلاقة مع المجتمع (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
○ النظم، أي الخطوط العامة للشريعة، أحكام البنوك و أحكام الإرث هذه كلها تعود للمذهب الاقتصادي في الإسلام، هذا خط عام، العلاقة مع الوالدين والجيران والأرحام تمثل خط العلاقات الاجتماعية في الإسلام، و الحدود و التعزيرات تعود للائحة الجزائية في الإسلام.
○ الملاكات، لم يشرع الله سبحانه و تعالى عبثاً، فعن الصادق (ع) ما مضمونه (إن الله تعالى لم يحرم الخمر لاسمها بل لعاقبتها، فما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر) هذا يسمى علة الحكم أو الملاك، (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، ملاك الربا مثلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) إذاً الملاك هو الظلم.

المضامين التأصيلية في الخطبة الفدكية
تعرضت للاصطفاء، ( اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد صلى الله عليه وآله، أقول عوداً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً: (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزيّ إليه صلى الله عليه وآله) و كأنها تشير إلى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، و تحدثت كذلك عن تاريخ النبوة (فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمدٍ صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها) ثم قالت (مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم … وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فــــلا ينكفئ حتى يطأ صــــماخها بأخمصه، ويُخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله سيد أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لاثم ، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر) تحدثت عن التاريخ المشرق لأبيها و بعلها.

تعرضت للاحتجاج عن مسألة فدك، كما ورد (أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول: (وورث سليمان داود)، وقال فيما اقتص من خبر يحيي بن زكريا عليهما السلام إذ قال رب (هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب)، وقال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)، وقال: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)، وزعمتم ألا حظوة لي، ولا إرث من أبي لا رحم بيننا‍، أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، ولست أنا وأبي من ملة واحدة ؟‍ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟)

المضمون العقدي
تعرضت لأصول الدين الخمسة (التوحيد، والعدل والنبوة والإمامة والمعاد) بقولها (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في الفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته) في القرآن نقرأ أحد وواحد، ماهو الفرق بين الوحدة الواحدية و الأحدبة؟ (اقُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الواحد هو الذي ليس له شريك ولا مثيل ولا في صفاته، أما الأحدية هي التي يعبر عنها الفلاسفة بواجب الوجود، وجوده بذاته لا بغيره، وجود مطلق لا يحده حد، (الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته).

الأصل الثاني
الكمال المطلق لله عز وجل، إذا أدرك الإنسان الوحدة الواحدية والأحدية، فقد آمنت أنه الكمال المطلق و لكن للكمال المطلق مظاهر و من هذه المظاهر الغنى والحكمة و العدل و قالت (ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها) هذه إشارة للغنى (إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته) و هذه إشارة إلى الحكمة، ( ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته) هذه إشارة للعدل، (ذيادةً (أي إزاحة) لعباده عن نقمته وحياشة منه إلى جنته) و هذه إشارة إلى الرحمة.

الأصل الثالث النبوة
(وأشهد أن أبي محمد (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة) تريد القول إن أبي مرّ بمراحل أربع، اختيار تسمية اصطفاء ابتعاث، اختاره وانتخبه قبل أن ارسله (قلب الخافقين ظهرا لبطن *** فرأى ذات أحمد فاجتباها) (لم يكن أكرم النبيين حتى * علم الله أنه أزكاها) اختاره و انتخبه بالحقيقة النورية (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) هل كانت لغة حدث آدم الأسماء بها الملائكة ؟ هي حقائق نورية رآها آدم، أي صاغه صياغة نورية تجلت لآدم، و هذه الحقائق نورية هم محمد و آل محمد، و سماه قبل هذا النور نور النَّبي مُحَمَّد ﷺ و هذا لعلي و هكذا، و اصطفاه و اجتباه قبل أن ابتعثه، النبوة الواقعية هي أن النَّبي مُحَمَّد ﷺ نبي منذ ولادته، و ابتعثه بعد ٤٠ سنة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ)

الإمامة
(عهد قدّمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم)، الإمامة عهد (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) و عهدٌ قدمه إليكم وبقية استخلفها عليكم ، أي كتاب الله و العترة الطاهرة

المعاد
( فنعم الحكم الله، والزعيم محمد والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون ولا ينفعكم إذ تندمون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم).

مقاصد الشريعة في الخطبة الغراء
أربعة ملامح لمقاصد التشريع في هذه الخطبة العظيمة:
● قسمت التشريع الى جوارحي و جوانحي، وظائف فردية و أخرى اجتماعية، (وجعل الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصبر معونة على استيجاب الأجر) وهاتان عبادتان جوانحيتان. (وجعل الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر والصيام تثبيتاً للإخلاص ) عبادات جوارحية خاصة وهناك عبادات عامة (والزكاة تزكية للنفس و نماءً في الرزق )(والحج تشييداً للدين) وهذه عبادات عامة، وقسمت الوظائف إلى الفردية وأخرى اجتماعية (والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس)(وترك السرقة إيجاباً للعفة) هذه وظائف فردية، (والجهاد عز للإسلام) (والأمر بالمعروف مصلحة للعامة) هذه وظائف عامة.
● هناك فرق بين العلة والحكمة، العلة هي التي يدور مدارها التشريع و لا ينفك عنها، أما الحكمة هي الفوائد للتطبيق، العلة مثلاً، ما هي علة حرمة تحريم الخمر، فالعلة هي الإسكار، أو الربا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) إذاً الملاك هو الظلم) العلة هي الظلم، أي لا تظلم و لا تظلم، أما الحكمة مثلاً، المطلقة تعتد ثلاثة قروء (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) بعض الروايات تقول لمنع اختلاط المياه و الأنساب، فلو لم يعاشر هذه المرأة زوجها سنة ثم طلقها فلازال عليها أن تعتد لأنها مجردة فائدة و ليست علة، و مثال آخر الزكاة، الزكاة تزكية للنفس هذه علة، أما النماء في الرزق فهذه مجرد فائدة.
● المتغير و الثابت، التشريعات الإسلامية قسمان متغير و ثابت، مثلاً يجب رد السلام فلو كان رد السلام حرجاً سقط الحكم، و الصوم إذا كان مضراً أيضاً يسقط الحكم إذا ترتب عليه الحرج هذه أحكام متغيرة، أما حرمة قتل النفس و هتك العرض لا يكون هناك مبرر ابداً فيها، حكماً ثابتاً، حتى الصلاة لو فقد المرء التراب و الماء يسقط وجوب الصلاة عند بعض الفقهاء و لكنه قد يجب عليه القضاء، الأحكام الثابتة هي التي ترتبط بمظهر الدين أو استقرار الحياة الإجتماعية، (والحج تشييداً للدين)، الحج لابد منه على كل حال، في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (ع) (لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و المقام عنده) لا تخلوا الكعبة من طائفين ، ولو كانوا فقراء أنفق عليهم من بيت مال المسلمين، العدل ايضاً حكم ثابت، (العدل تنسيقاً للقلوب)
● ما هي طرق اكتشاف ملاك الحكم ؟ ورد عن الصادق (ع) أن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة و لا بالآراء الفاسدة، ولكن كيف نستكشف العلة ؟
○ الطريق الاول – النص، إذا ورت رواية بينت علة الحكم (إنما أمر من يغسل الميت بالغسل للطهارة من نضح الميت، فإن الميت إذا خرجت روحه كان أكثر افة) فمس الميت بعد برده وقبل غسله موجب للغسل، الميت يبث آفة لا تطهر إلا بالغسل،
○ الطريق الثاني ما يعبر عنه السيد الشهيد السيد الصدر الفهم الاجتماعي للنص، مثلاً ما ورد عن النبي (ص) (من احيا ارضاً مواتاً فهي له) فإذا خرجت البر و احييت ارضاً بالزراعة ملكتها، الفهم الاجتماعي لهذه الرواية يعني الطاقة التي بذلتها يجعل لك حق، فلو كتبت كتاباً أو ابتكرت ابتكاراً كان لك حق
○ الطريق الثالث إلغاء الخصوصية، مثلاً ما ورد عن النبي (ص) (لا سبق إلا في ثلاث حافر أو خف أو نصل) فهل المسابقة في غيرها حرام ؟ يقول الفقيه أن ألغي هذه الخصوصية للفائدة الاجتماعية، كالفائدة الرياضية أو الخيرية.
○ الطريق الرابع هو الاستقراء، مثلاً في الحج في صحيحة عبدالصمد بن بشير (أيما امرئ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه) لو أنه لبس المخيط أو ظلل عن جهل قصوري فلا شيء عليه، في الصلاة نفس الشيء، لو كان يصلي الفاتحة فقط و يقرأ بدون سورة لسنين و جهله ذلك كان لسنين، ليست عليه الإعادة، ببركة الاستقراء أيضاً الصوم نعمم عليه الحكم كما لو استنشق امرءٌ غبار غليظ، و لو قطع المرء مسافة سفر و لم يقصد إقامة ١٠ أيام صلى قصراً إلا في أربعة أماكن يكون مخيراً بين القصر والتمام، مكة و المدينة و حائر الحسين (ع) و مسجد الكوفة، و لكن بعض الفقهاء قال كل قبور الأئمة كالسيد المرتضى، و صاحب الجواهر يقول لا نص على ذلك و لكن لعلّهم فهموا هكذا العلّة، أغلب الفقهاء يقولون لا، هناك خصوصية في حائر الحسين (ع).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى