مقالات

رسالة لخطباء المنبر الحسيني

لا تشغلوهم بما يخرج عن المقاصد المهمة بقضايا وحوادث قد يمجها العقل وتنفر منها النفوس وقد تشكك البعض في الدين أو الخطيب.

 الأخوة الكرام خطباء المنبر الحسيني          حفظهم الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه أيام المحرم قد دنت فبان بياض نهارها، وغشاها ليلها الكالح بالأحزان على شهيد كربلاء عليه السلام. 

وإني لأعلم كما غيري أنكم تبذلون جهدا جهيدا للقيام بما انتصبتم له من بيان معالم الدين، وأحكام الشريعة، وما يصلح أحوال الناس، وما يفسد معيشتهم. وكل ذلك رجوعا إلى ما كشفه دين الإسلام، الذي جوهره التسليم لله – عز وجل- روحا وقلبا وجسدا “وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ” لقمان:22

فكأن حياتنا بالعقل والأخلاق وأنواع العبادات هي مظاهر هذا التسليم الذي عائداته خير على الفرد والمجتمع والإنسان بما هو إنسان. 

على أن هذا الذي تقومون به ووسيلته الكلمة لهو تعظيم لشأن الكلام والقول.  والله عز وجل يقول “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا” إبراهيم:24

وكلام الله عز وجل أعلى الكلام من كل الجهات العلمية والعملية، ومن يتولى شأن بيانه فإنما يضع نفسه في مطرح النطق عن الله فكونوا على اهتمام بهذا الشأن كثيرا وبأشد درجات الحرص. 

كما على من يستمع للبيان الإلهي من مستمعي المجالس أن يفتحوا عقولهم وقلوبهم على كلام الله وأن يكونوا بمستوى “وتعيها اُذن واعية”. 

وأن نكون مع الإمام علي عليه السلام أذنا واعية. يقول النبي محمد صلى الله عليه وآله:

«سألت ربّي أن يجعلها اُذن علي»، وبعد ذلك كان يقول الإمام علي (عليه السلام): «ما سمعت من رسول الله شيئاً قطّ فنسيته، إلاّ وحفظته» – نقلا عن تفسير الأمثل –

فإن لحاظ العموم يجعلنا كلنا مخاطبين بأن نعي ما نسمع حق وعيه.

على أن هذا مرتبط بما يلقيه الخطيب تمكنا وإمكانا فإن الله عز وجل يقول في كتابه المجيد “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً” البقرة:83. 

وقال النبي محمد صلى الله عليه وآله في المشتهر عنه “إن من البيان لسحرا”.

فما كل قول يلائم الدين ومقاصده، وربما جانب الخطيب بكلامه غرض تصديه للوعظ والإرشاد. فكونوا على حذر من سقط الكلام ومن هوامش القضايا التي لا تجلب نفعا بل تثير ضجيجا على الخطيب وتبرم آذن المستمعين، وهي قضايا أكثرها تأتي من ترك جولان الفكرة في الذهن، ومناقشتها مع أهل العلم العقلاء العرفاء، والخطأ الأكبر الركون إلى مأنوسات تأتي من روحية الخطيب مما لا علاقة للناس بها.

على أن الله عز وجل قد اختصر في كتابه الكريم للنبي محمد صلى الله عليه وآله، ولنا، ما يجب علينا فعله بمنتهى الوضوح حين قال تعالى شأنه وأمره “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” الأعراف:199

يقول السيد الطباطبائي في الميزان في شأن هذه الآية “ففيها أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسيرة الحسنة الجميلة التي تميل إليها القلوب، وتسكن إليها النفوس، وأمره بالتذكر ثم بالذكر أخيرا”

فما أحلى الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وآله في أن يكون خطابنا لهم محببا, تقبله القلوب، وتأنس به العقول، وتتمكن من الالتزام به النفوس. وهذا لا يكون بلا استحسان ما نعد لهم من مذاكرات القضايا، وضبطها، واستجادتها. 

وهنا اسمحوا لي أن أقدم بعض الكلام في هذا الأمر:

1. القضايا والموضوعات والمشكلات لها نوع ارتباط بالواقع وكثيرا ما تكون متعددة الجوانب وفيها تفاصيل فإن لم تدرس الموضوع درسا علميا واقعيا فلا تدخل في لجته فتعصف بك أمواجه وتسمع من يرد عليك أكثر مما يقبل منك.

2. في القرآن الكريم والحديث الشريف أصول العلم والحكمة والأخلاق فمن الجيد شرحها كما هي نصا ومعنى واترك التطبيق للآخرين فهكذا تنجو من شراك الأقاويل وفتنة التنقيص لذاتك الكريمة.

3. الاسترشاد بمن وهبوا أنفسهم للعلم،  وأسنوا فيه أعمارهم،  وانكشف صلاح حالهم، تعينك على فهم المطالب، وحلاوة البيان، ورضا الناس. ولا يختص هؤلاء بطبقة من العلم بل بكل صنوفه ففي كل خير. فلا تأنف من مشاورتهم والاستفادة منهم.

4. مما ينفع الناس أن تأتي بالآية من القرآن الكريم فتبين مدلولها، وتكشف عما فيها من أحكام وآداب وقصص وغيرها وتأتي بالحديث المناسب لها فتنوعك في الآية وبقاؤك في نصها ينير ذهن المستمع.

5. إن هناك كتبا تمدك بأنواع المعارف وتثري ذاتك وبالتالي تؤهلك لخطاب الناس وأحسنها وأجملها كتب التفسير وأجود تلك الكتب الميزان ومواهب الرحمن والأمثل فإن لم تكن قد بلغت باعا في العلم يعينك على التبحر في مختلف كتب التفسير لتستخلص النتيجة بنفسك فإن هذه الكتب التي ذكرتها لك مما يفلحك وينجحك.

6. بالنسبة لقضايا التاريخ فيما يتعلق بالنهضة الحسينية أو بأي إمام من أئمة الهدى وأولهم رسول الله صلى الله عليه وآله توجد روايات متناقضة وبعضها ناقص وآخر تشم منه الغرائب فخذ من ذلك الصريح بالحق، الواضح والمتفق عليه، وتجنب ما فيه ترددات كي لا تشغل الناس بالقيل والقال وينسوا أصل موضوعك ويهتموا بما أشكل عليهم. 

واعلم أخي أن غاية الخطيب والمرشد هو صلاح القلوب بالمعارف اليقينية وصلاح الأعمال مع الإيمان وهو لسان الكثير من الآيات القرآنية ” الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ” الرعد: 29

 فلا تشغلهم بما يخرج عن هذا المقصد بقضايا وحوادث قد يمجها العقل وتنفر منها النفوس وقد تشكك البعض في الدين أو الخطيب.

أسأل الله الخير لنا جميعا وصلاح الحال، إنه ولي الصالحين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى