حديث الجمعة

حديث الجمعة : «العصبية المذمومة والمحمودة (٤)» .. سماحة السيد حسن النمر

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «العصبية المذمومة والمحمودة (٤)» يوم الجمعة ٢ رجب ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين

رب اشرح لي صدري ويسر لي امري. واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

ونتقدم إلى إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف وإلى مراجع الدين العظام وإلى المؤمنين جميعاً، بالتهنئة بذكرى ميلاد سيدنا ومولانا الإمام علي الهادي عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي يصادف ذكرى ولادته هذا اليوم، الثاني من شهر رجب على بعض الأقوال. ونتقدم بالتعزية إليهم أيضاً وإليكم بذكرى شهادته التي تصادف على بعض الأقوال ذكر،  أو يوم غد الثالث من شهر رجب المرجب. سائلين الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم على محبتهم وولايتهم وطاعتهم والسيرِ في ركابهم والحشرِ في زمرتهم.

كنا نتحدث عن التعصب المذموم والمحمود، وقلنا أن الإنسان لا يمكن أن يعيش في حياته دون أن ينطلقَ من منظومة قيم تحدد سلوكياته فهو لا يقدم، ولا يحجم، فيما كبر وعظم من أعماله وأفعاله وأقواله ولا فيما صغر، إلا إنطلاقا من تلك المنظومة من القيم بقدر ما يكون واعياً. نعم، لو أن الإنسان سلب وعيه قلّت اهتماماته، قد تتحكم فيه شهواته، قد يتحكم فيه الناس الذين يكونوا إمعة معهم “وحشر مع الناس عيد” كما يقال، لكنه في الوضع الطبيعي كعاقل له انتماءاته. وهذه الانتماءات قد تكون موافقة للحق وقد تكون موافقة للباطل وقد يُمزج وهو الغالب – عند غير المعصومين – يُمزج الحق بالباطل سواءٌ زادت نسبة الحق أو زادت نسبة الباطل أو تساويا. لذلك، يجب علينا دائماً إذا أردنا أن نعيش حالة إنتماءٍ، سليم أن نعيد المراجعة الدائمة والتثبت من صحة انتماءاتنا الفكرية حتى لا نكتشف أننا كنا مخطئين في الحكم هنا أو هناك، وفي السير هنا، أو هناك، لأننا لم نكن قد راجعنا تلك القناعات، ولم نتثبت منها حيث لم نستقي هذه الأفكار والقناعات من منابعها الصحيحة.

ولذلك فإن الله عز وجل حينما يمتن على الناس يذكرهم بالكتاب الكريم ويقول: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} أو يقول: {إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ} لأن الله عز وجل فطَر الناس على طلب الحق، لكن أين يقع الخلل؟ يقع الخلل في التطبيق. يشوش على الإنسان فهمه للحق ويعرقل في مسيرته نحو الحق. وهذا ما يجتهد عليه وفيه الشيطان وأولياؤه، يريدون منك أيها الإنسان أن تصم سمعك فلا تسمع الحق وقد حكى الله عز وجل لنا مقولة أولئك الكافرين حيث كانوا يقولون: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} حتى لا يسمع طلاب الحق والحقيقة الحق شوشو عليهم. وأساليب التشويش كثيرة جدا، يمنع، يعزل، يسجن، يحال بين الناطق بالحق وبين أن ينطق بالحق، يشغل هذا الانسان حتى لا يطلب الحق يشغلونه بأشياء توافه هنا وهناك. لذلك فإن الإنسان الحصيف والحكيم لا يُقدم، وهذا يحتاج إلى ترويض وهذا الترويض جاءت الشريعة الإسلامية لنا بسلسلة من الإجراءات سأشير إلى عدد منها، كيف يجعل الإنسان نفسه سائرا في طريق الحق؟ لأنه يحتاج إلى مراجعة دائمة. سيارتك أنت تحرص على أن تدفع المال اللازم يومياً تكلف أحداً يغسل سيارتك لأنه يعلق بها الأوساخ والغبار. نفسك، عقلك، يقع فيها المشكلة نفسها، ما لم يحرص الإنسان على إزالة الغبار والاتربة والاوساخ قد تعلق الشبهة، والشبهات إنما سميت شبهات لأنها تشبه الحق. أصحاب الدعوات الباطلة لا يأتون بالباطل صرفا و يروجونه بين الناس وإنما يسوقونه، ويروجونه، ويحسنونه، ويزينونه، وهذا ما توعد به الشيطان {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} التزيين يعني أن يعرض بضاعته وسلعته بطريقة قابلة للترويج.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل، عن فئة من الناس كانت قد ابتليت في انتماءاتها الفكرية حتى في أعظم المسائل، بتعصب مذموم وكيف يجب علينا نحن بعد ذلك أن نستثمر مثل هذا الشهر الكريم، والشهر التالي، والشهر الثالث، رجب وشعبان وشهر رمضان هذه أشهر كريمة، حُشد فيها وشُحنت بسلسلة من الأعمال كلها تحول بين الإنسان وبين أن يقع في التعصب المذموم، لتجعله يتجه إلى التعصب المحمود، التعصب لله، التعصب للحق، التعصب للفضيلة، التعصب لمكارم الأخلاق هذا تعصب محمود.

لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل في سورة البقرة {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ}. هاتان مقولتان لفئتين من الناس كلٌ من هاتين الفئتين تنسب نفسها إلى دين الله عز وجل بعد أن أصابه التحريف، ثم فهموا دين الله عز وجل المحرف بطريقة خاطئة. اليهود قالوا لن يدخل الجنة إلا نحن! والنصارى قالوا لن يدخل الجنة إلا نحن! مع أن الله عز وجل لم يجعل الجنة لليهود بما هم يهود، ولا للنصارى بما هم نصارى، بل ولا للمسلمين بما أنهم مسلمون، جعلها لكل من آمن به واتبع هديه. فإذا كان اليهودي عاملاً بدين الله عز وجل هو من أهل الجنة كما جاء في آيات أخرى، لكن هل يكون اليهودي يهودياً يرضى الله عز وجل عنه إذا جاء المسيح وكذّبه أو إذا جاء رسول الله “محمد” صلى الله عليه وآله، وكذّبه لا يكون كذلك، وقل الكلام نفسه في النصارى وقل الكلام نفسه في المسلمين، لو أن المسلمين جاء لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بحكم من الأحكام عن الله عز وجل ثم قالوا نحن في حل من هذا الأمر الذي جئت به! يكون حالهم حال أولئك. ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حذّر هذه الأمة من أنها ستبتلى بالمشكلات نفسها التي ابُتليت بها الأمم السابقة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه. ومن هنا فائدة قراءة التاريخ، يعني قراءة تاريخ اليهود الانحرافي الذي جاء في القرآن الكريم، والنصارى الانحرافي، ينفعنا من هذه الناحية حتى نعرف كيف وقعوا في الخطأ، مسببات الخطأ، ظروف الخطأ والخطيئة، حتى لا نقع فيما وقعوا فيه.

{وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} هذه أوهام وأماني، هذه تمنيات، هذه ليست حقا {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} من يدّعي مثل هذه الدعوة يجب أن يأتي عليها ببرهان بيّن، برهان من عند الله عز وجل، يعني لو أن أحداً من الناس أراد أن يقول الحق معي، من حقك أنت أيها العاقل المؤمن – والمؤمن عاقل – يقول له أين هو دليلك من الكتاب الكريم والسنة المطهرة؟ ستجد الفئة المنحرفة من الناس قال لا تشغله، يعني يمنع علينا أن نفكر لا! ليس ممنوعا عليك أن تفكر، بل يجب عليك أن تفكر، لكن في ظل الحق، المعادلة الرياضية إذا قال لك أحد أن نتيجتها كذا يقال لك برّهن عليها، فتسوق برهانك الرياضي والهندسي لتثبت له، والمسائل التجريبية تثبتها له، لكن شيء تريد أن تنسبه إلى الحق، وإلى الله، وإلى الآخرة، وإلى النجاة والسعادة، أليس من حقنا أن نسألك أين هو الدليل؟ حتى الفقيه نحن إذا أفتى قال له أين هو دليلك؟ يقول إن كنت من أهل الاستيعاب، نشرح لك الدليل، تستطيع أن تستوعب دِلالات الألفاظ والآيات والروايات والأسنان يمكن أن تستوعب؟ تفضل، لذلك فإننا نحن غير المتخصصين في الطب، إذا سمعنا الطبيب سيكون من البجاحة ومن الصلافة من أمثالنا أن نقف بين يدي الطبيب قلنا له ما هو دليلك؟! يقضي اثني عشر عاما يدرس الطب بكل تفاصيله وتعقيداته، ثم يأتي مثلي، الذي لا يُحسن ما أحسن ولا يعرف ما أعرف، ما يعرف وأدخل عليه في العيادة، وأفتح فمي بملء الفم، وأقول له أين هو دليلك؟ خلاص! هو يجلس محلي وأنا أذهب مكاني وأكون أنا الطبيب، ما دمت لست الطبيب، لابد أن تتواضع ومن أهم شروط عدم التعصب، التواضع.

لذلك، تجد الذي تجد الذين لا يتواضعون، حتى في التعصب الرياضي ناديهم ليس بالنوادي من النوادي المحترمة، الجيدة يعني، محترم، يعني ليس من نوادي الصنف الأول أو الثاني أو الثالث، لكن لأنه يتعصب له، تجده يبذل جهده ويتعصب حتى يتطاول على الآخرين، فقط لأن هذا النادي ينتمي إليه..! أن تميل لهذا النادي، شجع هذا النادي لا بأس به، أن يكون ابن منطقتك، ابن بلدتك لكن كن منصفاً في الحكم على نتيجة الحدث الرياضي، لا تكن أعورا ولا تكن أحولا، اذا كان أداء ذاك النادي أفضل من ناديك بكل موضوعية، تقول أصابوا هنا وأخطأوا هنا، أما المتعصبون، أبداً لا يذعن للنتيجة، حتى إذا أخفقوا وفشلوا، الحكم خطأ، المحكمون أخطأوا، هناك مؤامرة علينا، وغير ذلك من الذرائع والمبررات، هذا من التعصب المقيت والمذموم، وقس على هذا كل التعصب.

ثم تقول الآية، تعطينا القاعدة {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. بقية الأسماء والعناوين الأخرى، يهودي، نصراني، مسلم، ماذا ينفعك أن يكون مسلماً؟ ثم يمارس الإجرام في أشد إجرامه هل هذا أفضل من ذاك اليهودي الكاف الورع؟ لا! عند الله سبحانه وتعالى، يحشر هذا الذي يسمي نفسه مسلماً مجرماً قاتلاً ذاك اليهودي على أنه انحرف. هذا يدفع ثمن انحرافه، وهذا يدفع ثمن إجرامه عند الله سبحانه وتعالى العدالة فوق كل شيء {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. وقالت اليهود هذا الآن إجمال، يعني إذا جاءوا إلى المسلمين، هكذا قالوا منطقهم وهو منطق اعوج، ثم فيما بينهم هؤلاء الذين اتفقوا عليكم، هل يتفقون فيما بينهم؟ بلوى التعصب تجعلهم يتناحرون أيضاً فيما بينهم {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} هل من حق اليهودي أن يقول النصراني ليس على شيء؟ النصراني يهودي وزيادة كيف ليس على شيء؟ كيف تنفي عنه دينه اليهودي وهو في الأصل ديانة من بني إسرائيل، كيف لا يكون على شيء؟ كذلك النصارى هل من حقهم أن يقولوا اليهود ليسوا على شيء؟ مع أن اليهود أيضاً يتعبدون بدين أنتم كنتم تتعبدون به، لكم نصيب من الحق، ولهم نصيب من الحق، هذا التهافت فيما بينكم على نفي الآخرين لا معنى له ولا قيمة له، والآية تريد أن تقول لنا الإنصاف حسن، المذموم قبيح {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ  ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} في جماعة لا هم من اليهود حتى يصير عندهم كتاب، ولا هم من النصارى حتى عندهم كتاب، يشير إلى أهل الجاهلية المشركين.

زين! أنتم يا أهل الجاهلية، لا في العير ولا في النفير، ليس من حق من لا يعتقد بكتاب من عند الله عز وجل، أن يقول أن الحق معي دون فلان ولا أن الحق مع فلان ليس معي، أنتم لستم على شيء ليس عندكم شيء، لكن يقولون هذا “حشر مع الناس عيد” لماذا يحق لليهود أن يقولوا هذا، والنصارى أن يقولوا ونحن لا نقول، لأنهم لا يعلمون يكررون مقولة ومقالة لا يفقهونها ولا يعرفونها {قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يعني الحكم النهائي عند الله عز وجل بين هؤلاء، المحكمة النهائية هناك، هذا لا يعني أن الله عز وجل، الآن ليس له حكم عليهم، لا يعيب عليهم، والآية سبق أن قالت: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} هذا هو الميزان لجميع هؤلاء، لكن الفصل النهائي، دفع الثمن متى سيكون؟! سيكون في يوم القيامة. آية أخرى، يقول عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} يعني أنت تتبع آباءك وأجدادك فقط لأنهم آباء وأجداد!

“الإمام علي” صلوات الله وسلامه عليه، دخل على أحدهم وقد كان داره ضيقة، قال الدار ضيقة، قال ورثتها من أبي، قال: وإن كان أبوك أحمق! يعني إذا الله سبحانه وتعالى آتاك مالا وتستطيع أن تتوسع في دارك وأنت بحاجة إلى أن تتوسع تقول، هذه دار أبي! هذه دار أبوك، أبوك كان عنده ولد أو ولدين، أما أنت، قد يكون وقد يكون عندك كثرة من العيال، قد يكون عندك علاقات تستدعي أن تستضيف فيها أحدا.

فالثبات على بعض المسائل غير الثابتة، هذا نوع من أنواع الحمق، زين، لو أردنا أن نتخلص هل يمكن أن نستفيد من مثل ما جاءنا في شهر رجب؟ نقول، نعم هناك خطوات أُجملها في أربع خطوات، وشهرُ رجب شهرٌ فضيل جاء في الروايات وصفه بأنه شهر الولاية، شهر شعبان شهر النبي، شهر رمضان شهر الله، يعني أنت تحتاج أن تتشبث بهذه المراتب والدرجات حتى تخلص، وتكون كما تتمنى أن تكون لنفسك، لأن أن يحل بالإنسان الأجل ثم يقول بعد الأجل بعد الموت {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا} عمرك، احرص وابذل جهدك على أن تستثمره أفضل استثمار، لأن النَفَس إذا خرج لا يعود، كم رحل عنا من الأعزة والأعزاء! منذ بدء حياتك تعرف كثيرا من الناس ليسوا معك، قبل أسبوع لم يكونوا معك، قبل أيام لم يكونوا معك، هذه رسل، هذه علامات ينبغي لنا أن نستفيد منها.

 

الخطوة الأولى: الانقطاع إلى الله هذا هو التعصب الأول المحمود، تعصبك إلى الله يعني أن تتعصب للحق والكمال والخير والفضيلة المطلقة.

لاحظوا في الدعاء في شهر رجب يقول: (اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك وعمل الخائفين منك ويقين العابدين لك اللهم أنت العلي العظيم وأنا عبدك البائس الفقير، أنت الغني الحميد) إلى آخر الدعاء. يعني أنت تضع بين يديك صورة لموجود هو الكامل المطلق، وكما قال الله عز وجل {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} والله عز وجل يقول {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}.

أما الذين لا يرجون الله ولا اليوم الآخر، بالنسبة لهم رسول الله لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، لكن لمن يريد أو لمن يؤمن بالله ويرجو ثوابه ويخاف عقابه، ولمن يضع في حسبانه آخرة، يحشرُ الله عز وجل، الناس إليها وفيها، سيهتم كثيرا بمن يتأسى بمن يعمل ماذا، وكذلك الدعاء الذي سمعناه (اللهم إني اسألك بالمولودين في رجب) الى آخره، والزيارة الجامعة التي وضعت لنا – والمروية على الإمام الهادي عليه السلام صاحب هذه الذكرى – هو الذي رسم لنا صورة متألقة عن جماعة يجب أن ننحاز إليهم، وهم الرسول صلى الله عليه وآله صلوات الله وسلامه عليها.

 

الخطوة الثانية: التلقي عن هؤلاء الأولياء الذين رسمت لنا صورة حقيقية.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حينما يشير إلى الحسن والحسين ويقول أنهما سبطاه وأنهما ريحانتاه في الدنيا، وأنهما سيدا شباب أهل الجنة يعني تعصبه لأبنائه دفعه إلى هذا! أبدا، النبي الذي يواسيه الله عز وجل ويقول له: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} لمصلحتي ومصلحتك، يبيّن مكانة “الحسن والحسين” وكأنه يريد أن يقول أيها الناس، إن أردتم أن تكونوا من أهل الجنة، فاجعلوا هؤلاء سادتك إذا أمروكم أطيعوهم، وإذا نهوكم انتهوا، لا أن تعتدوا عليهم وتجعلوهم في الهامش، لا! إذا جعلتموهم هكذا سيذهبون إلى الجنة، يذهبون إلى جهة أخرى، لأنهم ليسوا أسيادكم لم تأتمروا بأمرهم ولم تنتهوا بنهيهم.

فإذن، عرّفت لنا فضائلهم ومناقبهم من أجل أن نتلقى عنهم، فإذا خالفهم أحد، بشهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) زين، تقرأ بعض الكتب فلان قال فلان وقال فلان تقلب الكتاب من أوله إلى آخره، أين هو قول “الحسن” سيد شباب أهل الجنة؟ لا تجد! أين هو قول “الحسين”؟ لا تجد! ا

لله سبحانه وتعالى حينما يقول يعطينا ميزانين في القرآن الكريم يقول {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} و”الحسن والحسين” شهدَ لهما رسول الله أنهما (سيدا شباب أهل الجنة) يعني أنهما هما الأكرم وهما الأتقى، زين، ويقول الله عز وجل {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} يعني لولا أن “الحسن والحسين” كانا هما الأعلم والأفضل من بين المسلمين في من عاصرهم، لما كانوا هم الأكرم والأعلم، لماذا يغيب رأيهم؟ لماذا يقول رأي غيرهم مقدماً على رأيهم؟ هذا دليل على أن هناك خللا حينما يقدم المؤخر ويؤخر المقدم.

 

الخطوة الثالثة: التطبيق العملي للتعاليم.

نحن لا نريد أن نتفاخر بأننا أتباع أهل البيت لأننا أتباع الأفضل، ما الذي ينفعك إذا كان إمامك هو الأفضل! ولا تكن أنت الأفضل تبعاً لإمامك! لا يكون الواحد، كما ورد في عديد من الروايات، واحد من شيعتنا وهو في مصر وفيها عشرة آلاف ولا يكون هو الأفضل منهم، أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، أرادوا لمن يتشيّعوا لهم أن يكون الأفضل، كما كانوا هم الأفضل على أهل زمانهم.

 

الخطوة الرابعة: الوقاية والعلاج.

قد يكون الإنسان يوفق إلى علم جيد، وعمل جيد، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، لأنك إن تغلبت على الشيطان في معركة، الحرب لم تنتهي! هو سيلاحقك إلى حين الموت، لماذا يجب علينا فيما إذا احتضر الرجل واحتضر الإنسان أن يلقن الشهادتين؟ لأنه قد تكون معصية من المعاصي، تعلق في ذهنه، لا يستطيع معها حتى أن ينطق الشهادتين عند الموت، يحتاج الإنسان أن يثبت نفسه تثبتاً جيداً، هذا أمر مهم.

في شهر رجب، من آدابه الدعاء، وما أكثر أدعية رجب التي يستحب – ليس قراءتها مرة واحدة – لا، بعد كل فريضة، ما الذي يدعو الشريعة الاسلامية إلى أن تقول هذا التسبيح – كتسبيح الزهراء عليها السلام – كرره بعد كل فريضة؟ لأنه لا يكفيك أن تكبر الله وتحمده وتسبحه لمرة واحدة، صورة جميلة ومقام جيد لكن ثبته، كيف تثبته؟ بالتكرار، بطرد كل الشوائب التي يمكن أن تعلق بك فهذه الأدعية هذه فائدتها.

ثانيا: الاستغفار شهر رجب، شهر الاستغفار. إن لم يعترف الإنسان بأنه قاصر ومقصّر بين يدي الله عز وجل، ستجد نفسه وذاته تنتفخ، يصيبه العُجب، يصيبه الزهو، يصيبه الفخر، يعتقد أنه انتهى هو أفضل البشر، أفضل الناس، فإذا وقع في مشكلة استنجد بفلان وفلان، فيقال له يضحكون عليه، أولست تقول أنك الأفضل؟ إذا كنت تقول أنك الأفضل والأحسن من غيرك، لماذا الآن تفزع إليهم؟ لو فزعت إليهم من قبل، لصرت مثلهم ولم تحتج إليهم.

فإذن، الإنسان يحتاج إلى الاستغفار المتكرر والدائم، وشهر رجب شهر استغفار.

أدب آخر، الزيارة، من مستحبات شهر رجب زيارة الامام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام، إن استطاع الإنسان أن يصل إليه، فقد ورد فيها فضل كبير وان لم يستطع، يزوره من بعيد، وهذا من الأدب، لأن هذا يزيدنا تعلقا به كما يزيدنا تعلقاً بهم صلوات الله وسلامه عليهم.

ومن الآداب أيضاً، العمرة في شهر رجب، من أفضل الأعمال في شهر رجب العمرة – بلغنا الله وإياكم وتقبل من الجميع – لإن الإنسان إذا وفد على الله عز وجل، في بيته، يكون ضيف الله، حتى منظومة القيم تتبدل عنده وتتقدم الأولويات، لتحتل المكانة المناسبة لها.

نسأل الله عز وجل أن يبارك لنا ولكم في هذه الذكرى وفي هذا الشهر وأن يجعلنا وإياكم من أهل الاستغفار والدعاء والزيارة، وأهل الصلاح والفلاح وأن نكون وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا،

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى