حديث الجمعة

«الإمام الرضا (ع) والأمن الفكري (٣)»

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «الإمام الرضا (ع) والأمن الفكري (٣)» يوم الجمعة ٢٢ ذوالقعدة ١٤٤٢هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

كان حديثنا عن «الإمام الرضا والأمن الفكري» وذكرنا أن لهذا البحث أهمية قصوى، لا يستغني أحد منا عنها، فإننا في أصغر الأمور وأحقرها نهتم بأن يكون أدائنا فيها أداءا جيدا لنا وللآخرين، فكيف بمصيرنا النهائي، المصير الخالد إذا وقفنا بين يدي الله عزوجل، أما أن يكون من أهل النعيم -جعلنا الله واياكم- أو – نعوذ بالله- يكون الانسان من أهل الجحيم، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

السبيل الوحيد لكي يكون الانسان منعما في الدنيا ومنعما عليه في الآخرة، هو أن يكون من أهل الصراط المستقيم، وهذا من دون أن يحصل على أمن فكري، يعني أن يتزود بالزاد الذي يجعله من أهل التقوى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} كيف يكون الانسان متقيا؟ يفعل ما يجب عليه أن يفعله ويدع ما يجب عليه أن يدعه، هذا زبدة التقوى.

لذلك، القرآن الكريم أفاض في الحديث عن التقوى وعن المتقين، في الجانب العلمي وفي الجانب العملي، وذكرنا أن «الأمن الفكري» يمكن أن نلخصه في مصدرين اثنين، إذا استقينا منهما معلوماتنا ومعارفنا، حتى نحكم على الأشياء بالصواب كما يجب، وعلى الخطأ بالخطأ كما يجب، فلا نجتهد من عندياتنا، كما نجده في كثير من شؤون كثير من الناس، حينما يخوضون في أشياء لا يحسنون الحديث عنها، في مثل هذه الحالة الانسان يعرّض نفسه للخطأ بل قد يُجزم بخطأه في كثير من الأحوال.

ذكرنا أن هناك صمامي أمان: –

صمام الأمان الأول: القرآن الكريم {إِنَّ هَٰذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

والصمام الثاني: سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي وضعنا على المحجة البيضاء، سمّى لنا الاشياء بأسمائها، أما أنه أعطانا تفاصيل كثير من الأشياء أو أعطانا كليات للأمور، حتى يستنبط أهل الاستنباط من هذه الكليات التفاصيل اللازمة أو سمّى لنا أفرادا يجب علينا أن نتبعهم لأنهم أهل الذكر، فحينما يجلل النبيُ صلى الله عليه وآله وسلم، أصحابَ الكساء ويقول (اللهم هؤلاء أهل بيتي) وحينما يقول أن ( الحق مع علي وعلي مع الحق يدور معه حيثما دار) هذا لا يريد فقط أن يشيد بأمير المؤمنين، وإنما يريد أن يقول (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي).

هل هذا المقدار يكفي؟ لا.

الآن هذا دور الله عز وجل ودور النبي وما قاما به، لكن القرآن ماذا يقول؟ يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.

أن يأتي الوحي من عند الله عزوجل، هذا نصف الطريق، النصف الثاني {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} أن يتلقف الانسان عطية الله عز وجل، ويحمده سبحانه وتعالى، على أساسها، فيعمل ما يجب عليه أن يعمل، وفقا لتلك الخطة الإلهية التي نزلت عليه، لكن دون هذه الخطة، هناك الكثير من المخاطر، مثل ما أن هناك صمامات أمان، هناك مخاطر، هناك ثغرات، إذا لم يسد الانسان هذه الثغرات، يتسلل إليه العدو فينسفه نفسا من الداخل، قبل أن يُنسف من الخارج.

من هذه المخاطر التي ورد في الأحاديث الشريفة والقرآن الكريم التأكيد عليها، أن القرآن الكريم، الذي أنزله الله عز وجل، علينا بمأمن من هذا الخطر وهو أن القرآن ثبت لدينا بالتواتر، لا يشك مسلم اليوم في أن المصحف الذي بين أيدينا هو كتاب الله الذي أنزله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا زيادة فيه ولا نقصان، وبالتالي، نحن نضمن هذا المصدر، هذا المعين نستقي منه العلم اللازم دون أي خلل، لا نحتاج أن نقول حدثنا عن فلان عن فلان عن فلان إلى رسول الله أن هذا هو قول الله عز وجل، ما يثبت بالتواتر، يعني ما ينقله الناس جيلا بعد جيل، على اختلاف مشاربهم وأذواقهم ومسالكهم، الناس لا يقعون فيه الخطأ، وهذه اعلى مراتب النقل والتصحيح.

فالقرآن، من هذه الناحية لا يستطيع الناس أن يكذبوا، يقف أحد على منبر أو في كتاب أو في خطبة أو في محاضرة أو في مجلس ويقول قال الله كذا، ولا يوجد هذا في القرآن، أو لم يقل الله عز وجل، والقرآن بين أيدينا، لا يستطيع أحد أن يكذب، فالقرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}

هذا أحد تطبيقات حفظ الله عز وجل للقرآن، هذا.

لكن السنّة النبوية، هل هي في مأمن عن أن يُكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

لا يجيب مسلم، عالم مسلم، بأن هذا الباب مغلق، بل “علم الرجال” ما يسمى “علم التراجم وعلم الرجال” و”فقه الحديث” و”علم الحديث” بشكل عام، إنما أُسس من أجل أن نضمن الوصول الى السنّة التي نطق بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم هذه النتائج، منها ما هو متفق عليه، يعني بعض الأحاديث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بلغت حد التواتر، لا يستطيع أحد أن يشكك في أن هذه الحادثة أو هذه المقولة صدرت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مثل “حادثة الغدير” أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بعد عودته من مكة المكرمة بعد أن حج الحج الأخير، أوقف الناس وصار “حادثه الغدير” وقال فيها (من كنت مولاه فعليٌ مولاه) هذا تواتر.

طبعا قد تجد لك إنسانا يحاول أن يشوّش، يمين ويسار، لكن لا يستطيع أحد أن يشكك في أن هناك حادثة اسمها “الغدير” وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، شهد لـ”علي” بالولاية، كما شهد لنفسه بالولاية، التفاصيل والألفاظ حتى لو اختلف الناس فيها، لكن هذا المقدار لا يستطيع أحد أن يشكك فيه.

لكن هناك كثير من الموارد، تثبت هذه الرواية عند فلان ولا تثبت بنفس النسبة عند فلان، وإن كانت ثابتة عنده، لكن هناك شخص يقول يقينية، قطعية وهناك من يقول يُطمئن إليها وهناك من يقول ثابتة بالمقدار الذي تعتبر من الناحية الشرعية وهناك من يقول ضعيفة وهناك من يقول موضوعة، والتطبيقات في هذا كثيرة.

لذلك، ينبغي إذا أراد أحد أن يتحدث مع طرف آخر أن يتعرّف على مبناه، على منهجه انت تريد أن تتحدث معه عن سنّة النبي، حدّثه بما يطمئن هو أن هذه سنّة وبما يعرف هو أنها سنّة، ولو بمبناه، تقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الكتاب الفلاني الذي تعتقد انت بصحته، أما أن يأتي أحد ويخاطبني أو يخاطبك بقال الله وقال الرسول وينقل عن شخص لا أثق فيه وعن كتاب لا أعتد به، فيكون بحثا عقيما، كما نجده في كثير من السجالات المذهبية، حيث يعتمد هذا على كتبه وعلى رواته في اثبات روايته على طرف آخر، لا يعتد بهذه الكتب ولا يثق بأولئك الرجال، فلا بد أن نرجع إلى نقطة نسلّم بها بين الطرفين.

فالقرآن في مأمن، لكن السنّة تحتاج إليها، لعل أحدٌ يسأل، يقول هل يتعمّد الناسُ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

نقول: هذا التاريخ شاهد على أن هناك من كذب على الرسول، في حياته كُذب عليه وبعد حياته زاد الكذب عليه، لاحظوا ماذا يقول الله عز وجل {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} هذه يتفق المفسرون على أن هناك واحدا من الصحابة كلفه رسول الله بمهمة، فجاء إلى النبي وأخبر كاذبا، كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حياته، يعني أخبره خبرا لا واقع له، بغض النظر عن التفاصيل، لكن القرآن يؤكد.

يأتي بعض الصحابة يقولون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم،  {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا} هؤلاء كذبوا على رسول الله أو لم يكذبوا؟!

طبعا بعضهم يقول أن هؤلاء هم المنافقين..! دعك من هذا، نحن لا نتحدث عن الأسماء ولا نتحدث عن الوقائع، لكن في المجمل، هناك من كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك كانوا يحتاطون في بعض الأحيان، إذا قال أحد الصحابة الذين يتفقون على أنه ثقة، قال: قال رسول الله كذا، يُسأل مَن شهد معك هذه الحادثة؟ لو كانت المسألة قطعية عندهم وإن أحدهم لو تحدث لا يُسأل من ورائه، لا يحتاج أن يتهم بالكذب ولا يحتاج معه من الشاهد، وإنما يريدون أن يتحرزوا خوفا من الكذب، من ناحية، وخوفا من الخطأ والغفلة والاشتباه، ولذلك، نجد أن اجتهاداتهم تتفاوت، والتفاصيل والمصاديق في هذا كثيرة جدا.

لكن نكتفي بهذه الرواية التي ينقلها “ابن أبي شيبة” في مصنّفه، يقول ” عن أبي قتادة قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم..” وآله مني ” يقول على هذا المنبر…” ويشير الى منبر النبي صلى الله عليه وآله “(إياكم وكثرة الحديث عليّ فليقل ومن قال فليقل حقا أو صدقا..)” لعل الراوي هو الشاك “(ومن تقوّل عليّ ما لم اقل فليتبوأ مقعده من النار)”.

النبي يخاطب مَن بهذه الرواية؟ يخاطب الذين كانوا حاضرين، يعني يخاطب الصحابة الذين كانوا موجودين، يحذرهم أن ينقلوا عنه الحديث، ويحذرهم إذا نقلوا الحديث عنه أن يقعوا في شيء من الخطأ والاشتباه، يعني أن يتحرزوا في نقلهم عن النبي أن يتحرزوا، فلا ينقلوا عنه إلّا الحق والصدق، لأن هناك في الروايات عندنا، وأنا نقلت هذه الرواية من غيرنا، لكن في ما يُروى عندنا أنه (كثرت عليَّ الكذابة) مو [ليس] كذب واحد حصل على رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما كثر عليه الكذابة.

وأما بعد حياة النبي، فالكذابون كثيرون، حتى أن بعضهم حينما أراد أن يجمع صحيحا متفق عليه، لم يستطع أن يجمع أكثر من (٢٤٠٠) ألفين وأربعمئة حديثا، تزيد أو تنقص قليلا، مع أن المنقول أنه كان يحفظ عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الأحاديث، هذا الذي استحصلته من رسول الله، تقول أنه صحيح؟!.

ولو قلن أن الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (١٠٠٠) أو (١٥٠٠٠) وهذا حديث نظري، ما حال بقية الأحاديث التي يقول بعض المحدثين ولا يسمي الحافظ في تصنيف بعض المحدثين، لا يسمى الحافظ حافظا في علم الحديث، إلّا أن يحفظ (١٠٠٠٠٠) حديث.

الآن، مجاميع الحديث عند المسلمين عموما، لا تبلغ هذا المقدار، فكيف هذا حافظ ؟

إذا كان ما حفظه كله عن رسول الله، كان يجب عليه أن ينقله، فلا يكتم علمه، أما أنه نقل شيئا أو حفظ شيئا لا يعتد هو به، يعني أن في المسألة فيها كذب كثير وتحتاج إلى غربلة.

لذلك، إذا أراد الانسان “الأمن الفكري” يجب أن يطمئن إلى أن الذي نقل له الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صادق في نقله من جهة، ودقيق من جهة أخرى، هذا خطر.

الخطر الثاني، الذي لو أن الانسان ابتُلي به، سُد أمامه وعليه باب الأمن الفكري، هو العقل.

 الله سبحانه وتعالى، آتى الناس عقلا، ودور العقل ليس هو أن ينتج علما وحيانيا، علم الوحي، نحن لا نتكلم عن الكيمياء والفيزياء وأمثالها، نحن نتحدث عن “علم الوحي” العلم النازل من عند الله وليس له إلّا مصدران اثنان، القرآن وهذا ثابت بالتواتر، لا يحتاج أن نبحث هل هناك آية زائدة أو ناقصة، هذا خلصنا منه، وإنما “السنّة”.

هذه السنّة التي جاءت عن النبي، بعد أن تحرزنا وتثبتنا منها، كيف نتعامل مع القرآن الكريم وكيف نتعامل مع السنّة المطهرة؟ هل نغلق العقول هذه، التي آتانا الله عز وجل، إيّاها، ثم نريد أن نفسر القرآن ونأوله دون أن نستعمل العقل؟! هذا مستحيل.

لذلك، نحن في حياتنا الاعتيادية، الدينية، على مَن نعتمد في تفسير القرآن الكريم والعلم الديني؟ نشوف لنا [نبحث عن] واحد مجنون ونسأله، حتى لو كان عالما فيما سبق؟ لو طرأ له الجنون لاحقا، سقطت قيمته العلمية والاعتبارية، ولا نسأل سفيها، نعرف إنسانا ضيّق الأفق جدا، بحيث يُصنف ضمن السفهاء والمخابيل من الناس، هذا نسأله عن تفسير القرآن الكريم والسنة المطهرة؟! مثل هذا، أيضا لا نسأله، لأننا مكلفون أن نتعقل.

لاحظوا القرآن الكريم، الله سبحانه وتعالى حينما يتكلم ويخاطب جماعة، يؤمر بأن يدخلوا إلى النار، فيدخلونهم النار {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} يعني هؤلاء كانوا صمّا لا يسمعون بهذه الأذن الذي كان يخاطبهم ثم هم لا يسمعون، ثم يدخلهم الله عز وجل، جهنم؟ لا، ليس هذا هو المقصود، من لا يسمع، النبي يتواصل معه بطريقة أخرى، حتى تقوم عليه الحجة، وإنما يقولون {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} يعني نتفاعل، نسمع بالأذن، لكن القلوب لا تسمع، العقول لا تسمع.

لذلك يصف الله عزوجل، أولئك المتمردين عليه لأنهم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} لا يفقهون، لا يعقلون، هل هؤلاء بالفعل، لو نظرنا إليهم صم لا يسمعون؟ عميٌ لا يرون؟ لا، كانوا يسمعون ويرون، لكن النظر المقصود والراي المقصود والسمع المقصود سمع القلب، وليس سمع الأذن.

هناك فئة من الناس لا تسمع، وهناك فئة عندها عقل، لكنها لا تعقل، كيف لا تعقل؟

في البيع والتجارة، الناس لا يقدمون على صفقة إلّا بعد أن يتثبتوا أن هذه الصفقة مربحة لهم، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جاء إلى الناس وسبقه أنبياء كثيرون، ألا يخبرون الناس بأن هناك جنة وأن هناك نارا وأن هذا الطريق يؤدي إلى الجنة والطريق الآخر يؤدي إلى النار، كيف تعامل الناس مع هذه الصفقة التي عرضها عليهم النبي، الذي كانوا يصفونه بأنه الصادق الأمين؟!

ألم يصموا أسماعهم ويعموا فلم يروا شيئا، ماذا يقول القرآن شيء { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} يخبرهم رسول الله بأن وراء هذا الفعل نار، لكن مع ذلك، كانوا يصرون على أن يخالفوا الله ورسوله، هؤلاء بالفعل { اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} هؤلاء لم يعملوا عقولهم.

لذلك، القرآن يقول {وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه} يعني وجود نفسه خفيفة، لا قيمه لنفسه عنده، أمير المؤمنين يقول (إن لأنفسكم ثمنا هو الجنة فلا تبيعوها إلّا بها) في مقام البيع والشراء، نفسك هذه ليست لك إلّا نفس واحدة، لا تبع هذه النفس إلّا إذا ضمنت وراء بيعك هذا الجنة التي عرضها السماوات والأرض، أما أن يسترخص الانسان نفسه، إذا استرخص الانسان نفسه وتعامل معه بنحو خفيف، الله عز وجل، يحكي لنا في القرآن عن فرعون يقول {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} كيف استخف قومه؟ خاطب غرائزهم، عصبيتهم، دنياهم، فاستعاضوا عن “موسى” عليه السلام بـ”فرعون” وأين “موسى” وأين “فرعون” وأين الثرى من الثريا، لكن الانسان اذا كان خفيفا واستخف نفسه يقع في مثل هذه الآفة.

“الإمام الرضا” عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول (صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله) العقل اصدق الصادقين معك عقلك، وأضر الأعداء عليك جهلك، لكن هنا شقان، العقل ليس المقصود منه أن يأتي إنسان ويقول أنا عندي عقل، يعني يذهب إلى الطبيب ثم الطبيب يشرح له شرحا مفصلا، طويلا، بعد أن درس الطب لاثني عشر سنة، ومارس الطب لاثني عشر سنة، وأصبح أستاذا مشاركا وبروفسورا متمرسا، ثم يراجعه المريض، والمريض عنده عقدة من هذه المشكلة المعينة، الطبيب يقول له يجب أن نجري عليك العملية، ما يقول هذا المريض؟ يقول أفكّر، كيف تفكّر! أنا مو [لست] مطمئنا لحديثك، يقول أنا عندي عقل!، ماذا يقال عن هذا المريض الذي يخاطب الطبيب بهذه اللغة؟ هذا سفيه، لأنه إنما ذهب إلى الطبيب لأنه يقر على نفسه -أنه صحيح أن أرضيه التعقل موجوده- لكن العقل يتفتح ويكبر وينمو، كلما زاد العلم والمعرفة، العلم يزود العقل بنوافذ وأبواب، هذا العلم يرتقي بالعاقل إلى مراتب عليا، وإلّا كل الناس يستطيع أن يقول أنا عندي عقل استطيع أن أفكر في كل شيء..!

لا، ليس كلنا عندنا عقل يسمح لنا أن نصلح السيارة، بل حتى أن نخبز الخبز، فالخبز تعتمد على هذا الخباز، لأنه أقدر مني ومنك، إن لم يكن أحدنا خبيرا بالخبز، يحتاج أن ترجع إلى هذا الخبّاز، لأنك لا تحسن أن تضع كمية الخميرة في الطحين ولا تعرف المدة التي يحتاجها، أيجيئ أحد ليقول أنا عندي عقل، يمكن أنا خبرتي العلمية والمعرفية وشهادتي تفوق كثيرا هذا الخبّاز، مع ذلك، لا يسمح لك عقلائيا بأن تنافس هذا الخبير، ولذلك، الله سبحانه وتعالى يقول {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ولو أن أحدا كرر هذه المقالة في غير محلها، لعد من السفهاء، لا يسمح له، لا يسمح لهذا الانسان أن يقول أنا عندي عقل وأفكر، هذا تطبيق خاطئ للعقل، سنأتي – إن شاء الله – على ضرب بعض الأمثلة من القرآن الكريم، كما جاءت عن “الإمام الرضا” عليه أفضل الصلاة و السلام، حتى نعرف كيف أن الكذب على الله وعلى رسول الله مضر، وكيف أن  الانسان إذا وظف عقله توظيفا سيئا ينتقل من حالة “الأمن الفكري” المنشود إلى حالة من الابتداع، إلى حالة من الضلال، إلى حالة من الضلال، إلى حالة من النبي صلى الله عليه واله، يقول (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي) ثم يأتي ويقول: نحن نختار…!.

“النبي” يقول لك أريد أن أعطيك شيئا تأمن به من الضلال، لو كنت قادرا على أن تؤمن نفسك من الضمان دون فعل الرسول، ما كلّف نفسه صلى الله عليه وآله أن يأتي وأن يهتم بك ويوصيك هذه الوصايا والحمد لله، يشكر الله عز وجل، على نعمة هذا الانسان العاقل المستغني عن كلام النبي وفوق ذلك حتى عن كلام الله عز وجل، يستطيع أن يستغني عنها كما حصل في تاريخ المسلمين كثير من هذه القضايا..!

نسأل الله أن نكون وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى