حديث الجمعة

حديث الجمعة : أنا حر .. سماحة السيد حسن النمر الموسوي

نص الخطبة التي ألقاها سماحة العلاّمة السيد حسن النمر الموسوي بعنوان «أنا حُرٌّ..!» يوم الجمعة ٦ ربيع الثاني ١٤٤٣هجري في جامع الحمزة بن عبدالمطلب بمدينة سيهات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق وأشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين‫،

رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‫،

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله‫،

عنوان الحديث سيكون «أنا حر»،

ماذا يعني أن يقول الانسان «أنا حر» وهل يعي هذا الانسان الذي يكرر هذه المقالة مضمون “أنا حر” وهل نحن كمتدينين، في الاسلام ممنوع علينا أن نقول “أنا حر” أو أن تمارس مقالة “أنا حر”؟!.

الجواب: أن أي موقف من المواقف قبولا أو إيجابا، لا يجوز عقلا ولا نقلا إلّا بعد أن تُستوعب المقالة، تُفكك تُحلل ثم إذا وقفنا على مضامين هذه المقالة، قبلناها أن كانت مقبولة كليا أو جزئيا، ورددناها كليا أو جزئيا، وفق ما نشخّص فيها من جوانب الصواب والخطأ، كما يفعل الطبيب تماما حينما يصف الدواء لمريض، إنما يصف له الدواء بعد المرض، وحسب مستوى هذا المرض، فإن كان سليما حمد الله سبحانه وتعالى وأخبره على “أنك سليم معافى ليس عليك شيء” يمكن أن يعطيه عددا من الوصايا، حتى لا يقع في براثن مرض، لكن هو الآن سليم، وإن كان مريضا، أعطاه من الدواء ما يتناسب وحالته المرضية.

للأسف الشديد، كثير ممن يكررون مقالة “أنا حر” أو ممن يرفضون مقولة “أنا حر”، لا يعون مدلول هذه المقالة، لا هذا الفريق يعيها بشكل جيد، ولا ذاك يعيها بشكل جيد. الذي يمكن أن نجمله هنا، والبحث في باب الحرية طويل، أُلف فيها كتب ومدونات مطولة، والعالم يضج في وسائل الإعلام وبين المثقفين وغير المثقفين، حول الحديث عن الحرية، ويتهم كثير من الأطراف بعضَ الأطراف على أنهم أعداء للحرية، مع أن الجميع يتفق على إنه لا يوجد حرية مطلقة، أنت لست حر، من قال بأنك أنت أيها الانسان حر، ليس في خارج بدنك وكيانك، بل داخل بدنك أنت لست حرا.

 إذا كان الانسان سليما في عينيه، يستطيع الابصار، هل يستطيع أن يقول “أنا أفتح عيني، في مكان مضيء ثم أقول سأفتحها ولن أبصر، أنا حر سأفتحها ولن أبصر..!

لا تستطيع، إذا كانت عيناك سليمتين ونظرت إلى جهة من الجهات، أنت مجبور على أن ترى، وكذلك إذا كان سمعك سليما، لا تستطيع أن تحجب الصوت عن أن يصل الى مسامعك وتقول أنا حر أسمع أو لا أسمع، لا، لست حرا، لا حرا في أن تسمع ولا حرا ولا قادرا على ألا تسمع.

لذلك، لاحظوا، في الشريعة حينما يقولون يحرم الاستماع الى الغناء، لا يقولون السماع، المحرّم هو الاستماع، والاستماع هو أن يطرق الغناء سمعك، ثم تلتفت إليه وتستجيب له، أما أن تكون عابرا في الشارع أو تفتح التلفاز أو وسائل الاعلام وتمر عليك أغنية ثم تتجاوزها، أنت سمعت شيئا من الغناء، لكنه لا يعنيك من قريب ولا من بعيد.

لا يستطيع الانسان أن يكرر مقولة “أنا حر” يجب أن يعي، ماذا يعني أن يكون الانسان حرا؟! يعني أن يتحلل من القيود، لا تستطيع أن تتحلل من القيود، خلقك الله عز وجل جسمانيا، يعني لك كتلة مادية تتحرك بها، تنتقل من مكان الى مكان وفق معادلة يعرفها أهل الفيزياء، هل تستطيع أنت أن تتحرك أكثر مما تسمح به قوانين الفيزياء؟ لا، بدنك له وزن معين، قدراتك لها وزن معين، تستطيع أن تسير أو تركض بالسرعة الفلانية، تستطيع أن تسير في الاتجاه الفلاني، أما أن يواجهك جدار، ثم تقول “أنا حر” أنا أريد أن أمر من خلال الجدار، تفضّل حر تفضل، إمشي من وراء الجدار، لا تستطيع.

لذلك، يجب أن تُحلل المقالة، طبعا بعضهم حينما تواجهه هذه الأسئلة، قال: أنا لا اقصد، أنا لا اقصد أني أنا حر في كل شيء..!

إذن، قيّد كلامك وتكلّم بالكلام المعقول، أنت حر، تريد أن تقول أنا حر في أي شيء، حر أمام الله أو أمام الناس؟! ستجده لا يملك الجواب الكافي، لأنه يخشى أن يقول “أنا حر” أمامك، لكنّي لست حرا أمام الله، أو يقول لا، لا تقيدني بما جاء من عند الله، لكن أنا أمامك أنا حر، حتى في هذه لا يستطيع أن يقول أنا حر، أنت أمام الناس لست حرا وأمام الله لست حرا.

قوانين الله عز وجل قسمان، تكوينية وتشريعية، التكوينية ضربنا له مثال، وأضيف إلى ذلك أنت تولد من أبوين لا تختارهما، فجئت إلى الدنيا في توقيت لم تختره، ومكان لم تختره، ومن أبوين لم تخترهما، بتكوين بدني لم تختره، صفات جينية لم تختر شيئا منها، مقدار من المزاج لست مختارا له.

النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) يمكن واحد يقول كيف أنا أرضى الخلق؟ نعم بعض الناس حاد المزاج، والمقصود هنا الخلق الطبع، لأنه إذا كان الانسان مرضيا في دينه يعني هو صاحب أخلاق فاضلة، الانسان إذا تديّن وكان صادقا في تديّنه لن يغضب غضبا غير مشروع، لن يؤذي أحدا أذى غير مشروع، وبالتالي، تسلّم ابنتك التي جعلها الله عز وجل امانة عندك إلى من تثق بأنه سيحسن التعامل معها كما أحسنت أنت، التعامل معها.

لكن الجانب الاخلاقي كيف؟ بعض الناس طبعه نزق، طبعه غضوب، طبعه ملول، وابنتك قد لا يوافقها هذا الطبع، بعض البنات أو الأولاد، إذا كان هذا حاد، يمكن أن تجمع له اللين، فيتعادلان، حدة هذا تستطيع أن تمتصه، لكن إذا كانت هي حادة المزاج وهو حاد المزاج، عليك أن تتوقع المشاكل في أول الفترات.

لذلك، ينبغي للإنسان أن يحسن اختيار الزوجة من أكثر من زاوية، وهي تحسن الموافقة والاختيار من أكثر من زاوية، قد لا يتوافقان، في الطول وفي الوزن وفي الانتماء المكاني وفي الانتماء الزماني وفي الطباع وفي التعليم، أكثر من زاوية، هو محمود، يعني يمكن أن يكون إنسانا في منتهى الاستقامة، من الناحية الشرعية، لكن لا يرتضيك طبعه، ليس عيبا فيه، لا يوجد فيه عيب من العيوب الشرعية، لكن القلوب والنفوس جنود مجندة مو[أليس] يسمّونها بالتعبير اليوم لا يوجد كيمياء بين الطرفين، كيمياء بين الطرفين لا يوجد، وبالتالي، لا يصلحان كزوجين.

كذلك، الحال بالنسبة إلى الانسان، أن يكرر مقولة “أنا حر” وهو لا يعي معنى أنا حر، هذا أمر مؤسف.

هنا أربعة عناوين، نقف عندها بإيجاز شديد:

العنوان الأول: هو الشعور.

الله سبحانه وتعالى خلقنا ونحن نحمل مشاعر معينة، شعور، الشعور يعني الميل تجاه أشياء ورفض أشياء معينة، طفلك الصغير في المنزل أو أخوك الصغير تسأله، حينما تريد أمك أن تطبخ له أكلا معينا، غذاءا معينا، قال: لا أحب هذا.

طفل صغير لم يلقنه أحد، لكنه تذوق هذا أو أبصره بعينيه، لم يعجبه، لا لونه ولا طعمه، لا تستطيع أن تجبره، هذه محبة، هذا شعور، والاسلام لم يأمرنا بأن نتحكم في مشاعرنا، لكن أمرنا وكلفنا بأن نضبط المشاعر، حتى لو أنك لم تحب فلانا من الناس، -كما قلنا مشاعر لا يوجد عندك- لكن لست حرا في أن تجلس في المجالس وتتهكم بفلان، لأنك لا يوجد بينك وبينه كيمياء، لا تحبه هذا شأنك، لكنك حينما تتفوه بمشاعرك هذه، تعبر عنها، أنت تسيء إليه أنت تؤذيه، أنت تزعجه، أنت تهتك شخصيته، يعني أنت تقتله معنويا، مشاعرك، لا يستطيع أحد أن يتحكم فيها، لكن الله عز وجل، بعث الانبياء من أجل أن يضعوا لنا أطرا، حتى نطور من هذه المشاعر، فتكون مشاعرك مشاعر حسنة، طيبة.

لذلك في الرواية المعروفة، أن هناك جنودا للعقل وجنودا للجاهل، الحقد والطمع والجشع، قد لا يتساوى فيها حتى الأطفال الصغار، تجد طفلا يبذل، وطفلا لا يبذل، هذا لا دخل لا دورة أخلاقية ولم يحتك بأحد، لكن هكذا، الله سبحانه وتعالى خلق هذا فيه قابلية الجود والسخاء، تقول له إعطني، يرتاح يعطيك وهو مرتاح، وبعض الأولاد شغله الشاغل أن يحافظ على أشيائه وأغراضه، ألا يمسها أحد ولا يلمسها أحد.

ما الذي صنع هذا؟ هناك تكوين داخلي، لا يعاب عليه، لكن نحن من عملية التربية والتعليم، نحسّن من طباعه، فنطور من مداركه، إذا تطورت مداركه، عرف أن هذا سلوك قبيح وأن هذه رذيلة أخلاقية، فيتخلص منها شيئا فشيئا، فإذن هناك مشاعر.

لاحظوا، الله سبحانه وتعالى في القرآن، ماذا يقول؟

يقول { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } أي دين هذا الذي لا إكراه فيه؟ القلب، العقل، يعني لا نستطيع أن نجبر أحدا على أن يقتنع بأن هذا حق أو باطل، تكليف الأنبياء والرسل ومن سار على دربهم {إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} لكن الله عز وجل، ما كلّف الأنبياء أن يفرضوا على الناس الدين { أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } هذه مسألة قلبية، لكن نحن نجادله، نحاججه، نستدل، نبرهن، لعل وعسى الله سبحانه وتعالى، يتحكم فيه ويزيد من ميله تجاه الحق، فيكون من أهل الحق، وقد لا يكون هو لديه الاستعداد النفسي أن يختار هذا، فينحرف.

فإذن، هناك شعور، شعورك تستطيع أن تقول “أنا حر” بنسبة معينة، مع أنه -لاحظوا- كيف أن الانسان ليس حرا، أحيانا أنت يكون عندك ميول سلبية أو إيجابية تجاه أشخاص ولم تعهد منه أي سلوك أبدا، لم تره أصلا، بمجرد أن رأيته، ارتحت له أو بمجرد أن رأيته، لم ترتح له، لم يتكلم ولم تتكلم، لم يتحدث معك ولم تتحدث معه، لم يمارس معك سلوكا معينا ولم تمارس معه سلوكا معينا، من أين نشأ، هذه المودة أو المحبة والميل معه أو ضده؟ هذي عملية معقدة جدا، ليست أمرا هينا الخوض فيها في حديث ميسور، فإذن، حتى في مجال المشاعر، لا يستطيع الانسان أن يقول أنا حر.

العنوان الثاني: الشعار.

الشعار هو مقالاتك التي تتكلم بها، كلامك أو ملابسك، أنت حينما ترتدي لباسا معينا، أنت تعبر عن شخصيتك، عن ميولك، تلبس اللباس المعين لتشير للأطراف الآخرين، أنا ذكر لست أنثى، الآن هناك من يريد أن يقول لا تلقنوا حتى الأولاد، لا تلقنوهم ذكر وأنثى، كيف يعني لا نلقنهم ذكر وانثى؟! يعني نصنع لنا -أجلكم الله- دورة مياه موحدة للذكور والاناث؟! حتى أنتم لا تفعلونها، خلق الله عز وجل الذكر ذكرا والأنثى أنثى، حتى في قضاء الحاجة يختلفان اختلاف الذكور والاناث.

لكن هناك شذوذا في التفكير الآن، هناك ما يسود، شذوذ في التفكير، يريدون أن يخرجوا البشرية حتى عن المسار الفطري، المسار الطبيعي، فإذن، هذا الشعار.

هل أنت حر في أن تختار الشعار الذي تريد، يعني تتكلم بما تشاء، تلبس ما تشاء تتصرف بما تشاء؟

هذا لا يقوله عاقل ولا تقبله، لا دولة دينية ولا متدينة ولا دولة ملحدة، الدول لماذا تضع القوانين؟ تضع القوانين من أجل ضبط الشعارات ضبط المقالات والأفعال بين الناس، تذهب في المكان الفلاني، بمجرد أن يراك المسؤول المكلّف بالسماح بالدخول في هذه المنشأة، يقول: أنت بهذا اللباس، ليس مسموحا لك أن تدخل، ليش[لماذا]؟ أنا حر..! قال لك: لا، لست حرا.

تريد أن تدخل حفلة معينة، قال لك: لا، أين لباسك المناسب؟ ليش[لماذا] لباس مناسب؟ لا، لست حرا.

 فإذن، حتى على مستوى الشعار، ليس الانسان حرا أن يتفوه بكل ما يشاء، سلسلة من القوانين الطويلة والعريضة.

في “تويتر” ليس مسموحا لك أن تكتب كل شيء، في “اليوتيوب” ليس مسموحا لك أن تنشر كل شيء، في “الجرائد” ليس مسموحا لك أن تكتب كل شيء، في “المؤلفات” ليس مسموحا لك أن تكتب كل شيء وتطبع كل شيء، كل الدنيا تتوافق على أن هناك ضوابط، اتفاق البشر والعقلاء جميعا، على هذا، يعني أنه ليس هناك شيء اسمه “أنا حر” انطق بما أريد، لا، ليس مسموحا لك، كعقلاء -نحن الان لا نتكلم على المستوى الديني- كعقلاء ليس هناك أحد يقول بأن الانسان حر في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء، هناك مسؤولية.

لاحظوا، الله سبحانه وتعالى ماذا يقول -الآن نتكلم عنه كمتدينين – {ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد}.

الشريعة قالت لك أعطيناك لسان، بل يمن الله سبحانه وتعالى، بأن جعل لك {لسانا وشفتين} لكن قال أعطيناك اللسان من أجل أن تحسن استثماره، لا أن تجعله أداة تدمير، تسب هذا وتشتم هذا، تغتاب هذا وتنم هذا، هذا سيجعلك في مكان المسؤولية.

يقول أيضا عز وجل{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِىٓ ءَامِنًا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} هذي في ذيل الآية { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } يعني الله سبحانه وتعالى لم يجبرنا على أعمالنا، لكن قال { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يعني سيحاسبكم.

كيف يلحد الانسان في آيات الله؟ يلحد الانسان في آيات الله بأن يتلاعب بآيات الله في الكون وفي التشريع، القمر يسميه الشمس والشمس يسميها قمر، الذي يتحرك يمين يقول يتحرك يسار، يتلاعب بعقول الناس، استهزاءا وأمثال ذلك، هذا عبث.

ما يدل على الله لا يجعله دالا على الله، يقول: أخبروني كيف يدل القمر على الله؟ تقول له “الآيفون” يدل على الله، آيفون، “القمر” يدل على الله مثل ما “الآيفون”، تنظر إليه تقول ما شاء الله ما هذا التطور، ما هذه التقنية العالية، سبحان من خلق هؤلاء المهندسين، نقول له كمّل، كمّل[أكمل] هذا يعني أن هناك الله، إذا كان “الآيفون” يعجبك، يأخذ بمجامع قلبك، بحيث تقر بأنه لا يمكن أن يكون قد صنع صدفة، كيف بالقمر؟ يعني هذا يدل على المهندس والصانع، ذاك لا يدل؟! هذا إلحاد بآيات الله، لو أن الانسان خالف هذا المعنى.

العنوان الثالث: الشعائر.

الشعيرة، الشعيرة هي عناوين دينية، الله سبحانه وتعالى جعلها، ثبتها، ألزم بها من يتدينون بدينه، كالصلاة والصيام والحج وما نسميه العبادات، هذه أنت حر أيها الانسان بان تفعلها أو لا تفعلها، بأن تزيد في أعداد الصلاة، تنقص من أعداد الصلاة، تقدم وتؤخر في شعيرة الحج؟ لا، لست حرا، ما دام أنك تديّنت بدين الله وقبلت الله، رضيت بأن الله عز وجل مولاك وخالقك وله الحق والأمر، الحق في الأمر والنهي عليك، {إن الدين عند الله الإسلام} تستسلم.

الله سبحانه وتعالى جعل مصدر التشريع القرآن الكريم، مو [ليس] من جيبك تجيب أحكام شرعية وتقول أنا أشرّع، لا { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ }.

فإذن، ما يدخل تحت عنوان الشعائر نتلقاه بالقبول والتسليم، لما جعل الله عز وجل صلاة الصبح ركعتين؟ لا نعلم، الله أعلم، لم جعلها في الظهر أربع ركعات؟ لا ندري، لأن هناك [من]يقول: “شيء لا أعقله، لا أقبله..!

زين، إذا صدر القانون من الدولة التي أنت فيها، ونشر في الجريدة الرسمية، بعد تروح للمسؤول تقول: والله أنا لا أقبل بتسعيرة الكهرباء اذا أنا ما قنعت بانها عادلة، لن أدفع..! لن تدفع، نعلمك، نقطع عليك الكهرباء ولا تدفع، لماذا هنا تستسلم؟!.

الله سبحانه وتعالى، تعامل معك أيها الانسان بطريقة راشدة، قال { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } لكن ستدفع الثمن { إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فإذن، الشريعة والشعائر تبيّن لنا هذا المعنى.

النبي ماذا يقول صلى الله عليه وآله، قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) يعني لا تتلاعبوا في الصلاة، لا تتلاعبوا في الصوم، لا تتلاعبوا في الحج، مثل ما فعل النبي نفعل، مثل ما أمرنا أن نمارس، نمارس، كيف بيّن لنا الله عز وجل ورسوله أن نأخذ التشريعات ممن؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }.

الله سبحانه وتعالى، يقول {انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا} فإذن، النبي صلى الله عليه وآله، الذي { مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } بيّن لنا، كيف نتديّن لله، كيف نستسلم لله، وقال لنا، بيدكم أنتم أن يعني تطبقوا ما قلت أو لا، لكن (إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) من أراد الأمان في الدنيا والآخرة، هذا هو الطريق، من لا يريد شأنه { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.

نجيء للعنوان الرابع: الشريعة.

الشريعة في الحقيقة هي المنظم لمسألة الحرية، تريد أن تكون حرا، استنطق شرع الله عز وجل، المثبّت في الكتاب الكريم والسنة المطهرة، ماذا قال النبي؟ تريدون أن تأمنوا من الضلال؟ يعني الانسان يضل، ليس يضل يذهب من مدينة الى مدينة فيضل في الطريق، نقول ضل الطريق، هذا ضلال بسيط، ترفع التلفون وتسأل الجهات المختصة، ويدلوك وهذه الأيام عاد الأمر سهلا، عبر الوسائل الحديثة، تستطيع أن تصل الى بيتك، لكن عندك “جي بي إس” يرشدك إلى الله، أن الصلاة أربع ركعات ولا ثلاث ركعات؟ الـ”جي بي إس” الوحيد رسول الله، والقرآن الكريم، غير هذا لا يستطيع الانسان أن يعرف الطريق الى الله، الطريق الى الله محصور في دينه{إن الدين عند الله الإسلام}لذلك، الله سبحانه وتعالى، يعيب على أولئك الذين يشرّعون بغير إذنه، فيقول { آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } من يشرّع بغير إذن من الله، يفتري على الله.

فالشريعة ماذا فيها؟ الشريعة فيها نوعان، ثابت ومتغير، الثابت يعني الأحكام التي لا تحتمل التغيير والتبديل، مثل الشعائر، الصلاة، الصلاة من زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ستبقى هذه هي الصلاة.

يمكن واحد يقول: احنا نصلي قصر وتمام..! نقول: نعم، هكذا جاء من الله، إذا كنت مسافرا في ظروف معينة تصلي قصرا، في بلدك تصلي تماما، هذا من ضمن الثابت، يعني صلاة القصر ركعتين في الرباعية ثابت، صلاة الرباعية، الصلاة الرباعية في بلدك، هذا من الثوابت، لا نستطيع أن نغير.

لكن هناك أحكام متغيرة، الشريعة التي تنظم حريتك، فيها مجال، فيها مرونة في السابق كانت الطرق، الناس يتحركون ويسيرون مشيا على الأقدام وعلى الدواب، لا يحتاجون الى شوارع متسعة، يكفي أن يكون الشارع مترين وأربعة أمتار وستة أمتار، اليوم لا، تحتاج دفاع مدني وتحتاج أسعاف وتحتاج سيارة ذهابا وإيابا، هذا الشارع الذي كان يكفي الناس ويؤمن حاجاتهم أربع امتار وثلاث أمتار ما عاد يكفي، من حق البلدية أن تنظّم وتقول نحن نراعي الشروط الصحية والأمنية والاجتماعية والبيئية وأمثال ذلك، فنجعل الشارع عشرين متر، أربعين متر، في بيتك، إذا أردت أن تسكن، يقول لك: والله نسمح لك تربي حيوانات أو لا تربي، عندنا سلسلة من الشروط، يسألون الأطباء والمختصين والبيئة وأمثال ذلك ثم ينظّمون سلسلة من القوانين، يحدّون فيها من حرية الانسان، هذا عمل مشروع، ليس أمرا ممنوعا والشريعة تبيحه، لكن تلزم المسؤول ألا يتحكم في الناس، يعني أن لا يتحكم اعتباطا ويراعي مصالحه الشخصية وإنما يراعي مصالح الناس.

نشير لاحقا -إن شاء الله- إلى أربع نماذج، من النماذج التي تبيّن لنا كيف أن الانسان ومقولة “أنا حر” بالطريقة المتسيبة، هذه التي يكررها بعض من لا فقه له، ولا معرفة له، ولا يملك الثقافة اللازمة، هي مقولة خاطئة، تضره أكثر مما تنفعه.

 نسأل الله عز وجل أن نكون واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اللهم صل على محمد وال محمد، اللهم كن لوليك الحجةِ بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصرا ودليلاً وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار والمنافقين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وأغن فقرائنا وأصلح ما فسد من أمر ديننا ودنيانا ولا تخرجنا من الدنيا حتى ترضا عنا يا كريم، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى